السبت ٨ نوفمبر ٢٠١٤ -
٠٢:
٠٨ ص +02:00 EET
نبيل المقدس
إجتزت فترة مرض .. إلتهاب في المسالك البولية .. فقد شعرت به اثناء عملي .. مما جعلني أن ارجع بيتي بدري في هذا اليوم .. وفي نفس الوقت أحسست بألم شديد مما إضطريت أن اذهب إلي الطبيب لكي يداويني ومعي بواب العمارة , لفقداني الإتزان .. وبعد الكشف أعطاني الدكتور روشتة العلاج عبارة عن خافض للحرارة التي كانت وصلت إلي 40 درجة .. مع دواء آخر مضاد حيوي لمدة 5 أيام .. أخذت حبات الخافض .. لمدة يومين كاملين كل 4 ساعات حسب وصف الطبيب لي ,ولم تتزحزح الحرارة , مما إضطرني أن أستدعي ابني لكي أكون في وسط عائلته
.
ولثالث يوم تظل الحرارة تلسع كل خلية من خلايا المخ .. أخذتني زوجة ابني وابنها في عربيته .. وذهبت بي مستندا عليهما .. وكشف عليّ الدكتور وقرأ الأدوية التي كنت اتعاطاها .. ثم اندهش جدا وقال لي هذا علاج عظيم ومؤثر جدا .. بالصدفة اخذت زوجة ابني الأدوية معها لكي يفحصها .. واذ به يقول بعد ما أن لمح شكل العلبتين .. سعادة الباشا " إللي هو أنا " كان بيبلبع حبات "بون بوني" .. ويستمر في حديثه .. هذه الأدوية المادة الفعالة التي فيها ضعيفة جدا ويظهر تأثيرها بعد ما المريض يذهب ليلاقي ربه .. طبعا ضحكنا , وكتب روشتة بنفس الأسماء وأكد علينا أن تكون هذه الأدوية "مستوردة" .. رجعنا إلي البيت وصدقوني ومن اول جرعة هبطت الحرارة إلي 38 في غصون ساعتين .. وفي الصباح بدأ الألم يقل بشكل ملحوظ.
تذكرت في صبايا عندما كان يرسلني والدي بروشتة لكي احضرها له من الصيدلية .. وكنت انبسط جدا من هذا المشوار لأن مكافأة ذهابي هو قيمة ايجار عجلة لمدة نصف ساعة .. كان مدخل الصيدلية في اسيوط مرعب .. تفتح الباب الخارجي بحرص شديد , لكي تجد من يستلم منك الروشتة , وهو عبارة عن موظف عادي .. يادوب يأخذ منك الروشتة ولا ينظر فيها .. ثم يدخل في حجرة اخري داخل الصيدلية حيث بابها مكتوب عليها " ســموم " .. والمح الدكتور الصيدلي وهو يقرأ الروشتة ويبلغه أن انتظر .. اتابع الصيدلي بشياكتة بالبالطو .. ويبدأ في تركيب الدواء .. ثم يضع نتائج التركيب في زجاجة ويلصق عليها ورقة فيها امضاء الصيدلي واسم الدواء .
تعتبر صناعة الدواء في مصر من أقدم الصناعات الدوائية في الشرق الأوسط .. فقد تمت هذه الصناعة منذ 80 سنة .. وكانت شهيرة جدا في جودتها , وكانت مصر تفخر بها كصناعة تدر لها اموال من الخارج .. لعبت هذه المصانع دورا عظيما في رقي اسم مصر .. وجعلت اسمها في عالم الصحة والدواء مرجعا لكثير من المؤسسات العلمية العالمية .
وأنا اتساءل الآن اين ذهبت هذه السمعة .. والتي تجعلنا ان نستورد أقذر الخامات الدوائية من دول ليست من الدول المعروفة في الصناعات الكيميائية والمواد الفعالة والأساسية في تركيب الدواء . فعلا فقد اصبحت أغلب مصانع الأدوية بمصر تصل إلي مستوي مصانع البون بون والباستيليه والروائح والمصاصات . وبناء عليه اصبحت اغلب الصيديليات عبارة عن محلات لترويج هذه الروائح ... أتذكر في السبيعينات أن منطقة بحالها كانت تعتمد علي ثلاث اجزخانات .. الآن تجد بين كل محل محمصة ومحل فول وطعمية صيدلية في منتهي الشياكة ومملوءة من الحلويات الدوائية الكثير... وتتكرر وجود هذه الإجزخانات كل 100 متر بين محلات اللحوم ومحلات السمك ... حتي تجد الأن ان عدد محلات الإجزخانات في المنطقة الواحد ما يقرب من 100 صيدلية ..
يُعتبر ألصيدلي الدكتور محمد حجازي ورجل المال الوطني طلعت حرب من اوائل مَنْ اقاما اكبر صرح لتصنيع الدواء في الشرق الأوسط سنة 1934 – 1939 اي منذ حوالي 80 سنة .. وقد بدأت دولة الهند بعد ذلك بـ 25 سنة في صناعة الدواء .. و أخذت الكثير من مصر بعض الأفكار العلمية في تصنيع الدواء كما تم تدريب البعض منهم في مصانعنا , بحكم وجود الإحتلال البريطاني عندنا وعندهم ... لكن ما يؤسفني ان سمعة الدواء الهندي أصبحت أكثر انتشارا في العالم الإفريقي والأسوي .. وسبقت الصناعة المصرية بمراحل كثيرة , مما سحبت البساط من تحت ارجل المنتج المصري .
أتصور أن صناعة الدواء هي صناعة وطنية , المفروض لا تستهدف ربحا او مكسبا .. بل عليها أن تنتقي المواد الخام والتي تدخل في صميم الدواء من مصادر موثوق منها .. لكي يكون دواءَ له سرعة التفعيل والتأثير في عملية الشفاء .. كما تعطي الثقة في الأطباء بأن كشوفاتهم سليمة .
إفتكرت بعد ما أخذت الدواء من الصيدلية .. وأعطيته لوالدي .. نزلت أجّرت العجلة ولعبت بها نصف ساعة .. وعندما ذهبت إلي البيت قابلني والدي علي السلم .. فأندهشت فقد كان منذ الصباح في شبه غيبوبة .. لاحظ اندهاشي وأخبرني أنه صحته تحسنت .. ودرجة الحرارة هبطت إلي المستوي الطبيعي لها ... كل ده حصل في غصون ساعة تقريبا من تناوله أول جرعة من الدواء.......!!
الستم معي ان نحول بعض من مصانع الدواء إلي مصانع بون بون .. بدل ما نفقد كل سنة كذا مليون ... !! ؟؟