كمال زاخر
تمر هذه الأيام ثمانى سنوات على المؤتمر الأول للتيار العلمانى القبطى (14 نوفمبر 2006) والذى عقد تحت عنوان "رؤية علمانية في الإشكاليات الكنسية"، وكان علامة فارقة فى تناول هذه القضايا بموضوعية والتزام كامل بالترتيب الكنسى، تأسيساً على أن الكنيسة كائن حى، يستوجب مراجعة واقعه وضبطه على أصوله الآبائية عبر ما يعرف بالتقليد فى صحيحه.
وصدر عن المؤتمر بيان افتتاحى أكد أن اللقاء "هو نوع من الحوار"؛ للحفاظ على موضوعية عبر ما يطرح وحرصًا على ألا يتحول بفعل البعض إلى ساحة للمهاترات".
وفى ظل الإتهامات السائدة والمشككة فى مصداقية التحرك، أكد البيان أن اللقاء غير ممول من أية جهة أو مؤسسة مصرية أو خارجية، بل يعتمد على الجهود الذاتية للقائمين به، وحدد البيان منهجية سير اللقاء فهو يقوم على محاور علمية ويعتمد المناقشات الموضوعية، لذلك كان من الضرورى انتقاء المشاركين بعيدا عن معايير مصادرة الرأى الأخر فهو ليس مؤتمرًا عامًا إنما هو أقرب إلى الحلقة النقاشية.
وجاء البيان مؤكداً أنه يسعى إلى تقديم رؤية تقييمية عبر مراجعة الواقع الفعلي للكنيسة، من أجل تطوير أداء آلياتها للوصول لشكل متكامل من العمل المؤسسي داخل الكنيسة.
وأن العمل فيه عمل جماعى يكرس ثقافة الفريق ولا يسعى للأضواء والإعلام، وعلى جانب آخر أكد البيان، إن القائمين على اللقاء يحرصون بشدة على تجاوز الطرح الطائفي، لذا فتناول كافة محاور اللقاء يأتى في إطار وطني مصري على أرضية المواطنة اتساقاً مع كون الكنيسة القبطية واحدة من أقدم مؤسسات المجتمع المدني المصرى.
وفى تأكيد أن الكنيسة ليس لديها ما تخفيه أو تخجل منه، وانتهى البيان إلى أن توصيات اللقاء وأبحاث ودراساته هي هدية من القائمين على اللقاء والمشاركين فيه للبابا شنودة الثالث كنوع من المشاركة الفكرية في توثيق العلاقة بين العلمانيين والكنيسة.
وجاءت محاور اللقاء عبر يومين لتتناول قضايا وإشكاليات غاية فى الأهمية حتمتها القراءة الموضوعية لواقعنا الخاص والعام، إذ تناول اليوم الأول قضايا:
ـ الكنيسة والوطن؛ الأقباط على أرضية المواطنة، بغية إعادة إنتاج خطاب دينى يقدم رؤية مستنيرة لدور الكنيسة فى إعداد إنسان مشارك على أرضية المواطنة.
ـ علاقة الإكليروس بالعلمانيين (رؤية حقوقية – إجتماعية – لاهوتية)، تحدد فيه الضوابط الحاكمة
للعلاقة بين الإكليروس والعلمانيين لتخرج بها من إطار التبعية الى التكامل فى ضوء الأبعاد الحقوقية والاجتماعية واللاهوتية، انطلاقاً من كون الكنيسة جسداً واحداً متكاملاً .
ـ عودة الدور العلمانى المشارك: وفيه قدمت رؤية تحليلية للمجلس الملى، تناول الوسائل العملية لعودة الدور العلمانى المشارك فى اتخاذ القرار فى الجوانب المدنية الإدارية والمالية، ومعالجة سلبيات تجربة المجلس الملى؛ المسمى ـ التكوين ـ الصلاحيات ـ الدور التنموى.
أما اليوم الثانى فقد تناول:
ـ البعد اللاهوتى والفكرى فى أزمة الكنيسة الراهنة: وتناول بالتحليل للأبعاد اللاهوتية التى تولَّد عنها – غيابًا وحضورًا – نشوء وتزايد تلك الإشكاليات، وكان هذا المحور من أشد المحاور سخونة ليس فقط لموضوعه بل أيضاً لأنه طرح أوراقاً ساخنة ولا تفتقر للجرأة ربما إلى حد الصدمة واحدة منها للدكتور جورج حبيب بباوى، وتأتى بعد فترة وجيزة من صدام الكنيسة معه، وأخرى لراهب من أحد أديرة وادى النطرون.
ـ تقنين المحاكمات الكنسية بدلاً من العرف والتقدير الشخصى: وفيه قدمت أكثر من ورقة تراوحت بين وضع ملامح عامة لما يجب أن يكون عليه التقنين الكنسى وبين قراءة فى الأطر الآبائية لمنهج المحاكمات الكنسية وأهدافها، وقُدم تصور قانوني للقواعد المنظمة للمحاكمات الكنسية ( ضمانات العدالة – درجات التقاضى – توصيف المخالفات والجرائم والعقوبات وتدرجها ) للخروج بها من إطار العرف والتقدير الشخصى إلى تقنين معاصر موثق ومكتوب يتفق وضمانات حقوق الإنسان وتأكيد الهدف الإنجيلى منها.
ـ القوانين المنظمة لاختيار البابا والأسقف والعلاقات البينية داخل منظومة الإكليروس: وقد أثار هذا المحور الكثير من ردود الفعل العنيفة والتى حسبته غير لائق، ويمس مشاعر قداسة البابا، بالمخالفة لواقع أوراقه والهدف من ورائها، والتى تدعو إلى مراجعة وضبط القوانين المنظمة لأختيار قيادات الإكليروس لتتفق مع رسالة الكنيسة وفقاً للتقليد الكنسى المُحقق ( الترشيح – الانتخاب – الصلاحيات – العلاقات البينية )، وقد ترتب على خطورة هذا المحور وما اثاره من جدل حوله أن خصصنا له ورشة عمل مستقلة عقدت فى 21 يوليو 2007 تبلور فيها مشروع متكامل للائحة بديلة لانتخاب البابا البطريرك.. تم تقديمها لقداسة البابا شنودة، واعدنا تقديمها لقداسة البابا تواضروس عقب إعلان اسمه فى القرعة الهيكلية.
وعقب انتهاء أعمال اللقاء وصدور توصياته قامت مجموعة العلمانيين بإرسال كل الأوراق والأبحاث التى طرحت بالمؤتمر وكذلك توصياته إلى قداسة البابا وإلى المجمع المقدس، وكذلك المجلس الملى العام، وكان قد سبق دعوة الكنيسة، آباء المجمع المقدس وأعضاء المجلس الملى العام، للمشاركة فى فعاليات المؤتمر، وهو الأمر الذى لم يجد استجابة، بل قوبل بالرفض والتشكيك فى المؤتمر والقائمين عليه.
ونظراً للتداعيات المختلفة التى أعقبت هذا اللقاء قام وفد من المجموعة العلمانية بمقابلة أصحاب النيافة الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة والأنبا موسى أسقف الشباب لتوضيح وجهة نظرنا فى تحركنا والهدف من المؤتمر، ولم تثمر اللقاءات عن نتائج إيجابية.
وقد شهدت فعاليات المؤتمر حضوراً مكثفاً من وسائل الإعلام باعتباره أول تحرك منظم لفريق من العلمانيين، ولكثافة المحاور التى تطرق إليها، فضلاً عن تنوع الأوراق المقدمة وثقل مقدميها، وقد بذلوا فيها جهداً علمياً كان واضحاً فى غالبية إن لم يكن كل الأوراق.
ولم يكن التنوع هو السبب الوحيد اللافت للانتباه، بل كانت المفاجأة فى مشاركة العالم اللاهوتى المبعد من القيادات الكنسية الدكتور جورج حبيب بباوى، وأحد رهبان برية شيهيت (وادى النطرون) بورقتى عمل مثيرتان للجدل، واشتراك أحد الكهنة بورقة تحليلية عن إشكاليات اختيار البابا البطريرك، ومشاركة وجوه عامة ـ قبطية ـ فاعلة نجح المؤتمر فى تفعيل مشاركتها فى الشأن القبطى وكانت النتيجة ايجابية؛ وجاءت المشاركات على نحو يؤكد التنوع والثراء والعمق وتعدد الأجيال المشاركة وبروز دور الشباب والذى جاءت أوراقه لتؤكد التواصل وأنهم غير بعيدين عن التفاعل مع هموم كنيستهم ووطنهم، بل وامتلاكهم رؤية موضوعية وأفكار مهمة تدفع باتجاه التجديد [يوسف رامز]
وكنا حريصين على مشاركة المرأة القبطية بشكل فاعل ومؤثر، وكانت معبرة بأكثر جرأة وفى تلامس حقيقى مع الإشكاليات القبطية ـ السياسية المجتمعية [الكاتبة الصحفية كريمة كمال]، ولم تكن جلسات اليومين كافية لاستيعاب كل الأطروحات المقدمة حتى إن بعض الأوراق وزعت على الحضور بغير أن تأخذ نصيباً مناسباً من الحوار حولها خاصة تلك التى لم يشارك اصحابها بشخوصهم [د. جورج حبيب ـ الأب الراهب ـ الأب الكاهن]، لأسباب قاهرة أفرزتها طبيعة المرحلة الكنسية وقتها، والتى اتجهت إلى المصادرة بغير مواجهة بل وإنزال العقاب بغير محاكمة.
فضلاً عن التنوع النوعى فبجوار المتخصصين، وظيفياً، فى البعد الكنسى اللاهوتى والتدبيرى، كان هناك رجال قضاء، وجاءت مشاركة المستشار لبيب حليم لتضفى ثقلاً موضوعياً ليس فقط باعتباره من رجال القضاء، بل تحديداً لكونه مستشاراً بمجلس الدولة، وهو أعلى مراتب القضاء الإدارى والمعنى باللوائح والقوانين الإدارية (المستشار لبيب حليم لبيب)، وممثلين للمجتمع المدنى وجمعياته وصحفيين، وخدام فى حقل الشباب القبطى وباحثين فى المصريات (م. ماجد وديع الراهب) وباحثين فى حقل ترجمات الآباء (د. جرجس كامل يوسف) .
وكان هناك حرص أن يمثل جيل الأربعينيات الذى أسس انطلاقة العلمانيين، عبر حركة مدارس الأحد، فقدمنا ورقة تذكارية لرائد منهم (د. سليمان نسيم ) رفيق رحلة كفاح قداسة البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث.
فهل يدرك من يترصدون التيار العلمانى القبطى قيمة ما قدموه والذى ترجمه مؤخراً قداسة البابا تواضروس فى إجراءات على الأرض فى سعيه الإصلاحى التنويرى، أم أن الذكرى لا تنفع المرتجفين؟.