الأقباط متحدون - ثورة مصر التي لا يعرفها أحد
أخر تحديث ١٩:١٤ | الخميس ٦ نوفمبر ٢٠١٤ | بابة ١٧٣١ ش٢٧ | العدد ٣٣٧٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ثورة مصر التي لا يعرفها أحد

 تركب إسراء دراجة لتشارك مجموعة من الشباب في كسر محظور اجتماعي على ركوب الفتيات الدراجات.
تركب إسراء دراجة لتشارك مجموعة من الشباب في كسر محظور اجتماعي على ركوب الفتيات الدراجات.

في ميدان طلعت حرب، الذي ما زال يعرفه الكثير من المصريين باسمه القديم ميدان سليمان باشا، جثا الشاب العشريني على ركبتيه أمام صديقته وقّبل يديها معلنا لها حبه، وسط تصفيق بعض المارة واستغراب البعض الأخر واستنكارهم وضحكات النسوة اللاتي رفع بعضهن أصابع الابهام علامة على التأييد لما فعله.

لم يكن مشهدا من فيلم سينمائي ولم يكن الاثنان أو أحدهما أجانب عن البلد الذي اصبح الكثير من أعرافه الاجتماعية طي الماضي.

ذكرني المشهد بتفاصيل هذه الرحلة المثيرة وأكد لي ما ادركته وعرفته بالفعل. مصر مقبلة على ثورة من نوع أخر، ثورة هادئة على السطح لكنها تموج بالتحولات الاجتماعية الصارخة، وأحيانا الصادمة التي ترجمت نفسها في العديد من الظواهر الاجتماعية من الاحتجاج بالتعري ودعوات الحرية الجنسية وصولا إلى الالحاد.
إسراء منتقبة على دراجة

في اليوم الاول من "تحقيق" كنت على موعد مع "إسراء محمد" الفتاة المنتقبة التي لا يتجاوز عمرها الثامنة عشرة. ظللت أنا وسائق التاكسي نبحث عن بيت إسراء أكثر من ساعتين فهي تقطن احدى المناطق الشعبية المزدحمة التي لا تعطي اسرار شوراعها للغرباء بسهولة.

بعد كثير من الجهد وصلت إلى البيت والتقيت إسراء. هي صغيرة هادئة رفعت نقابها بهدوء لتكشف وجها ملائكيا اكسبه الحجاب الاسود مسحة من وقار.

تحدثت بصوت هادئ واثق سألتها عن حياتها وأحلامها: " أنا عايزه أخلص دراستي واشتغل واعيش لوحدي وأصرف على نفسي". وماذا عن الزواج ؟ سألتها فردت بنبرة منْ عرف حقيقة مؤلمة: "أنا بقالي مدة طلعت الموضوع ده من دماغي معنديش استعداد حد يتحكم في والبس أيه وأروح فين".

خلف نقاب إسراء الأسود كثير من الاصرار على أن تكون ما تريد والتحدي لكل الاعراف والقوالب الاجتماعية.

تركب دراجة لتشارك مجموعة من الشباب في كسر محظور اجتماعي على ركوب الفتيات الدراجات وتشجع النادي الأهلي في صفوف ألتراس وتصادق الكثير من الفتيات اللواتي يختلفن معها إلى حد التناقض في الشكل لكنها تنتمي إليهن بالافكار.
صكوك الغفران المجتمعي

على الرغم من أن إسراء تبدو مختلفة وفي تناقض ظاهري مع "غدير أحمد" لكنهما يتحدثان بنفس المنطق والتحدي للمنظومة الاجتماعية التي تحيط بهما.

إسراء ارتدت النقاب على عكس رغبة والديها وتحلم بالاستقلال المادي والاجتماعي كي لا تقع تحت سطوة رجل وعلى الجانب الاخر كان خلع الحجاب معركة غدير الخاصة في سعيها للحصول على حريتها الشخصية لم تكن معركة سهلة بالنسبة لغدير التي تربت في المحلة أحدى مدن دلتا مصر والتي وإن عرفت بثورتها على التقاليد السياسية فهي غارقة في التقاليد المجتمعية الصارمة.

وكان لغدير ما أرادت. خلعت الحجاب الذي رأت فيه "صكوك غفران مجتمعي" لم تعد ترغب في الحصول عليه.

والاكثر من ذلك، هي ترى أن الحرية الجنسية مظهر مهم من مظاهر الاستقلال والذاتية التي يجب أن تحارب البنت من أجل الحصول عليه لأنها لن تناله طوعا أبدا في مجتمع ذكوري بامتياز.
أحلام الثورة الضائعة

عندما تحدثت إلى كريم على الهاتف أصر أن نلتقي في شارع محمد محمود. هذا الشارع الذي انطبع في ذاكرة شباب الثورة المصرية بالكثير من الذكريات المؤلمة والحالمة. كان الشارع غارقا في ظلام رمادي.

استعرض كريم معي وهو يسير بجانبي مجموعة من رسوم الجدران (الغرافيتي) التي احترف طباعتها على حوائط المباني في الشوراع المحيط بميدان التحرير.

وبعد بضعة أمتار وجدنا رجلا يسلط كشاف هاتفه النقال عليها ورمقنا بنظرة متشككة.

فزت إلي ذهني على الفور مفارقة لاذعة لماذا يتفحص هذا الرجل المارة وفي نفس المكان وفي نفس الشارع استغاث العديد من النساء والفتيات من حالات تحرش وحشي ولم يسرع أحد لنجدتهن بل شاركوا في الاعتداء الوحشي عليهن؟

صارحت كريم الذي كان يشير إلى رسم بعينه يصور رجلا ملتحيا وفي دماغه سيدة عارية بما دار في ذهني.

فرد كريم على بسرعة هذا الرجل مثله مثل كثيرين في مجتمعنا، يدمنون التحرش بالنساء والفتيات في الشوراع والمواصلات العامة. هو في الحقيقة عاجز عن إقامة أي علاقة طبيعية مع أي ست والأكثر من ذلك فهو يحبط دون أن يدري أي أمل له في إقامة علاقة سوية مع الجنس الأخر.

التحرش وليد الحرمان والعلاقات غير السوية، كما يرى كريم والحل؟ الحل هو الحرية في الحب والعلاقات الجنسية.
‫"بصي" نظرة مغايرة للجسد

وعلى الرغم من أن الجنس كان وما زال من القضايا المسكوت عنها في المجتمع المصري لكن عروض "بصي" جعلت من الواقع مادة لها. فهي ببساطة تروي قصصا واقعية على لسان أصحابها.

وتقول صاحبة العروض ومخرجتها سندس شبايك إن التغير في تقبل المجتمع المصري للحديث في هذه القضايا كان ببساطة مذهلا.

فمن عرض اتخذ من ركن في مسرح جامعي وكان ملاحقا من الرقابة أصبح عرضا من عروض الشارع ووجد القائمون عليه في أنفسهم الشجاعة الكافية للحديث بكل جرأة في المحظور والممنوع بداية بالتحرش الجنسي وحتى العلاقات خارج الزواج.
البط الأسود ومحرمات الاديان

رحلتي في التحقيق قادتني إلى مدينة الاسكندرية الساحلية التي احتضنت على مر السنين الكثير من الروافد الثقافية والاجتماعية المختلفة وتميزت بأنها مدينة كوزموبوليتانية.

لم يكن من السهل أن أجري تسجيلا إذاعيا مع "إسماعيل" لم يكن ميكروفون بي بي سي مغريا للناظرين أكثر من أفكار ضيفي الشاب الذي يتحدث بجرأة عن أحلامه في أن يقضي يوما واحدا دون أن يسمع أيات القرآن ودون أن يزعجه صوت الأذان خمس مرات في اليوم الواحد.

روي لي إسماعيل حكايته مع الألحاد وحكاية أصدقائه الذين يقاسمونه أفكاره فوجدوا أنفسهم سجناء مجتمع يسمهم بصفات قبيحة ويطاردهم بتهم ظالمة.

ومع ذلك يعتبر إسماعيل نفسه محظوظا بين الملحدين فلم يلاحقه احد ولم يواجه عزلة في بيته وبين أخوته وأبويه الذين يصفهم ببساطة بأنهم "مسلمون عاديون" . ومع ذلك يتحدث بكثير الألم والغضب عن ملحدين أخرين كان كل ما ارتكبوه من ذنوب هي "حرية التفكير".
الحريات الافتراضية

ترافق انهيار المنظومة السياسية مع الكثير من الصراحة اللاذعة وجدت طريقها إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي وفرت ولا شك حريات افتراضية قد لا تكون موجودة في الواقع.

وفي ضاحية المهندسين الراقية التقيت "ميرنا الهلباوي" بادرتها بسؤال أثار الكثير من الدهشة لديها: لماذا يستخدم الشباب الالفاظ النابية على مواقع التواصل الاجتماعي؟

كان سؤالي مفاجئا بدرجة أضحكتها فردت ساخرة: "معقولة أول مرة بي بي سي تعمل معاي لقاء يبقي عن قلة الادب".

لكن ضحكتها وسخريتها لم تلبث أن تحولت لمرراة "هذه الالفاظ موجودة في المجتمع والواقع فما الجدوى من أن نتجاهلها ونحن نسمعها ليل نهار في الشارع والمقهي، "مواقع التواصل هي جزء من هذا الواقع، أما لماذا هذا هو الواقع لان الواقع اصبح بالفعل قبيحا مؤلما".

لم اتوقف خلال رحلتي لإنجاز هذا التحقيق عن الشعور بالدهشة . صحيح أنني قرأت وبحثت وعرفت الكثير عن هذه الثورة قبل أن أذهب لألتقي بعناصرها لكن الواقع كان مختلفا وثريا وغريبا. والمذهل والمبهر أنني على الرغم من أنني قد التقيت بكل شخصية على حدة كانوا جميعا كما لو كانوا على قلب واحد.

وبدا لو أن جميعهم على اختلاف مشاربهم شباب وفتيات يتحدثون نفس اللغة ويطالبون بنفس المطالب الحرية الشخصية … الحرية في اختيار الحياة ... الحرية في الحب وفي الجنس وفي اختيار ما يعتنقون.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.