بقلم : القس رفعت فكري سعيد
كان الدكتور محمد سليم العوا واحداً من المسلمين المستنيرين والتنويرين في مجتمعنا المصري , وكان واحداً من أهم المشاركين بقوة في اللقاءات المخصصة للحوار بين أتباع الأديان , وفي مثل هذه اللقاءات وغيرها كان من أشد المدافعين عن المواطنة والمساواة , وإنه لا فرق بين مسيحي ومسلم .

ولكن منذ عشر سنوات تقريباً بدأ الدكتور العوا يتغير سلبياً في مواقفه من المسيحيين وقد ظهر هذا جلياً في كتاباته ومحاضراته وندواته وحواراته , ونظراً لأن العوا موهوب في الخطابة والبلاغة وقوة الحجة وسدادة التعبير إلا أنه كثيراً مايستخدم مواهبه الفذة في خلط الأوراق, واستخدام الكلمات التي تحمل أكثر من معنى,  ففي الأسبوع الماضي وفي إحدى الندوات , ورداً على سؤال من أحد الحاضرين يستفسر فيه عن رأي الدكتور العوا  فى الأحداث الطائفية المتكررة وما يحدث بين المسلمين والأقباط , كانت إجابة العوا  "إن ما يحدث فى مصر ليس فتناً طائفية إنما هو عدوان من أحد الفريقين المسلمين والمسيحيين على الآخر، ثم يقابلها رداً من الآخر فنظن إنها فتن طائفية، وأضاف "مصر ليس بها طوائف بل الإسلام والمسيحية ومشكلة الإسلام والمسيحية أن كل منهما يقدم نفسه للآخر باعتباره ديناً عالمياً وموجه لكل البشر فالإسلام يؤمن أن التبشير لابد وأن يصل إلى جميع أرجاء الأرض وكذلك المسيحية فالكنيسة اسمها الكنيسة المسكونية أى التى تصل إلى كل الأماكن المسكونة.

واستكمل العوا كلامه قائلاً "فى رأيى فإن الواقعة التى مازالت تترك آثرها فى نفوس المسلمين والأقباط هى واقعة "وفاء قسطنطين ومارى عبد الله" التى انهزمت فيها الدولة أمام الكنيسة للمرة الأولى فى تاريخها من عهد الفراعنة.

وأضاف العوا "وفاء قسطنطين ومارى عبد الله أسلمتا فقامت الدنيا ولم تقعد وحققت معها النيابة ومارى عبد الله سلمتها مؤسسة إسلامية إلى الكنيسة، وذهبت هاتان السيدتان إلى حيث لا يعرف أحد.

وأكد "العوا" أن وفاء قسطنطين وماري عبد الله سجينتان لدى الكنيسة، وقال "سيظل المسلمون فى هذا البلد يشعرون بغصة لأنهم لم يستطيعوا أن يحموا امرأتين أسلمتا، وعبر عن ذلك قائلا ً"القصة دى كل ما واحد مسيحى بيقول لمسلم "بخ"، المسلم يتذكر وفاء قسطنطين ويقول "هيعملوا فيا زى ما عملوا فى وفاء قسطنطين"، وإذا قال مسلم لمسيحى "بخ" يهرب المسيحى ويقول "ده عايز يبشرنى بالإسلام زى وفاء قسطنطين".

واستكمل "فهذه الفتن فتن سياسية وسببها ضعف الدولة فى مواجهة الكنيسة، وطغيان الكنيسة وجبروتها فى مواجهة الدولة حتى إنها أسرت سيدتين ووضعتهما فى سجن لا يعرفه أحد ومن حقى كمواطن مصرى أن أعرف لأنى مهدد بنفس المصير، فالكنيسة بذلك صنعت سجناً داخل الدولة وتحدت سلطة الدولة، وستكتب تلك الواقعة فى التاريخ وسنظل نذكرها ولو مر ألف عام, وأضاف العوا " من يرغب فى إخماد تلك الفتن فليخرج "مارى قسطنين ووفاء عبد الله" إلى الشارع ويتركهما يختارا دينهما، فإذا اختارا المسيحية نقول لهما "الإسلام مش هيزيد بيكوا" وإذا اختارا الإسلام نقول لهما "المسيحية مش هتنقص من غيركم"، فأنا أرجع جميع أسباب الفتن إلى تلك القضية.

وهذا الكلام عن أسباب الفتنة الطائفية كرره العوا أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة وقد ذُكر مرتين فى الفترة الأخيرة، الأولى فى حوار له مع جريدة الدستور، والثانية فى ندوة الأسبوع الماضى , وفي حقيقة الأمر هذا الكلام به الكثير من التهييج والإثارة والمغالطات وخلط الأوراق , وليس من المعقول لأي منصف يتصف بالموضوعية أن يختصرأسباب الفتنة بين المسلمين والمسيحيين فى وفاء قسطنطين ومارى عبد الله ، فالعنف الديني يوجد قبلهما بعقود، والعنف الديني له أسبابه الكثيرة والمتشابكة والتي لا أعتقد أن الدكتور العوا يجهلها , فهو رجل باحث مدقق ولديه قدرة هائلة على التحليل ووضع الأمور في نصابها الصحيح , والدكتور العوا يعلم تمام العلم أن وفاء قسطنطين هي التي قالت أمام النيابة أنها ولدت مسيحية وستعيش مسيحية وستموت مسيحية, وماري عبد الله لم يسمع أحد عنها أنها أشهرت إسلامها, ولكن ما حدث أن فضيلة الإمام الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي بحكمته وحنكته أسلمها إلى الكنيسة عندما علم منها بوجود خلافات مع زوجها ويستحيل أن تعيش معه, وعندما تأكد أنها تريد أن تعتنق الإسلام لا قناعة منها به ولكن بغية أن تُعتق من زوجها حيث لم تجد حلاً عند الكنيسة !!!   .

إن القضية الجوهرية التي يجب أن يبحثها الدكتور العوا وغيره من مثقفي هذا البلد, هي قضية حرية التنقل بين الأديان دون مشكلة ودون مظاهرات , فتغيير الدين قضية لا تزال غير مقبولة لا عند المسلمين ولا عند المسيحيين , فعندما يتحول مسلم من الإسلام إلى المسيحية تقوم الدنيا ولا تقعد , وكذلك عندما يتحول مسيحي من المسيحية إلى الإسلام تحدث المظاهرات والهتافات , إذن القضية في العقلية المصرية التي لا تزال جامدة والتي ترفض احترام حقوق الإنسان في تغيير دينه أو حتى تغييرمعتقده داخل الدين الواحد .

من حق أتباع أي دين أن يغضبوا ويتظاهروا إذا غير أحد دينه بالإجبار , ومن حق أتباع أي دين أن يثوروا إذا أُجبر أحد على تغيير دينه وهو قاصر , ومن حق المسيحيين أن يغضبوا عندما يُجبر طفلان على اعتناق الإسلام رغماً عنهما لا لشئ إلا لأن أبيهما سبق وأن أشهر إسلامه !!  أما بخلاف هذا فمن حق أي مسلم أن يكون مسيحياً , ومن حق أي مسيحي أن يكون مسلماً , بل وأيضاً من حق أي إنسان أن يكون بهائياً أو بوذياً أو كونفوشيوسياً أو ... أو ........... أو غيرها من أديان العالم التي لا نعرفها!! وحتى من أراد أن يكون ملحداً أو لا ديني فله مطلق الحرية دون أن يسمح أحد لنفسه أن يوصمه بالكفر أو الزندقة أو ما شابه ذلك من مفردات وعبارات أصبحت شائعة وغير خافية على أحد !!

أما أن أن يختصر الدكتور العوا مسألة العنف الديني والاعتداءات التي تحدث من بعض المسلمين المتعصبين على بعض المسيحيين في وفاء قسطنطين وماري عبد الله فهذا تضليل وتبرير للاعتداءات ولاستمرارها ولتهييج مشاعر المسلمين ضد شركاء الوطن  وهذا ما لا يمكن أن نقبله لا من العوا ولا من  غيره .
أين كانت وفاء قسطنطين وماري عبد الله من الاعتداء على كنيسة الخانكة في 6 نوفمبر 1972 ؟!!  أين كانت وفاء قسطنطين وماري عبد الله من أحداث الزاوية الحمراء في 17 يونيو 1981 ؟ !!

يا سيادة العوا .. إن هناك العشرات من قرى ونجوع مصر التي لم يكن أحد يعرفها ولكنها أصبحت مشهورة وتداولتها ألسنة العالم بعد حدوث اعتداءات على مسيحيين وكنائس بها , وهذه القري يا سيادة الأمين العام للأتحاد العالمي لعلماء المسلمين أصبحت مشهورة بعد أن كانت مغمورة وغير خاف عن سيادتك أن هذه القرى والنجوع نالت شهرتها بسبب الاعتداءات الدينية وذلك فبل قضية وفاء قسطنطين وماري عبد الله بعشرات السنين؟ فلماذا التهييج وإثارة المشاعر والنعرات الدينية ولصالح من خلط الأوراق يا سيادة الدكتور؟!!!!!!!!!!

راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا
refaatfikry@hotmail.com