بعد أيام قليلة من الهجوم الإرهابى الذى استهدف كمين «كرم القراديس» فى الرابع والعشرين من أكتوبر المنقضى، تلقى «محمد حلاوة» تنبيهَا من الجيش بإخلاء منزله الكائن بمدينة رفح خلال ٢٤ ساعة. وبينما يحاول إنقاذ ما يمكنه إنقاذه من أثاث منزله بنقله إلى عربة نقل تقف أمام شرفته قال حلاوة: «أسكن هنا منذ حرب ١٩٧٣ بنيت البيت على أرض أجدادى، وبالطبع لم يعتد أحدنا على دفع إيجار، أو يصبح الطرد مصيره».
واستطرد «حلاوة»: تلقيت تنبيها من الجيش بإخلاء المنزل خلال ٢٤ ساعة فقط، ولا أعلم إلى أى مكان سوف أتوجه وأسرتى وسط كل هذا الدمار الذى لحق بالشريط الحدودى بمنازلنا برفح، والأزمة أننا لم يكن لدينا أى مهلة للتفاوض والحديث حول أزمة السكن التى نواجهها الآن، ولم نستطع فى هذا الوقت الضيق أن نبحث عن أى بدائل سواء للسكن أو نقل الأثاث قبل إخلاء منزلنا.
وبعد أن أنهى الرجل نقل أثاثه من الشرفة، اصطف وأسرته المكونة من ستة أفراد، أمام البيت بينما قالت إحدى بناته: «نحن فى غاية الحزن على ما يحدث لنا، ونشعر بالانكسار ونحن نترك منزلنا الذى ولدنا فيه، لنراه ينهار أمام أعيننا».
أما زوجته فلم تخف استياءها من قصر المهلة التى منحتها قوات الجيش والشرطة للأهالى لإخلاء منازلهم وإيجاد مساكن بديلة، تقول الزوجة: «كان من المفترض أن توفر لنا الحكومة أو القوات المسلحة مساكن بديلة قبل البدء فى عملية التهجير وتدمير المنازل على الشريط الحدودى، أو على الأقل توفر لنا محافظة شمال سيناء وحدات سكنية أو يصدر قرار بأسعار إيجارات معقولة ولا تتركها للسوق والعرض والطلب.
أم أحمد، كانت من ساكنات رفح واضطرت للانتقال للعريش، تعيش مع عائلة ممتدة مكونة من ٦ أسر صغيرة، تضم كل أسرة ٧ أشخاص على الأقل. تقول أم أحمد إن مرارة رؤية بيتها ينهار أمام عينيها ستبقى فى حلقها حتى الممات، «لم أشعر بحزن كذلك الذى شعرت به بينما أرى أثاث بيتى يلقى فى الشارع فى انتظار الاتفاق مع سائق سيارة نقل ليقوم برفع الأثاث ونقله إلى العريش حيث سنبدأ البحث عن مسكن بديل للعائلة». تقول الجدة السيناوية إنها اضطرت للبقاء مع أسرتها فى بيت أحد الجيران الذين لم تخل منازلهم بعد طوال ساعات الحظر، لأنها لم تستطع الاتفاق مع سائق لنقل الأثاث. بينما ذهب زوجها إلى العريش للبحث عن سكن.
فى اليوم الأول كان سائقو النقل يطلبون ١٥٠ جنيها نظير نقل الأثاث من رفح إلى العريش، فى اليوم التالى ارتفعت الأجرة إلى ٢٠٠ جنيه، وفى اليوم الثالث زادت الأجرة إلى ٣٠٠ جنيه «هذا إذا وجدت سائقًا من الأساس» تقول أم أحمد وتوضح: «كل يوم المهجرين يزيدوا والعربيات قليلة وغالية».
«أعيش بمنزلى منذ عقود، وهو مكون من ٥ غرف، واليوم تتجمع العائلة بأكملها فى غرفة واحدة، وباقى الأسرة من الرجال يقضون اليوم فى العمل ويعودون (جريًا) قبل بدء حظر التجوال»، هكذا بدأت إحدى المهجرات من عائلة «زعرب» حديثها بينما تفكر فى مستقبل أسرتها فى ظل العبء المالى الجديد الذى صار مفروضًا على زوجها المدرس لتوفير إيجار للمسكن، وهو بند لم يكن فى الميزانية المتواضعة للأسرة قبل أن تقرر قوات الجيش تهجير مواطنى رفح من منازلهم الواقعة على الشريط الحدودى. تقول السيدة: «إيجار الشقة السكنية قبل عملية التهجير كان يبدأ من ٢٥٠ إلى ٣٥٠ جنيها فى الشهر إذا كانت الشقة مفروشة. أما الآن فأصبح إيجار الشقة خالية وبمساحة ٩٠ أو ١٠٠ متر فقط يتراوح بين ٦٥٠ و٨٠٠ جنيه، ويرتفع إلى ١٥٠٠ جنيه إذا كانت مفروشة فقط بسرائر». ورفضت ما تنقله وسائل إعلام من اتهامات ضد أهالى رفح، مؤكدة أنه «لا يسمح لأى شخص بأن يزايد على وطنيه أهالى رفح وسيناء، بعد ما عانوه مع المحتل».