بقلم يوسف سيدهم
خرجت مصر مرفوعة الرأس من ماراثون الاستعراض الدوري لملفها بالمجلس الدولي لحقوق الإنسان الذي عقد بجنيف بسويسرا علي مدي ثلاثة أيام الأسبوع الماضي…فكار واضحا علي الوفد المصري الثقة بالنفس علاوة علي الإعداد الجيد للردود علي كافة الملاحظات التي سبق إخطار مصر بها عن حالة حقوق الإنسان فيها.
ولعل المصادفة وحدها أدت إلي حلول اجتماع جنيف في هذا التوقيت الذي جاء قبل اكتمال خريطة الطريق لثورة 30يونية للشعب المصري, فلو كانت مصر قد فرغت من انتخاب البرلمان وعني ذلك البرلمان بأجندة الإصلاح التشريعي التي ينص عليها الدستور لكان جزءا لايستهان به من ملاحظات جنيف في عدادتحصيل الحاصل وكانت مصر ستباهي بتحقيق معدلات متنامية لاحترام حقوق مواطنيها…لكن يبدو أن الوقت لن يسعف مصر في هذا الصدد حيث تم تحديد موعد الجلسة المقبلة للحوار التفاعلي بالمجلس الدولي لحقوق الإنسان في مارس من العام القادم وتم الإعلان عن قائمة الدول المدعوة لتلك الجلسة ومن بينها مصر…وباعتبار أن مسار الانتخابات البرلمانية المرتقبة لم يبدأ بعد فإنه علي أحسن الفروض لن يباشر البرلمان المقبل دوره التشريعي قبل ذلك التاريخ وبالتالي سوف تعتمد مصر في جولتها القادمة بجنيف علي تقديم الوعود والالتزامات أكثر من تقديم ملف إنجازات علي أرض الواقع…هذا مع عدم التغافل عن إمكانية كسب الوقت بمبادرة رئيس الجمهورية باستخدام حقه التشريعي في غيبة البرلمان وإصدار تشريعات من شأنها النهوض بحالة حقوق الإنسان في مصر علي أن تعرض-شأنها شأن سائر التشريعات التي أصدرها الرئيس-علي البرلمان حال انعقاده لإقرارها أو رفضها.
وكما كان متوقعا عادت مصر من جنيف بتوصيات عديدة تدور حول قضايا العدالة وتحسين أداء الجهات المكلفة بإنفاذ القانون من الشرطة والنيابة والقضاء مع حماية ضمانات المحاكمات العادلة لجميع المواطنين والوقف الاختياري لعقوبة الإعدام…هذا بالإضافة إلي حث مصر علي الانضمام إلي نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية لتخضع بذلك للمعايير التي تربط معظم دول العالم بآليات التعقب والمساءلة في مجال حقوق الإنسان…كما لم تغفل التوصيات مجموعة القضايا التي تثير الجدل داخل مصر نفسها وهي قضايا المطالبة بتطوير وتحسين ضمانات حرية التعبير والإعلام والتجمع السلمي والعمل الأهلي فيما يتوقع أن ينعكس علي تشريعات الصحافة والإعلام وحرية الرأي علاوة علي قانون التظاهر وقانون تكوين ونشاط الجمعيات الأهلية.
هذا فيما يخص التوصيات وعلي مصر أن تحسم أمرها قبل اجتماع مارس المقبل فيما سوف تقبله منها وماسوف ترفضه أو ما سوف تطالب بمنحها مهلة زمنية لإدراكه…لكن الجدير بالذكر-وذلك مانوهت عنه في مستهل هذا المقال -أن مصر الآن تحظي باحترام وتقدير أغلبية واضحة من الدول أعضاء الأسرة الدولية خاصة وأن تلك الأغلبية أعربت عن تفهمها للتحديات التي مرت بها ثورة المصريين والظروف الدقيقة التي مرت عليها-وماتزال تعاني منها حتي تاريخه-في حربها ضد الإرهاب المسلح.
صحيح أن المتابع لكلمات الدول في جنيف لن يفوته موقف التربص السياسي بمصر من بعض الدول والإصرار علي تغليف دفاعها عن حقوق الإنسان المصري بالهجوم علي ثورة 30يونية وتكرار التنكر لإرادة الشعب المصري بادعاء استيلاء الجيش علي السلطة وقيام السلطة الحالية بقمع المصريين وخنق حرية التعبير والتضيق علي العمل الأهلي…لكن ذلك كله يندرج تحت التربص السياسي أكثر منه تحت الغيرة علي حقوق الإنسان…وحسنا كانت ردود أفعال الوفد المصري الذي التزم ضبط النفس والمناقشات الموضوعية الهادئة عوضا عن الإنزلاق نحو الجدل الانفعالي والتراشق اللفظي لدرء تلك الاتهامات.
إذا الكرة الآن في ملعب مصر للحفاظ علي الصورة الطيبة المحترمة التي عاد بها الوفد المصري من جنيف,وكما شهد العام الماضي عملا مضنيا دؤوبا من سائر الدوائر الرسمية والحقوقية لإعداد ملف جنيف-نوفمبر2014-لا أشك أن أمامنا عملا مضنيا دؤوبا أيضا للإعداد لملف جنيف-مارس2015-بإذن الله.
ولعل من المناسب أن أذكر أنه بجانب تحدي الانتخابات البرلمانية وإنجاز أجندة الإصلاح التشريعي المرتقب,هناك من المؤشرات الاقتصادية الواعدة التي إذا أحسنا استغلالها من شأنها أن تعكس جانبا لايستهان به من ثقة دول العالم والكيانات الاقتصادية العالمية فيما يحدث من تحول علي أرض مصر…وكانت باكورة ذلك ماشهدته القاهرة الأسبوع الماضي من محادثات مصرية-أمريكية ضخمة علي مستوي الاقتصاد والتجارة والاستثمار بمشاركة كوكبة من كبار المستثمرين ورجال الأعمال والشركات الأمريكية العملاقة…وذلك كله يعتبر تمهيدا للمؤتمر الاقتصادي العالمي الجاري الإعداد له والمزمع عقده في القاهرة في فبراير القادم بهدف حشد الجهود للإصلاح الاقتصادي وانطلاق الاستثمار في مصر.
فإذا كانت مصر ستذهب مرة أخري إلي جنيف في مارس المقبل دون إنجاز الإصلاح الحقوقي المرتقب,فعلي الأقل ستكون مسلحة برصيد مضاف يعكس جديتها ومصداقيتها أمام الأسرة العالمية علاوة علي ثقة الاقتصاديين في المسار الإصلاحي السليم الذي تنتهجه.
نقلا عن وطنى