بقلم رامى جلال | الأحد ٩ نوفمبر ٢٠١٤ -
١٣:
٠٦ م +02:00 EET
السيسى
بقلم رامى جلال
فى مصر تناسبات طردية بين أخلاق الفتاة وطول فستانها، وبين وطنية الكاتب وطول لسانه؛ فكلما شتمت أكثر تصبح وطنياً أكثر ويصفونك بالكاتب الثورى النقى. وهذا طبيعى فى بلد يحظى ضابط المباحث فيه بسلطة تفوق تلك المتوفرة لأى وزير أوروبى، فتكون لفكرة شتم رئيس الجمهورية سحرها الخاص، ويتحول كل شتّام إلى بطل، بينما الإبداع الحقيقى يكمن فى التعبير عن الغضب بالأدب، لأن قائمة الشتائم محفوظة يمكننا جميعاً تسميعها، والكتابة بالأساس نوع من أنواع «الأدب».
من الممكن أن يكرهنى السيسي؛ فالمحبة بخت، ومن الممكن ألا أحبه أنا، وهذا عادى، وفى كل الأحوال، إنما تبكى على الحب النساء، وهو فى النهاية رئيس للجمهورية وليس زوجاً لأختى، والعلاقة هنا سياسية وليست شخصية لأن ما بيننا هو عقد اجتماعى وليس عقد زواج. لماذا أشتم السيسى؟ وما هو السبب تحديداً؟
لا توجد عند البعض مساحة فاصلة بين الكاتب الصحفى والرداحة المحترفة؟ وكلمة ردح معناها الأصلى البسط والفَرد، وربما لهذا السبب ارتبط الردح بـ«فرش» الملاية و«مد» اليد. وهناك كاتب «متقد الذكاء» يفيد قراءه ومجتمعه، وهناك آخر «مفتقد للذكاء» يتجه بكل من حوله إلى الانعزال، يشتم الجميع فيصفق له جمهوره، ولا يعلم المسكين أنه هو وجمهوره منعزلون فى ركن يظنون أنه العالم. وظاهرة شتم الجميع ومحاولة التعريض بهم منتشرة أكثر على الصفحات الإلكترونية للجرائد المختلفة حيث لا دورة نشر ولا مراجعات لغوية أو قانونية.
الشتم موضة، ونحن نزايد على بعضنا فى كل موضة، استفسارات البعض دائرة حول فكرة «فلان بيشتم أكتر من علان»، و«شتمت مين النهارده؟»، هذا هو فن الشتيمة للشتيمة، ونحن بارعون فيه، مع العلم أن شتم الرئيس ليس دليلاً بالضرورة على أنك معارض همام، فأى رداحة يمكنها فعل ذلك وبجودة أعلى وتكلفة أقل.
البعض، ومنهم أنا، خرج محبطاً من مرحلة مرسى، لأنه كان رئيساً استثنائياً بحق، استطاع أن يوحد جهود المصريين فى شتمه والسخرية منه، والمشكلة تكمن فى أنه حرمنا من الفخر بأننا كنا ننتقد ونعارض رئيس الجمهورية، لأن الجميع كان يفعل ذلك. شتم مرسى ومعارضة الإخوان لم يكونا بالضرورة برهاناً على الشجاعة أو دليلاً على المعارضة. ولكن هذا لا يعنى أن نعوض الفرصة فى النظام الجديد بلا سبب واضح، وكأننا عربة بلا فرامل تمشى بالقصور الذاتى بلا هدف محدد.
الإمام «أبوحنيفة النعمان» كان نديماً للشاعر الماجن «حماد عجرد»، وحين قرر الأول أن يصير إماماً، ذكر الثانى بسوء، فكتب فيه الأخير قصيدة منها: «إن كان نسك لا يتمُ بغير شتمى وانتقاصى، فعليك فاشتم آمناً كل الأمان من القصاص، فلطالما زكيتنى وأنا المقيم على المعاصى». ربط أبوحنيفة تديّنه بشتم حماد، والبعض الآن يربط وطنيته بشتم السيسى، وكأن هذا من شروط الولاء للوطن.
الشتم أصبح لعبة العاجز، أى كائن يمكنه أن يصعد المنبر ليلعن، أو يظهر على الشاشة ليشتم، أو يمسك القلم ليسب. الصحيح أن ننتقد الدولة والقائمين عليها لأى سبب غير إرضاء طائفة من الناس. الدولة تقوم بمجهود فى ملفات وتتأخر فى ملفات أخرى، لكنها تتعافى، فلماذا نتعافى عليها؟ فى مصر الشتيمة تلف لفتها وتعود لصاحبها فى شكل حكم قضائى لا يعجب أحداً من أصدقاء الشتام.. «الشتامين»، و«الشمامين»، و«الشامتين» يتربصون بتلك الدولة، وأنا لست معهم.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع