بقلم منير بشاى
تصور معى انسانا يعانى من مرض عضال. اذا تركه الأطباء وشأنه سيكون مصيره الموت بالاضافة الى آلام المرض التى سيعانيها الى ان توافيه المنية. واذا عالجوه بالدواء المتوفر قد يتحسن قليلا من المرض الأصلى ولكنه قد يعانى من آثار جانبية تفوق المرض وتطيل من المعاناة. وفى كل الاحوال اذا اصيب المريض بمكروه يتحمل الطبيب اللوم. المريض الذى يتناوله هذا المقال ليس انسانا ولكنها منطقة جغرافية كاملة تحتل جزءا هاما من الكرة الأرضية.
مرحبا بكم لتصحبونا فى زيارة خاطفة الى تلك المنطقة الشهيرة من العالم والتى تسمى الشرق الأوسط. وهى منطقة تحظى باهتمام العالم كله لأنها قلب العالم، ولأنها تمتلك معظم مخزون البترول فى العالم. والبترول هو الذى حوّل بعض شعوب المنطقة من بدو فقراء الى أغنى اغنياء العالم ونقلهم من العيش داخل الخيام الى سكن القصور ومن التنقل بالدواب الى ركوب السيارات الفارهة، ومن الاسواق البدائية الى تشييد أعظم المراكز التجارية رفاهية.
بترول هذه المنطقة هو شريان الحياة بالنسبة للغرب. ومن هنا كان اهتمام الغرب االكبير بما يجرى فيها ودخولهم رغما عنهم طرفا فى الصراعات التى تدور فيها ومن حولها وبسببها.
ومنطقة الشرق الأوسط هى مهبط الديانات، وهى التى صدرتها للعالم. وهى التى تتصارع فيها الاديان وتتطاحن. ولذلك اصبحت هذه المنطقة مركزا للعنف الدينى والدماء التى تسيل فى كل مكان بسبب الدين. ومن الطبيعى ان يمتد هذا الصراع الى العالم كله خاصة بعد ان اصبح العالم قرية صغيرة بفضل وسائل الانتقالات والاتصالات والتواصلات الحديثة والسماوات المفتوحة.
منذ حوالى ثلاث سنوات عصفت بالمنطقة زوبعة سياسية عنيفة اصطلح على تسميتها "الربيع العربى". فقامت شعوب المنطقة بثورات على حكامها من الديكتاتوريين ونجحوا فى الاطاحة ببعضهم. ولكن تيار الاسلام السياسى كان الاسرع الى اغتنام الفرصة ليحل مكان الديكتاتورين لأنهم كانوا التيار الأكثر تنظيما والاعنف قوة والأوفر تمويلا. واستطاع التيار الاسلامى ان يكسب الشارع بتقديم نفسه على انه التيار المتدين النظيف اليد الذى يخاف الله ويحمل الخير للجميع. ونجحوا فى كسب تأييد الغرب واظهار الود المصطنع حتى لعدوهم التقليدى اسرائيل باعطائهم التأكيدات انهم سيكونوا لهم الخدام المطيعين الذين يراعوا مصالحهم فى المنطقة ويعطوهم اكثر مما يطلبون او يحلمون به.
ورحلتنا تأخذنا الى منطقة من الشرق الاوسط وهى دولة سوريا التى يحكمها الشبل بشار ابن الاسد. عندما قامت الشعوب بثورات على حكام المنطقة ظنوا انهم يستطيعوا التخلص من الأسد الصغير بسهولة. ولكن الرجل كان اكثر تصميما على المقاومة مما كانوا يتوقعون. واستخدم فى الحرب ضدهم كل ما لديه من السلاح ومنها الاسلحة الكيميائية المجرمة دوليا. وهنا تدخلت امريكا والدول الغربية للدفاع عن اصدقائهم الجدد واجبار الاسد على التخلص من الاسلحة الكيمائية.
فى هذه الاثناء ظهرت جماعة داعش، أو الدولة الاسلامية، واستطاعت ان تستولى على اجزاء من العراق وترتكب الاعمال الوحشية ضد المسيحيين بل والمسلمين من الشيعة والاخرين ممن يعتبروهم كفارا مثل الايزيديين. كانت امريكا مترددة فى الدخول فى حرب ضد هذه الجماعة بعد ان كانت تتطلع الى انهاء حروبها التى انهكتها فى المنطقة. ولكن تحت الضغوط المحلية والعالمية اضطرت للدخول فى الحرب ضد داعش ولكن بكيفية محدودة وباستخدام الضربات الجوية فقط.
هذه الضربات الجوية دفعت قوات داعش الى التحرك نحو الاراضى السورية. وهنا وجدت امريكا نفسها فى مأزق. فاذا ضربت داعش فى سوريا تكون بطريق غير مباشر تساعد عدوها الأسد وتمكنه من التفرغ للاستفراد ببقية معارضيه. واذا لم تحارب داعش هناك فانها بذلك تسلم لهم سوريا على طبق من فضة وتعطيهم الفرصة للانضمام الى فصيل المعارضة السورية المتشددة وبذلك يتم استبدال نظام الاسد فى سوريا بنظام اسلامى متطرف اسوأ من نظام الأسد.
للخروج من المأزق قررت امريكا الاستمرار فى الحرب الجوية ضد داعش داخل سوريا مع تكوين جبهة جديدة للمعارضة ضد الاسد اسمتها المعارضة المعتدلة مضحية بحليفها القديم من المعارضة المتطرفة، وأوكلت تدريبها الى تركيا والاردن. ولكن هاتان الدولتان تقومان بالمهمة بطريقة فاترة بطيئة بحيث يقدّر انهما ستستغرق 3 سنوات قبل الانتهاء من تدريب 15 الف مقاتل. فى هذه الاثناء تكون داعش قد تمكنت من احكام قبضتها على المنطقة بحيث يصعب زحزحتها.
وفى 31 اكتوبر 2014 نشرت جريدة اللوس انجلوس تايمز مقالا يقول ان وزير الدفاع الامريكى تشاك هيجل ارسل للرئيس الأمريكى باراك اوباما مذكرة من صفحتين يقول فيها ان خطة الادارة الامريكية لتدريب قوة من المعارضة المعتدلة تبلغ خمسة عشر الفا كجزء من الاستراتيجية الموضوعة لهزيمة داعش تواجه عقبات خطيرة وان الخطة باكملها قد تنهار لأن نوايا الادارة الأمريكية تجاه سوريا غير واضحة. وأوضح هيجل ان الاسد استفاد من الضربات الامريكية ضد داعش.
من ناحيته قال وزير الخارجية الامريكية جون كيرى ان تأثير المعارضة المزعم تكوينها على الموقف لن يتعدى الضغط على الاسد للجلوس على مائدة التفاوض للوصول الى حل سلمى لانه لا يوجد حل عسكرى للمشكلة السورية حسب قوله. وهكذا رأينا ان اطراف صانعى القرار فى الادارة الامريكية يختلفون فيما ينبغى عمله بين وزارة الخارجية ووزارة الدفاع.
ويضاعف من هذا الاختلاف داخل الادارة الأمريكية توقع اختلاف لردود افعال القوى المختلفة على مسرح الحوادث ازاء الخيارات المتاحة لأمريكا. موقف امريكا من الاسد له صداه مع جبهتين تعمل لهما امريكا اعتبارا. فاذا تعرضت امريكا للأسد فهذا سيغضب ايران وحزب الله فى لبنان ومعهما روسيا ويتعارض مع تفاهمات اظهرتها امريكا لهم بانها سوف لا تسعى لخلع الاسد بالقوة العسكرية.
وقد يضطر هذا ايران الى الدخول فى الحرب ضد امريكا للدفاع عن حليفتها سوريا، او قد يدفع ايران الى الايعاز لحلفائها من الشيعة داخل العراق بالاعتداء على الاهداف الأمريكية هناك. واذا تركت امريكا الاسد وشأنه فهذا سيغضب السعودية عدو الاسد وحليف امريكا الرئيسى فى العالم الاسلامى والممول الرئيسى لكل هذه العمليات العسكرية. كما ان بقاء الاسد فى موقعه معناه ان تعود الامور الى المربع الأول وتذهب كل المجهودات التى بذلتها امريكا للاطاحة بالاسد ادراج الرياح.
ماذا تفعل أمريكا؟ هل تحارب داعش ام تحارب الأسد ام تحاربهما كليهما؟ ام تترك المنطقة كلها وتدعهم يحلون مشاكلهم بأنفسهم بعيدا عنها؟ خيارات جميعها تحمل طعم المرارة. ولكن المؤكد ان هذا الصراع والصداع سيستمر. أمريكا والعالم كله لا يملكون رفاهية الوقوف كالمتفرج لما يجرى فى المنطقة. وسواء ارادوا او لم يريدوا سيظلوا دائما طرفا فى مشكلات ومتناقضات تلك المنطقة الملتهبة التى تسمى الشرق الأوسط.
Mounir.bishay@sbcglobal.net