بقلم. سامي إبراهيم
حتى لا تنهار قناعات الإنسان، فإنه يبحث دائمًا عن وهم وعن تخيل محدد ليعطي للقضية التي يؤمن بها قناعة قوية يستطيع من خلالها أن يقاوم التناقض الذي يعيشه.
الطفل يظن أن أباه هو الرجل الكامل لأن الطفل يشعر أن هذا الأب يستطيع حمايته من أشرار وأهوال العالم الخارجي، عندما يكبر هذا الطفل ويدخل معترك الحياة، يكتشف أن أباه لم يكن الرجل الكامل، فيشعر بالصدمة لأن قناعاته انهارت، لكن هذه الصدمة تخف تدريجيًا وتزول عندما يتمكن من تحليل الأمور بشكل منطقي، فيضطر للتنازل عن هذه القناعة.
لكن بالمقابل هناك أشياء لن يتنازل عنها لأنها شكلت نظام تفكيره، شكلت شخصيته، وبنى هذا الإنسان من خلالها أركان حياته النفسية والفكرية. وهذه القناعات هي برنامج التشغيل المنصب في عقله من دون أن يكون لتفكيره الحر إرادة أو رأي في ذلك.
الإنسان يعيش ضمن قناعة، يعيش ضمن تيار فكري يتلقاه منذ الصغر من بيته، من شارعه، من مدرسته، هذه القناعة قامت ببرمجته بالشكل الموجود به الآن. لذلك سيحاول بكل قوته أن يدافع عن قناعته لأنها إذا انهارت فإنه ستنهار لديه أسس شخصيته.
فهل تتخيل صدمة إنسان يكتشف عندما يصل عمره لسن العشرين أن أباه وأمه اللذان يعشقهما حد الجنون ليسا والديه الحقيقيين! هل تتخيل صدمة إنسان عمره ثلاثون عامًا يكتشف أن الدين الذي يؤمن به وعاش حياته في كنف تعاليمه، هو عبارة عن أوهام وأساطير وقصص تخلو من أي منطق وعقلانية!.
للوهم سلطان كبير فهو يحمينا من مرارة الواقع، ويعطينا شعورًا بالدفء، فنراه يقطن في عقولنا لنهرب إليه في عالم تتحقق فيه كل أحلامنا. الوهم يعطينا سعادة ونشوة ولذة، الوهم يعطينا النجاح والانتصار الذي لم نحققه، يعطينا العظمة التي طمحنا لها ولم نستطع تحقيقها، الوهم يحمينا من آلام ومصاعب الواقع. لكن الوهم بالمقابل يقتل التفكير، مع أن القاتل، غير موجود، وأداة القتل غير موجودة، لكن الكل موجود فقط في دواخلنا.
إلى جانب دراستي الهندسة، درست الموسيقى ولمدة خمس سنوات، أثناء هذه الفترة كنت ابحث فيها عن ملفات ووثائق لكي أتأكد أن "سيمفونية نينوى" هي سيمفونية تابعة لشعبنا، وسألت جميع المدرسين الموسيقيين الكبار وسألت أساتذتهم أيضا، سألت كبار الملحنين وسألت كل من لاقيته في المعهد الذي درست به الموسيقى، وسألت القادمين من أوروبا والذين جاؤوا ليقدموا عروض موسيقية وخاصة الألمان والروس منهم، وحضرت عشرات الحفلات الموسيقية الكلاسيكية، بالإضافة لعروض الأوبرا وكنت انتظر إلى أن تنتهي الحفلة لأصافح العازفين والمؤدين، ولأسألهم عن "سيمفونية نينوى"، وعن مدى صحة أنها آشورية أو أنها أقدم سيمفونية، أو أنها أكمل عمل موسيقي أو أنها أكمل سيمفونية كما هو شائع في أوساط شعبنا.
الجميع كان يجاوب بدون تردد أن هذه الموسيقى هي للملحن الإيراني الشهير "حسين عليزادة" وهي لا تصنف كـ "عمل سيمفوني"، أي أنها ليست سيمفونية بالتعريف الموسيقي للسيمفونية، وأنه لا علاقة لها بمدينة نينوى عاصمة الدولة الآشورية، وأن هذه الموسيقى لا تعود لقرون طويلة مضت، فالموسيقى في ذلك الوقت لم تكن متبلورة وناضجة بالشكل الذي نعرفه اليوم، بل كانت موسيقى بدائية لا تستند لأي علم موسيقي أو مدرج أو مقام أو سلم موسيقي، والبنية اللحنية التي تقوم عليها هذه الموسيقى التي نسميها "سيمفونية نينوى" هي بنية حديثة تستند لأسس علمية حديثة ومشهورة في المجال الموسيقي، ويعود هذا العمل الفني للنصف الأول من ثمانينيات القرن المنصرم وبالضبط عام 1983 طرحت بالأسواق.
ولا يوجد فيها شيء يصف عظمة الإمبراطورية الآشورية كما هو معروف عنها في أوساط شعبنا.
الموسيقى التي نعرفها على أنها "سيمفونية نينوى" هي للملحن الإيراني حسين عليزادة واسمها هو "نى نوا" وكلمة "نى" بالألف المقصورة كما هو مكتوب على غلاف الألبوم تعني بالفارسية "قصب الناي" وكلمة "نوا" تعني "لحن"، فيصبح معناها "لحن الناي"، وقد أطلقها الملحن الإيراني في عدة مقاطع أو تركّات ولكل مقطع له عنوان باللغة الفارسية، وتستطيع ترجمة العناوين عن طريق قاموس Google من الفارسية إلى العربية.
وللتأكيد على كلامي فإن هذا الرابط هو رابط لموقع أمازون amazon وهو من أشهر المواقع العالمية والتي تحترم الملكية الفكرية وحقوق النشر وهو يبين مؤلف هذه الموسيقى مع سعر كل مقطع أو ترك من هذه الموسيقى في حال أردت شرائه من الموقع: انقر هنا
والرابط التالي هو رابط أشهر موقع موسيقي في العالم وهو موقع musicbox أيضا موقع يحترم الملكية الفكرية وحقوق النشر، فها هو يضع هذه الموسيقى مع سعرها في حال أردت شرائها: انقر هنا
والرابط التالي لموقع "emusic" وهو أيضا من أشهر وأقوى المواقع الموسيقية وهو موقع يحترم الملكية وحقوق النشر: أنقر هنا
والرابط التالي لموقع " myspace" وهو أيضا من أشهر وأقوى المواقع العالمية يبين هذا الموقع أيضا مؤلف هذا اللحن مع لمحة عن حياته:انقر هنا
والرابط التالي لموقع ويكيبيديا وهو موقع الموسوعة الشهير يبين فيه الرابط أن "لحن نينوى" هي للملحن الإيراني حسين عليزادة ويبين بأي تاريخ ألفّت:انقر هنا
بالتأكيد لن تضع هذه المواقع المعروفة بمصداقيتها وبمئات الخبراء الذين يعملون فيها في جميع المجالات والتي يدخلها ملايين الناس والتي أصبحت كمرجع موثوق لمن يريد معلومة.
فقط ضع كلمة "hossein alizadeh" أو ضع كلمة "NeyNava " في محرك البحث Google وسترى آلاف الروابط والمواقع التي تبين صاحب هذا اللحن.
ولدي عشرات الروابط لمقاطع على موقع "اليوتيوب" توثق وتبين أن هذه الموسيقى هي للملحن الإيراني "عليزادة". كما لدي مئات الروابط لمواقع الكترونية عالمية تثبت وتوثق أن موسيقى "نى نوا" هي للملحن الإيراني حسين عليزادة.
وهذا رابط موقع الملحن "حسين عليزادة" الرسمي وفيه جميع أعماله الفنية ومؤلفاته مع تواريخها والمناصب التي تبوئها: انقر هنا
عندما يكذب الإنسان على نفسه وعلى أولاده ويصدق كذبته فإن "سيمفونية نينوى" خير مثال. فنرى كيف أن مواقع شعبنا ومنتدياتنا تتداول المعلومة وتنسخها بدون أي دراسة أو تأكد من مصداقية هذه المعلومة.
"سيمفونية نينوى" هذا اللحن الذي عشقناه، هذا اللحن الذي أصبح يعزف في كل مهرجان وكل عيد قومي يحتفل به أبناء الأمة الآشورية، هذه الموسيقى التي آمنا وصدقنا بكل جوارحنا أنها سيمفونية أجدادنا وأنها وجدت على لقى أثرية وقام علماء ألمان أو فرنسيين بفك رموزها وعزفتها الفرقة السيمفونية الألمانية، هذا اللحن في الحقيقة لا علاقة له بشعبنا لا من قريب ولا من بعيد، وهو ليس بـ سيمفونية، ولا يوجد هناك علماء ألمان أو فرنسيون قاموا باكتشافها وفك رموزها، بل هذه كذبة اخترعناها وصدقناها.
الموسيقى هي لغة تجمع العالم وليست حكرا على أحد، ولكن يجب إيقاف تداول هذه الموسيقى ليس لأنها ليست لشعبنا، أبدا، بل حتى لا نكذب على أنفسنا وعلى أولادنا ونقول لهم أنها "أكمل سيمفونية!!"، فكيف جاؤوا بهذه المعلومة، فالذي يطلق هذه المعلومة لم يدرس الموسيقى يوماً، لأنها ليست سيمفونية بالأصل، أو يقول أنها "تصف عظمة الإمبراطورية الآشورية!!"، فكيف حلل هذا الشخص لحن الناي المعزوف على أنه يصف العظمة الآشورية!!
علينا أن نوقف تداول هذا اللحن وأن نفتح أعيننا لنعرف الحقيقة. قد تكون الحقيقة مرة، لكنها ستبقى البلسم الذي يشفي جراحنا. الحقيقة لن تغير عراقة شعبنا ولن تغير عمق حضارتنا، وهي ليست مقياسا لنبوغ حضاري، لكن معرفة الحقيقة تحارب الوهم الذي يقتل الإبداع، ويواري خلف ظلاله سبل التقدم والتطور. الحقيقة تخلق وعياً، والوعي هو مدى إشراق عقلنا. معرفة الحقيقة هي الخطوة الأولى لننتج ونبدع ونقدم ونرفد الحضارة والإنسانية من جديد.
sami198420@hotmail.com