بقلم: ليديا يؤانس
منذ سنتين تقريباً، صديق قال لي: أوعي تفوتك !!!
كان لتوه عائداً من رحلة إلي باريس، ويبدو أنه كان مبهوراً بما شاهده!
مرت الأيام ومازالت عبارته عالقة بذهني، وشاءت الأقدار بزيارتي لباريس، قدمت إليها بالقطار من إحدي الدول الأوربية، تاركة ورائي ذكريات وأحداث واستكشافات رائعة أنهكتني ذهنياً وجسمانياً!
وضعت الشنط بدون فتحها في غرفة الفندق وهرولت إلي موظفة الإستقبال أسألها، يوجد عندكم كاتدرائية عالمية ضخمة مشهورة، قالت عندنا توجد كنائس كثيرة، ماذا تقصدين؟ قلت، الكاتدرائية الذي تم تصوير فيلم أحدب نوتردام للكاتب فيكتور هوجو بها، آه فهمت تقصدي كاتدرائية نوتردام "Notre Dame de Paris" دي خمس دقائق سيراً علي الأقدام من هنا، ستجدين الكاتدرائية علي الجانب الشرقي من إيل دولا سيتي (جزيرة المدينة) علي نهر السين.
بدأت السير في مدينة النور كما يطلقون عليها، الشوارع مزدحمة والوجوه من كل فج، المقاهي والمطاعم وضعت ترابيزات علي الأرصفه لأنها مكتظه بالرواد، وفجأة وجدت نفسي علي كوبري للمشاه فوق النهر، تيقنت أنه نهر السين تلفتت حولي وإذ بي أجد علي بعد أمتار مبني الكاتدرائية، وقبل أن استكمل سيري لفت نطري منظر غريب جداً، أنه علي جانبي الكوبري كميه ضخمة جداً جداً من الأقفال معلقة علي السورين اللذان يحددان سير المشاه، شدني المنظر فحاولت أسأل الناس من حولي، كانت صدمة لي أن أي شخص أسأله ينظر إلي بخوف وتوجس ويبتعد بدون أن ينطق بكلمة!
عرفت فيما بعد من موظفة الإستقبال بالفندق حكاية هذه الأقفال. قالت أن كل اتنين بيحبوا بعض يحضروا قفل ويقولوا تمنياتهم وأحيانا يكتبوا أسماءهم علي القفل ثم يعلقوه علي سور الكوبري ويغلقوه، سألت ولكن لماذا هذا الكوبري بالذات؟
قالت الموضوع ده وراؤه قصة لطيفة جداً، في أثناء بناء الكاتدرائية في القرن ال 13 كان يوجد صانع أقفال ماهر جداً اسمه ديسكورنيه وكان مكلف بمهمة شاقة جداً، وهي تلبيس أبواب الكنيسة بالحديد، فقام بهذه المهمه في ليلة واحدة فقط!
وبدأ الأشرار يتقولون عليه بأنه به شيطان، ولكن للأسف وجد هذا الشخص ميتاً في سريره في اليوم التالي بعد هذا الإنجاز العظيم، حيث أصيب بتشنجات رهيبة لأن روحه كما تقول الأسطورة قد سلبها الشيطان، ولكن الأهم أنه للآن مفاصل الأبواب تحير المختصين في تصميمها وتركيبها.
وصلت مبني الكاتدرائية، ضخمة جداً جداً، قبة الكنيسة ترتفع إلي 33 متراً ومدعومة بأقواس بدون أعمدة في الوسط، الزائرين كالأقزام بالنسبة لها، الزوار من كل الأجناس والألوان يحملون كاميرات التصوير، يرتدون الشورتات والجينز والسراويل والساري والحجاب والنقاب، عموماً يقدر عدد الزوار بحوالي مليون زائر سنوياً.
كاتدرائية نوتردام "Notre-Dame Cathedral" أو "Our Lady of Paris" أو للسهولة يطلق عليها نوتردام "Notre-Dame" وبالعربية "كاتدرائية سيدتنا العذراء مريم" وبالفرنسية "Notre-Dame de Paris".
هذه الكاتدرائية التاريخية الكاثوليكية، تعتبر من أكبر وأشهر الكنائس في العالم، وأيضاً يوجد العديد من الكنائس في مختلف بقاع العالم بنفس الإسم، وقد شاهدت إحداها في نيس بجنوب فرنسا.
تقوم الكاتدرائية في مكان أول كنيسة مسيحية بباريس وهي "بازيليك القديس استيفان" والتي كانت بدورها مبنيه علي أنقاض معبد جوبيتير الجالو الروماني.
هذه الكاتدرائية واحدة من أروع الأمثلة علي العمارة القوطية الفرنسية، وتعتبر أبرشية باريس وتحتوي علي الكرسي الرسمي لرئيس أساقفة باريس، كما تحتوي أيضاً علي وعاء للأسرار المقدسة وأكليل الشوك وجزء من الصليب الحقيقي وواحد من المسامير المقدسة.
دخلت الكاتدرائية، وقبل أن أتجول وأستمتع بروعة وروحانية المكان، وقعت عيني علي مكان معتم إلي حد ما في مدخل الكاتدرائية علي ايدي اليمين، رفعت وجهي وإذ بصليب برونزي ضخم جداً بطول الحائط وعليه المصلوب كان هدية من نابليون بونابرت. لا ينيرهذا الركن سوي شموع يوقدها الزائرين تحت قدمي المصلوب مع صلواتهم وطلباتهم.
الكاتدرائية تتميز بالتماثيل المذهبة والزجاج الملون، بالرغم من أنها عانت من الدمار في سنة 1790 خلال مرحلة الثورة الفرنسية الراديكيلية ثم أعيد ترميمها علي مرحلتين في سنة 1845 ؛ 1991.
تحتوي الكاتدرائية علي 3 شبابيك ضخمة دائرية من الزجاج الملون، قطر الشباك الشمالي والجنوبي 13 متراً أما الغربي 10 أمتار.
صحن الكنيسة يضم 3 أجزاء متساوية، كل منهم مصلي، أما المذبح الرئيسي بشكل نصف دائري ويضم أقواس تستند إلي 6 أعمدة من الجرانيت الأحمر.
المذبح الرئيسي مبني من البرونز وفي مقدمته حفر يمثل التلاميذ الأنجليين الأربعة ويوجد فوق المذبح صليب. ويتصدر المذبح تمثال طوله 11 متراً مصنوع من النحاس المطلي بالذهب للسيدة العذراء وهي تحمل الطفل يسوع وفي اليد الأخري باقة من الزهور، كما استخدمت الفسيفساء لتغطية أسقف القباب الثلاثة وتتضمن رسومات لطيور وزهور، القبة الأولي باللون الأبيض، الثانية بالأزرق، الثالثة بالرسوم الزاهية المذهبة.
أما الأرغن فقد تم بناؤه برعاية لويس السادس عشر.
خرجت من الكاتدرائية لأشاهد هذا الصرح العظيم من الخارج، أكثر شئ ملفت للنظر الأبراج التي تشكل الواجهة الرئيسية للمبني، وكما هو مكتوب عند مدخل البرج توجد 422 درجة سلم للوصول للغرفة العلوية من البرج الشمالي، أنا بصراحة لم أصعد السلم ولم أعد الدرجات ولكنني أكتفيت بالمعلومة المكتوبة.
أما جرس الكنيسة الذي يدعي عمانوئيل، فهو في حد ذاته أعجوبة، وهو الجرس الوحيد الذي بقي بعد إختفاء باقي الأجراس خلال الثورة الفرنسية.
وزن الجرس 13 طن، ومدق الجرس 474 كيلوجرام، وقطره (2.61) متراً، مصنوع من النحاس بنسبة 78% ؛ 22% قصدير.
من الطريف أنه كان يتم قرع الجرس من سنة 1851-1930 عن طريق شد الحبال بواسطة 16 رجلاً.
ثم استبدلت في سنة 1938 بأرجوحة يشغلها 8 رجال.
ثم استبدلت في سنة 1953 بمحرك كهربائي.
يقرع هذا الجرس 10 مرات في السنة في المناسبات المسيحية.
أما برج الجرس فيرتفع 41 متراً، وهو مربع وعلي كل زاوية يجلس ملاكاً يحمل بوقاً.
أيضاً علي الجدار الخارجي للكاتدراية تجد الرسوم المحفورة والتي تمثل العديد من شخصيات الكتاب المقدس.
وبالرغم من ملامح العظمة والقداسة علي مبني الكاتدرائية إلا أنه توجد بعض الألغاز والأسرار:
فمثلاً تجد بعض التمائيل علي الجدران الخارجية للمبني والتي تشبه الأفعي والشياطين والحيوانات المتوحشة ووحوش خرافية وذلك بجانب تماثيل الملوك والقديسين، فهذا يؤكد أن الكنيسة باقية وتعيش في وسط العالم بكل شروره وتحدياته ولكن أبواب الجحيم لن تقوي عليها.
أيضاً فيلم أحدب نوتردام الذي تم تصويرة بالكاتدرائية، وأسطورة هذا اليتيم الذى عشق غجرية من خلال قصة حب مستحيلة أدت إلي نهاية أليمة لبطل الفيلم، ولكنها كانت نهاية سعيدة للكاتدرائية التي كانت مهددة بالإنهيار في ذلك الوقت، فإن نجاح الفيلم جعل الأيدي والأجهزة المعنية تسرع في إجراءات الترميمات اللازمة للكاتدرائية.
عزيزي القارئ إذا أردت أن تعيش أحداث الدراما المأسوية لفيلم أحدب نوتردام أوعي تفوتك زيارة كاتدرائة نوتردام.
ايضاً من ضمن ألألغاز والأسرار، قصة ديسكورنيه صانع الأقفال الموهوب الذي وجد ميتاً في اليوم التالي لتلبيس أبواب الكنيسة بالحديد.
أحبائي لا أخفي عليكم، لقد استهوتني فكرة القفل، وبالرغم من أنني لا أؤمن بمثل هذه المعتقدات لأني أعلم أنني في يد خالقي الذي يدبر حياتي علي حسب مشيئته، إلا أنني قبل أن أغادر باريس لبلد أخري أخذت قفل كان معي لغلق شنطة السفر وذهبت إلي كوبري الأقفال وصليت لله أن يحفظ لي زوجي ويجمعنا بالحب دائماً ولا يفرقنا أبداً، وعلقت القفل علي السور بجانب الأقفال وأغلقته. اوعوا تعملوا مثلي دي شطحه من شطحاتي ولكن أوعوا تفوتكم النوتردام!