وضعت الحكومة حدودا قانونية لتطبيق قانون الطوريء, وقصرته فقط علي جريمتي الارهاب والمخدرات, وهو مايعني الحظر علي القيام بعمليات المراقبة علي الاتصالات والاعلام ومصادرة المطبوعات والممتلكات.
وهذا يعد تحولا نحو الالتزام السياسي في تطبيق القانون كخطوة انتقالية في اتجاه رفع حالة الطواريء فور إقرار قانون لمكافحة الارهاب.
في أول يونيو المقبل, وبقوة القانون, سيكون كل المعتقلين الذين لا علاقة لهم بالارهاب والمخدرات, خارج أسوار السجون, دون الحاجة للذهاب الي المحاكم للتظلم من قرارات الاعتقال, ونحن هنا أمام تحول مهم وتطور في الحياة السياسية, وبرغم ان مد حالة الطواريء لمدة عامين حتي31 مايو2012, يأتي نتيجة للتهديدات الملحة والخطيرة التي يفرضها كل من الارهاب والاتجار في المخدرات علي الأمن القومي, وقد التزمت الحكومة بتعهداتها لحماية الحريات المدنية والحقوق السياسية.
ولكن حتي الآن, لم تصل الحكومة الي إجماع حول التوازن المناسب بين الوسائل الضرورية للمحافظة علي حياة الناس وتأمين سبل معيشتهم وبين ضمان الحفاظ علي الحقوق الأساسية. والتحدي هنا لا يختلف كثيرا عن التحدي الذي واجهته ادارة أوباما بشأن المعتقل الموجود في خليج جوانتانامو وقضية مكافحة الارهاب. فعلي الرغم من ان الرئيس أوباما قام بالتوقيع علي امر تنفيذي بإغلاق هذا المعتقل بنهاية عام2009, إلا ان الادارة الأمريكية لا تستطيع القيام بذلك حتي الآن بسبب التعقيدات المتعلقة بكيفية تنفيذ ذلك. ومن أهم التحديات التي تواجهها في هذا الشأن: ماذا تفعل مع المعتقلين الخطرين ؟ وأين تتم محا;كمتهم ؟
ومصر ليست هي الدولة الوحيدة التي تمدد العمل بحالة الطواريء, خاصة في منطقة الشرق الأوسط فهناك دول أخري قررت اتخاذ اجراءات مماثلة من بينها باكستان( منذ عام1977 ـ حتي عام1985) وهناك أمثلة أخري منها سوريا( منذ عام1992) والجزائر( منذ عام1992) وتركيا( منذ عام1971 حتي عام2002).
1 ـ التهديد الارهابي لمصر:
ـ تواجه مصر تهديدا ارهابيا حقيقيا وخطيرا, فمنذ اغتيال الرئيس السادات, لقي الآلاف من المصريين مصرعهم علي أيدي المنظمات الارهابية في مصر, بما في ذلك حادث قتل ستين سائحا في الأقصر عام1997. وقد استهدفت مصر من قبل الجماعات التي تعارض التزامها بالحالة المدنية وتعارض جهودها من أجل التوصل لتسوية للصراع العربي الاسرائيلي عن طريق المفاوضات, بما في ذلك اتفاقية السلام مع اسرائيل التي ظل معمولا بها منذ أكثر من ثلاثين عاما, وهذا التهديد الارهابي, الي جانب التهديد الاخر الذي تمثله عمليات الاتجار في المواد المخدرة, هما السببان الوحيدان لاستمرار إعلان حالة الطواريء. لكن يبدو أن هناك ضرورات للابقاء علي بندي الارهاب والمخدرات, في ظل ماتعرضت له مصر ـ ومازالت ـ من مخاطر سواء خلايا وتنظيمات ارهابية وهي عديدة ولا تحصي ومنها علي سبيل المثال:
خلية حزب الله الارهابية: وهي من أهم الأنشطة الارهابية التي تم اكتشافها منذ تفجيرات سيناء عام2006 تلك المؤامرة التي حاكتها خلية ارهابية تابعة لحزب الله لمهاجمة المنشآت السياحية المصرية وتهريب الأسلحة. إلي ذلك فالتهديد في سيناء وعلي الحدود مع غزة, حيث وقعت أكثر الهجمات الارهابية علي مصر فظاعة, منذ هجمات الأقصر عام1997, في يوليو من عام2005 في مدينة شرم الشيخ, وقد قتل وجرح فيها مايقرب من200 شخص في الاماكن السياحية. وتأثرت صناعة السياحة التي تعيش من دخلها آلاف الأسر المصرية تأثرا كبيرا, وبعد أقل من عام, في ابريل من عام2006. قام الارهابيون بمهاجمة مدينة دهب المصرية. وتقع في سيناء أيضا, وقد قتل وجرح في هذا الهجوم نحو مائة شخص.
وعلي الرغم من هذه التهديدات فإن الحكومة ملزمة بوجود ضمانات لاحصر لها في تطبيق قانون الطوارئ ومنها: السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية بمقتضي قانون الطوارئ تكون عرضة للمراجعة من جانب السلطة القضائية, والأشخاص المعتقلون بمقتضي قانون الطوارئ يمنحون حقوقا معينة بمقتضي هذا القانون وهي: يجب أن يتم إخبار المعتقلين علي الفور كتابة بأسباب القبض عليهم واعتقالهم.
ـ يجب ان يكون للمعتقلين الحق في الاتصال بأي شخص يختارونه.
ـ من حق المعتقلين الحصول علي المشورة القانونية وتوكيل من يمثلهم أمام القانون.
ـ من حق المعتقلين الطعن في أمر اعتقالهم خلال ثلاثين يوما من تاريخ القبض عليهم أو اعتقالهم أمام محكمة أمن الدولة العليا للطواريء.
ـ تتكون محاكم أمن الدولة العليا من قضاة مدنيين, وفي ظروف استثنائية, يمكن للرئيس أن يعين في هذه المحكمة قضاة عسكريين.
ـ القرارات التي تتخذها محاكم طوارئ أمن الدولة العليا يجب ان يقرها ويوافق عليها رئيس الجمهورية, الذي يمكن أن يطلب إعادة المحاكمة أو يخفف الحكم أو يستبدل العقوبة التي حكمت بها المحكمة بعقوبة أخري أخف. وفي حالة تبرئة أحد المتهمين بعد إعادة محاكمته, لا يكون قرار المحكمة خاضعا لموافقة رئيس الجمهورية.
ـ تقتصر سلطة الحكومة في تطبيق قانون الطوارئ علي إصدار وتنفيذ أوامر القبض والإعتقال, وهذه الأوامر يمكن الطعن فيها أمام الهيئة القضائية وتختص الحكومة أيضا بالقيام بالإجراءات الضرورية مثل عمليات المراقبة والتحقيق في التهديدات الإرهابية وعمليات الاتجار في المخدرات.
لم يمنع القانون من ممارسة المصريين الكامل علي حقوقهم وأعطي مساحة واسعة للمجتمع المدني ان ينشط ويزدهر, فالمظاهرات تخرج في مصر من وقت لآخر ولأسباب متعددة, فهناك أكثر من200 مظاهرة للعمال في الفترة من2004 ـ2008, ومنظمات المجتمع المدني نشطة جدا في المجتمع, فهي تنظم الاجتماعات والأنشطة والمظاهرات وتضغط لإحداث تغييرات في السياسة العامة والقوانين, كافة الأحزاب السياسية والمرشحين المستقلين يتنافسون علي المناصب التي يتم اختيارات عليها عن طريق الانتخاب. ونجد حالة الازدهار في حرية التعبير ووسائل الاعلام التقليدية, فيوجد اكثر من500 مطبوعة مستقلة والقنوات الفضائية المستقلة تصل لنحو70% من السكان وهناك160 ألف مدون علي الانترنت ناشطون في مصر.
ومايحدث في مصر يختلف عن سواه فهناك ضمانات حقيقية ورقابة من القضاء لتطبيق البندين المتبقيين الارهاب والمخدرات من البنود الستة في المادة الثالثة لقانون الطواريء, واذا وجدنا ماحدث في الولايات المتحدة عقب احداث سبتمبر, فإننا نري الفارق المذهل في الحفاظ علي الأمن وكل دولة تتخذ ماتراه لمصالحها, فعلي سبيل المثال, سن الرئيس الأمريكي السابق بوش قانونا للمحاكمات العسكرية في نوفمبر2001 بصفته القائد العام للقوات المسلحة ودون استشارة مجلس الشيوخ والنواب ولا المحكمة العليا, فالسلطة التنفيذية أخذت علي عاتقها صلاحية سن القوانين وتنفيذها دون غطاء تشريعي أو قضائي, لمحاكم تصل العقوبة فيها الي الاعدام وغير قابلة للاستئناف, ومنح سلطات واسعة للأجهزة الأمنية بالتنصت علي المحادثات التليفونية بين المتهمين ومحاميهم وهذا مخالف صراحة للدستور.
وتطبيق القانون بأثر رجعي علي أشخاص يوجدون أو زاروا الولايات المتحدة قبل10 سنوات وقدموا تبرعات أو أموالا لاشخاص اعتبروا ارهابيين, وعلي المدعي عليه ان يثبت عدم معرفته بأن هؤلاء ليسوا ارهابيين!
أيضا منح صلاحيات للاعتقال لأجل غير مسمي ودون تهمة ويمكن توجيه اتهامات غامضة وغير محددة حول الخطر علي الأمن القومي الامريكي, والحد من الاشراف القضائي ومنح صلاحيات للأمن بمراقبة المواقف والانترنت والتنصت والتفتيش للاشخاص أمريكيين وغيرهم دون إذن من أحد.
ولا يختلف الوضع في بريطانيا والتي تعتقل أشخاصا بموجب قوانين مكافحة الارهاب منذ عام1998 و حتي اليوم دون تقديمهم للمحاكمة, وصاغت بريطانيا قانونا يمنح الفحص الالكتروني الدقيق للكافة, ومراجعة التسجيلات التليفونية لاتخاذها كأدلة في المحاكم, وفي إيطاليا يراقب الانترنت والاتصالات واعتقال المشتبه بهم ومعاقبة من يخفون هيئتهم عن الناس منهم المنتقبات ووضع قوائم لمستخدمي المحمول لمساعدة الشرطة علي التحقق في اشتباهاتها بالتخطيط لعمليات ارهابية. وفي المانيا اسست مركزا للمعلومات عن المسلمين ولكل من يشتبه علاقته بالجماعات المتطرفة, والاطلاع علي الحسابات المالية في البنوك وغيرها دون ابلاغ الشخص المعني والقبض علي المشتبه فيه واحتجازه.
لم يكن امام مصر مثل غيرها من دول العالم اي طريق سوي الحفاظ علي أمنها وسلامة مواطنيها ـ وساعد هذا القانون في مواجهة الانشطة الارهابية التي استهدفت البلاد في الحقبة الماضية واستشهد فيها المئات من المواطنين ورجال الشرطة, وما كان لنا ان نري حالة الاستقرار هذه الا بالصلاحيات التي أعطاها هذا القانون للقائمين علي تنفيذه لمواجهة تلك المخاطر سواء داخل البلاد أو الذين يتم الدفع بهم من الخارج للقيام بعمليات داخل الاراضي المصرية. |