الأقباط متحدون - من رمش جفونك ياه..!
أخر تحديث ١٢:٣٥ | الجمعة ١٤ نوفمبر ٢٠١٤ | ٥هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٣٨٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

من رمش جفونك ياه..!

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
بقلم   مكاوى سعيد
أكاد أجزم أن الرموش من أكثر أعضاء الإنسان التى تغنى بها الشعراء وكتاب الأغانى على وجه التحديد، وهى تأتى بعد القلب والروح والشعر والشفاه وقبل الكعب والفشة والكلاوى والقفا، وأعتقد أن أجمل ما قيل فيها هو الموشح الأندلسى الشهير: «كل السيوف قواطع إن جردت وحسام لحظك قاطع فى غمده»، وبلاغته أنه شبه الأهداب فى إطباقها كحد السيف البتار والحبيبة عندما تسدل أهدابها تدللاً تصرع حبيبها من فرط الهوى، والأدب الغربى يتعامل مع الرموش مثلنا على اعتبار أنها أدوات حادة، والأديب الإيطالى «تيستيانو سكاربا»

يصف الرموش بأنها أشواك تشبه بتلات النباتات آكلة اللحوم، تتفتح عن آخرها كى تخيف الفريسة، فلا يجرؤ شىء على الوقوف على حدقة العين. وشعراء الأغانى عندنا ركزوا أيضاً على الجانب الدموى المتخيل للرموش بداية من «رمش عينه اللى جرحنى رمش عينه» لمحرم فؤاد، و«سمع فى القلب حاجة وقال ده رمش عين، صاحبه رماه وناسى بقاله جمعتين» لعبدالحليم،

وصولاً إلى الرمش الهجام الخطاف فى أغنية محمد رشدى الشهيرة: «صياد» التى يقول فيها: «رمشك خطفنى من أصحابى وأنا واد صياد»، ولم ينس شعراؤنا أيضاً الرمش السجادة الذى سار عليه وديع الصافى وهو يغنى: «على رمش عيونها قابلت هوى، طار عقلى منى وقلبى هوى»، والرمش السرير الذى قالت عنه وردة: «افرشلى الرموش دفينى من نسمة هوا»، و«بين رمشين العين نيمته، بين رمشين العين غطيته»،

وهو مقطع من أغنية لفريد الأطرش، ولمحمد فوزى مقطع شبيه يقول: «من يوم ما كلمته فى القلب خبيته، وفى عينى نيمته وبرمشى غطيته»، أى (فرش وغطا)، وهناك بعض شعراء أضافوا وظائف جديدة للرموش، منها السلام والمصافحة والمشاورة، ومنها مقطع لمحمد فوزى أيضاً يقول فيه: «عيون تشوفك تندهلك برموش تشاور على الخدين»،

وكذلك أغنية كارم محمود الشهيرة: «سحب رمشه ورد الباب، كحيل الأهداب، نسيت أعمل لقلبى حجاب»، فهو أولاً فتح الباب وتقدم رمشه للمصافحة، ثم انسحب بسرعة، وأغلق الباب خلفه، بعد أن رمى العاشق بسحره الذى لم يعمل الشاعر له حساباً بتميمة أو حجاب، ثم هناك الرموش العابدة الناسكة، خاصة وهى تتأمل الأطفال كما تغنت «صباح» لطفلى عماد حمدى، (فى الفيلم طبعاً): «شمس وقمرين ربى يخلى، يا رموش العين سمى وصلى».
 
وهناك أيضاً أغنية شعبية من الفولكلور ذكرها الأستاذ توفيق الحكيم فى كتابه: «يوميات نائب فى الأرياف»، ويقول مطلعها: «فتش عن النسوان تعرف سبب الأحزان، ورمش عين الحبيب يفرش على فدان»، والجزء الأول منه: «فتش عن النسوان»، هو بعينه المثل الفرنسى Cherchez la femme الذى يقولونه عند حدوث جريمة،

والجزء الثانى به مبالغة شديدة جداً، فإذا كانت رموش امرأة واحدة قادرة على فرش ٤٢٠٠ م٢ وهى مساحة الفدان، فإن ألف امرأة من عينة حبيبة هذا الشاعر كافية جداً لجعل القاهرة مظلمة تماماً أثناء النهار! والذى يدهشنى أن أستاذنا يحيى حقى اعتبر هذا البيت بالذات من عيون الشعر العربى، وساق أدلة على ذلك لم أقتنع بها، ولكنى أتفق معه فقط فى أنه من الأبيات الرائعة التى أبدعتها القريحة المصرية الشعبية.
 
والغريب أن كل هذه الأبيات التى قيلت عن الرموش ووصفتها بالقاتلة والجارحة والذابحة، والتى تشبع نوماً أو لا تذوق النوم، لم يتوقف أمامها الرقباء ولم يمنعوها، إنما ثاروا وتوقفوا أمام كلمة: «من رمش عيونك ياه» فقط،

ومُنعت هذه الأغنية من البث فى الإذاعة المصرية من عام ١٩٥٧ بسبب الأداء المثير لصباح وهى تغنيها فى فيلم «إغراء» فى موقف كانت تتغزل فيه بعيون شكرى سرحان! وبسبب مبالغتها فى الدلال عند أداء كلمة «ياه» تم منع الأغنية، وهذا هو السبب الحقيقى لمنعها آنذاك وليس ما ورد فى مسلسل «الشحرورة» من أن الأغنية منعت، لأن صباح قصدت بأغنيتها «جمال عبدالناصر»!

وهذا غير حقيقى بالطبع، وليس بالضرورة أن تكون قد قصدت «شكرى سرحان»، لأنه، رحمة الله عليه، ينطبق عليه قوة البنية والأداء الجيد لكن مش لدرجة سحر العيون والرموش.
 
نقلا عن المصري اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع