بقلم د. يحيى الجمل | الاثنين ١٧ نوفمبر ٢٠١٤ -
١٨:
٠٨ ص +02:00 EET
جذور الثورة الأم مع خالد محيى الدين فى كتابه «الآن أتكلم»
سعدت سعادة غامرة عندما علمت أن مكتبة الأسرة أعادت أخيراً طبع كتاب الصديق العزيز خالد محيى الدين – أعطاه الله الصحة – أحد كبار مفجرى ثورة ١٩٥٢ وقد أعدت قراءته وتمتعت كثيراً بذلك بل وجدت كثيراً من المعلومات التى جارت عليها عوامل التعرية الزمنية. وفى كل كلمة فى هذا الكتاب تلمس صدق كاتبها وتلمس أيضاً أنه يكتب من أجل مصر ومستقبل مصر. يقول خالد فى مقدمة كتابه «أكتب وعينى على مصر وعلى شعبها وعلى المستقبل.. فمصر تستحق منا أكثر مما قدمنا». هذا فى مقدمة الكتاب فى طبعته الأصيلة فى أغسطس ١٩٩٢.
وكتاب خالد ليس كتابا فى التاريخ وإنما هو أقرب إلى السيرة الذاتية لرجل شارك فى صنع تاريخ مصر فى وقت من أهم أوقاتها.
وقد يعجب القارئ عندما يعلم أن خالد عاش طفولته فى بيت جده لأمه الذى كان شيخاً للطريقة النقشبندية. وكان هذا البيت يسمى «التكية» ويقول خالد إن «باب التكية مفتوح لا يغلق إلا فى المساء. وهل يليق بدراويش الطريقة النقشبندية أن يغلقوا بابهم فى وجه إنسان؟».
ويقرر خالد فى المقدمة أن المكونات الثلاثة التى أثرت فى تشكيل نفسيته وتكوينها واتجاهاته الفكرية بعد ذلك كانت مكونات ثلاثة. أولها: المكوّن الصوفى النقشبندى وهو مكون رومانسى إلى حد كبير. ثانيها: المكوّن الوطنى الذى يتمثل فى حب مصر وشعب مصر وكيف كان لحادث ٤ فبراير الشهير أثره عليه. ثالثها: المكون الاشتراكى الماركسى الذى كان يرجع إلى حد كبير إلى «عثمان فوزى» الذى كان يمده ببعض الكتب اليسارية ثم واصل بعد هذا الطريق مع صديقه «أحمد فؤاد»، وكيل النيابة، الذى كان يؤمن بالماركسية.
وبعد أن تحدث خالد عن هذه المكونات الثلاثة لشخصيته بدأ يتحدث عن الطريقة التى قادته إلى تنظيم الضباط الأحرار وإلى معرفة جمال عبدالناصر، ويتحدث خالد هنا عن صلته هو وجمال عبدالناصر بجماعة الإخوان المسلمين، وكيف أُعدُ لهما لقاء مع حسن البنا ورغم اعترافه هو وجمال عبدالناصر بمقدرة حسن البنا على الإقناع إلا أنهما، خاصة جمال عبد الناصر، خرجا من اللقاء غير مرتاحين ويذكر خالد هنا كلمة لعبدالناصر قال له فيها ما معناه إنه يشعر بأن هذه الجماعة تريد أن تستغلهما وتستغل مجموعة الضباط التى كانت قد بدأت الارتباط بهما فى حركتها وأن عبدالناصر رفض ذلك وابتعد هو وخالد عن حركة الإخوان. كان ثروت عكاشة، وزير الثقافة الأشهر، هو الذى اتصل بخالد وحدد له موعدا مع جمال عبدالناصر حيث تشكلت الخلية الأولى لتنظيم الضباط الأحرار. التى عقدت اجتماعها الأول فى منزل جمال عبدالناصر خلال عام ١٩٤٩. وبدأت مسيرة هذا التنظيم نحو ٢٣ يوليو. فكيف كان المسار كما عبر عنه خالد فى كتابه الممتع؟. ويذكر خالد أن مجموعة الضباط الأحرار لم تكن وحدها هى التى تعمل فى الجيش وإنما كانت هناك مجموعات أخرى ولم يكن بينهم فى البداية صلات. كانت هناك مجموعة جمال منصور ومجموعة الحرس الحديدى، برئاسة مصطفى كمال وصفى، ومجموعة أنور السادات التى كانت تضم إلى جوار بعض ضباط الجيش بعض العناصر المدنية. ولست هنا بصدد الإشارة إلى كل ما جاء فى الكتاب الممتع لخالد محيى الدين «الآن أتكلم» وإنما سأتوقف عند محطتين أنهى بهما هذا المقال. المحطة الأولى: كيف تحدد ميعاد تحرك الضباط الأحرار. المحطة الثانية: الافتراق بين رفيقى الكفاح خالد محيى الدين وجمال عبدالناصر وذهاب خالد إلى سويسرا فى صورة نوع من النفى الاختيارى.
أما عن المحطة الأولى فقد توالت بسرعة بعد قرار حلّ نادى الضباط وما تبعه من تهديد باعتقال عدد من الضباط وبعد ذلك التفكير فى حملة الاغتيالات ثم العدول عن ذلك وفقا لرأى عبدالناصر ثم اتخاذ قرار بحل التنظيم يوم الثانى من أغسطس ١٩٥٢ لإملاء شروطه على الملك وبعد ذلك ولأسباب شرحها خالد فى كتابه عقدت لجنة القيادة اجتماعا بعد ظهر ٢٢ يوليو ١٩٥٢ وقررت فيه أن يبدأ التحرك ليلة ٢٣ يوليو. ودخلت مصر مرحلة جديدة من تاريخها. هذا عن المحطة الأولى. أما عن المحطة الثانية فقد بدأت استقالة محمد نجيب من رئاسة التنظيم وأدرك عبدالناصر خطورة الموقف واقترح أن يعود نجيب وأن يستقيل مجلس قيادة الثورة وأن تشكل حكومة مدنية برئاسة خالد محيى الدين وأن تعود الحياة النيابية بعد فترة ستة أشهر. ولكن ذلك لم يتم لأسباب كثيرة يوضحها خالد فى كتابه الممتع. وينتهى الأمر بأن يختار خالد نوعا من النفى الاختيارى إلى سويسرا. وقد كتبت هذا المقال لكى أوضح للقارئ مدى أهمية هذا الكتاب ومدى حاجتنا جميعا لقراءته والاستفادة منه.
وثورة ٢٣ يوليو مازالت هى الثورة الأم بكل ما فيها من تجارب وأخطاء وآلام ومكاسب.
وسيحفظ الله مصر.
والله المستعان.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع