بقلم يوسف سيدهم
استقبلت الساحة المصرية بارتياح كبير أنباء شروع القوات المسلحة في إخلاء الشريط الحدودي علي الحدود المصرية مع قطاع غزة من سكانه,وذلك عقب الهجمة الإرهابية الأخيرة التي أودت بحياة ثلاثين من شباب-جنود وضباط-الجيش المصري البواسل…لم تكن تلك الهجمة هي الأولي في سلسلة ضربات الإرهاب اللعين ضد مصر منذ ثورة 30يونية2013 التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان الإرهابية وفجرت الهجمات الإرهابية التي استهدفت قواتنا المسلحة في سيناء والتي ثبت أن لها علاقة مباشرة بتسلل وتمركز الإرهابيين عبر الشريط الحدودي الفاصل بين مصر وقطاع غزة في أقصي الشمال الشرقي لسيناء.
والحقيقة أن الارتياح الكبير الذي انتاب المصريين إزاء الإعلان عن تهجير سكان هذه المنطقة الحدودية الملتهبة,لايقل أبدا عن مقدار الغضب الذي كان متراكما داخل نفوسهم إزاء أمرين:الأول استفحال العمليات الإرهابية وتزايد أعداد من استشهدوا ومن أصيبوا من جرائها,والثاني تأخر السلطات المصرية-جيشا وحكومة-في تنفيذ ماسبق الإعلان عنه من حتمية إخلاء الشريط الحدودي من العشوائيات السكنية التي يزخر بها والتي تعد ملاذا آمنا لفتحات الأنفاق المستخدمة في تهريب السلاح وتسلل الإرهابيين.
فقد بدأ الحديث عن سيناريو إخلاء الشريط الحدودي من سكانه بعد فترة وجيزة من منتصف أغسطس2013-تاريخ فض اعتصامي رابعة والنهضة-وما شهدته تلك الفترة من أعمال إرهابية هستيرية وانتحارية ابتغت زعزعة الثقة في القوات المسلحة المصرية وتصدير صورة عن انكسار وارتباك الدولة المصرية-وعدم قدرتها علي بسط سيادتها علي أراضيها…
وقتها انتفضت القوات المسلحة وآلت علي نفسها أن تخوض حربا شرسة لتعقب فلول الإرهاب وتطهير مصر منه,وفي الوقت الذي قادتها هذه الحرب إلي جبال وكهوف ودروب سيناء وطبيعتها الوعرة تبين لها أن الروافد التي تنبع منها أذناب الإرهاب وأسلحته تتركز في الأنفاق غير المشروعة التي زادت حتي توحشت عابرة الحدود بين قطاع غزة وسيناء تحت الأرض لتصب داخل مباني العشوائيات السكنية التي تغطي مساحة الشريط الحدودي…وهنا أعلنت قيادة الجيش الثاني الميداني أنها بصدد مداهمة تلك العشوائيات لرصد وردم وتدمير جميع الأنفاق أولا بأول
علاوة علي وضع خطة لإخلاء الشريط الحدودي من سكانه عن طريق نقلهم إلي داخل سيناء-غربا-في مناطق سكنية بديلة جار تشييدها لهم وإزالة العشوائيات التي كانوا يقطنونها بهدف خلق منطق عازلة مفتوحة بعمق نحو خمسة كيلومترات تكون مكشوفة وتحت السيطرة الأمنية مما يحول تماما دون حفر أية أنفاق كما يجعل من العسير علي الإرهابيين التسلل عبر الحدود أو الاختباء أو تدبير عملياتهم الإرهابية.
كانت تلك الخطة وقت الإعلان عنها تمثل رؤية استراتيجية ثاقبة وتحمل أملا جادا في قطع الطريق أمام أذناب الشر الذين يهددون أمن وسيادة مصر…لكن الهجمات الإرهابية لم تتوقف واستمر نزيف دماء أبناء مصر البررة الذين استشهدوا في ساحة الواجب الوطني المقدس علي يد الإرهاب,وبينما كنا في البداية نلتمس الأعذار لقيادة الجيش وللحكومة أنه يعوزهما الوقت للخلاص من الأنفاق جميعها وللانتهاء من تشييد المساكن البديلة لتهجير سكان الشريط الحدودي,مضت الأشهر تلو الأشهر في ظل اجتياح الإرهاب ودون الإعلان عن التهجير
الأمر الذي أثار تساؤلات كثيرة لم تجد إجابات شافية فتحولت إلي مشاعر ضيق ثم تولد عنها غضبة واحتجاح….وبقي السؤال معلقا يبحث عن إجابة:لماذا يتأخر إخلاء الشريط الحدودي؟…إن القوات المسلحة تدرك تماما خطورة ترك الأمر علي ماهو عليه من عشوائيات تتستر داخلها الأنفاق والأسلحة والإرهابيون,كما أنها تمتلك قدرات هائلة علي إنجاز معسكرات الإيواء أو المناطق السكنية لتهجير سكان الشريط الحدودي..إذا لماذا التأخير الذي يسمح للإرهاب بتكرار ضرباته
هكذا تراكمت مشاعر الغضب حتي جاءت جريمة كرم القواديس منذ أسبوعين لتحصد أرواح ثلاثين شابا مصريا..وأخيرا وبعد تأخر كثير تم الإعلان عن بدء تنفيذ خطة إخلاء الشريط الحدودي علي طول خط الحدود الفاصل بين مصر وقطاع غزة,وتنفست أنا شخصيا الصعداء لتفعيل تلك الخطة بعد طول انتظار,وها نحن نتابع كل يوم منذ الأسبوع الماضي أنباء الخروج الكريم الآمن للسكان المسالمين غير الضالعين في الإرهاب وتركهم بيوتهم للانتقال إلي مناطق معدة لاستقبالهم في العمق بعيدا عن خط الحدود…
والغريب أن هذه الخطوة الحتمية التي لا مفر منها-وكما اعتدنا للأسف-فجرت لغطا حقوقيا وإعلاميا يشكك في قانونيتها ويتباكي علي الإطاحة بحقوق السكان المهجرين,لكن جاءت الردود سريعة وشافية مؤداها أن مايحدث هو عمل دستوري يخدم مصلحة الأمن القومي المصري وأنه يحرص علي مراعاة حقوق المواطنين ويتحدث عن استقرارهم وتعويضهم التعويض العادل عما تكبدوه بتركهم مساكنهم الأصلية.
ويهمني هنا أن أضيف ما أثير من مخاوف البعض من أن تؤدي عملية التهجير تلك إلي تحويل بؤرة الإرهاب التي كانت مركزة علي الشريط الحدودي إلي تغلغل وانتشار للإرهاب والإرهابيين في عمق سيناء حيثما يسمح بانتقال المهجرين-وهم إن كان يتم تفتيشهم لدي مغادرتهم مساكنهم الأصلية للتحقق من عدم حملهم أسلحة أو ذخيرة,لايتم تفتيش ضمائرهم للتحقق من خلوها من الأفكار الإرهابية والنوايا الخفية الشريرة…لذلك أرجو ألا يفوت ذلك علي حكمة القائمين علي تنفيذ وضبط عملية التهجير والذي يقتضي وضع ضوابط صارمة ورقابة لصيقة لجميع المهجرين تسمح برصد وجودهم وتحركاتهم ضمانا لعدم تحولهم إلي إرهابيين-أو أعوان إرهابيين-ينبع منهم إرهاب جديد حيثما ذهبوا!!