الأقباط متحدون - ثورة البشموريين
أخر تحديث ٠٥:٥٧ | الأحد ٢ نوفمبر ٢٠١٤ | بابة ١٧٣١ ش٢٣ | العدد ٣٣٧٣ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ثورة البشموريين

بقلم - ماجد كامل 
من بين الثورات المصرية التي بزغت عبر التاريخ ؛تبرز ثورة البشموريون ؛تلك الثورة التي كتب عنها العديد من المؤرخون المصريون . والبشموريون علي الأرجح هم المزيج من الأقباط واليونانيين ؛حيث يذكر بعض المؤرخين أنهم سلالة أربعين يونانيا بقوا في مصر بعد انتصار العرب ثم نما عددهم بالتزاوج؛ وكانت حرفتهم هي صيد السمك وصناعة أوراق البردي؛ وقد سكنوا الأرض الرملية بأقصي شمال الدلتا ما بين دمياط ورشيد ؛ولقد قاموا بخمس ثورات كبري فيما بين أعوام 121هـ (739 م ) و156هـ (773م ) غير أن أكبر ثورة نشبت عام 216هـ (831م ) أيام خلافة المأمون ؛إذ سالت فيها الدماء الغزيرة . وهي التي قضت عليهم نهائيا .

أما عن أسباب ثورتهم فيذكر عنها ساويرس بن المقفع فيقول " كان متولي الخراج يؤذي الناس في كل مكان وأكثر النصاري البشموريين كانوا يعذبونهم بعذاب شديد مثل بني إسرائيل إلي أن باعوا أولادهم في الخراج من كثرة العذاب لأنهم كانوا يربطونهم في الطواحين ويضربونهم حتي يطحنوا مثل الدواب وكان الذي عذبهم رجل أسمه غيث وتمادت عليهم الأيام وأنتهوا إلي الموت ".

حتي وصلنا إلي عصر الخليفة المأمون العباسي ( 813- 833 ) حيث تفجرت مشاعر الغضب في نفوس الأقباط ؛وأنضم إليهم العرب ؛فأمتنعوا عن دفع الخراج؛ ووصلت الثورة إلي ذروتها خلال عام (216هــ )الموافق (831م ) حيث أندلعت ثورة كبري شارك فيها العرب مع الأقباط ؛و قتل فيها كثيرين ؛ ولقد كتب المقريزي عن هذه الثورة فقال " لما كان في جمادي الأول 216 ؛أنتفض أسفل الأرض بأسره عرب البلاد وقبطها وأخرجوا العمال وخلعوا الطاعة لسؤ سيرة عمال السلطان فيها فكانت بينهم وبين عساكر الفسطاط حروب " وإزاء شدة وعنف المعارك ؛ترك الخليفة المأمون مدينة بغداد وتوجه إلي مصر ؛وكان والي مصر في تلك الفترة هو عيسي بن منصور ( 831- 832 م )وعندما علم الخليفة المأمون بحقيقة الأوضاع السيئة في مصر ؛ سخط عليه سخطا شديدا ووبخه قائلا " لم يكن هذا الحدث العظيم إلا من سؤ فعلك وفعل عمالك حملتم الناس ما لا يطيقون وكتمتم الخبر عني حتي تفاقم الأمر وإشتد البلاء وإضطربت البلاد " . 
 
وتوجه إليه البابا يوساب الأول ( 830- 849 م) البطريرك ال 52 ؛فأستقبله الخليفة استقبالا حسنا ؛وطلب إليه أن ينصح أقباط الوجه البحري بالكف عن القتال والمقاومة ؛ وكتب البطريرك منشورا يحثهم فيهم علي الطاعة وعدم المقاومة ؛ وأرسل إليهم خطابا تلو خطاب ؛وعندما توجه بعض الأساقفة حاملين معهم أحدي هذه الرسائل ؛ أنقض عليهم البشموريين وجردوهم من ملابسهم وأمتعتهم وطروهم بعد ما أشبعوهم ضربا وشتما.

لما عاد هؤلاء الأساقفة إلي الأب البطريرك وقصوا عليه ما حدث لهم ؛قرر البطريرك أن يتركهم لمصيرهم . ويذكر ساويرس بن المقفع في كتابه "تاريخ البطاركة " أن الخليفة المأمون حضر إلي مصر وبصحبته الأب ديونسيوس بطريرك إنطاكية ؛وتقابلا مع البابا يوساب ؛وهنا طلب المأمون من البابا يوساب والبطريرك ديونسيوس أن يتوجها لمحاولة إقناع البشموريين بالتوقف عن الثورة فقال لهما " وذا آمرك أنت ورفيقك البطريرك ديونسيوس أن تمضيا إلي هؤلاء القوم وتردعاهم كما يجب في ناموسكما ليرجعوا عن خلافهم ويطيعوا أمري فإن أجابوا فأنا أفعل معهم الخير في كل مايطلبونه مني وإن تمادوا في الخلاف فنحن برئون من دمهم " وبالفعل توجه البطريركان (يوساب وديونسيوس ) إلي البشموريين وسألهم ثم نصحاهم ووبخاهم للتوقف عن أفعالهم.

فلم يستجيبوا ولا قبلوا طلبهما ؛ فعادا مرة أخري وأخبروا المأمون بذلك ؛ فلما علم بما وصل إليه الأمر ؛ أمر الإفشين (لقب كان يلقب به الأمراء في المنطقة الواقعة بين بلاد ماوراء النهر بين فرغانة وسمرقند) الأمير أن يتوجه إليهم بجنوده ؛ ولكنه لم يقدر عليهم نظرا لتحصين مواقعهم بالمياة وأخذوا يقتلون من جنود الأفشين كل يوم جماعة منهم ؛ فلما وصل الخبر بالمأمون قام بمهاجتهم بجيوشه ؛وقتل رجالهم وسبي نسائهم وهدم كنائسهم ؛ولم يبرح أراضيهم إلا بعد أن خرب ديارهم وجعل بلادهم أطلالا ...

ولقد وصف ساويرس بن المقفع الحال التي وصلت إليها البلد بقوله "فلما اتصل الخبر بالمأمون سار بجيشه وأنحدر إلي هناك وأمر أن يحشدوا جميع من يعرف طرق البشموريين من أهل المدن والقري المجاورة لهم ...... وكانت العساكر تتبعهم إلي أن سلموا لهم البشموريين فهلكوهم وأخربوا مساكنهم وأحرقوها بالنار وهدمو بيعهم " . ولقد سبي المأمون من تبقي منهم بعد ذلك وأرسلهم علي سفن إلي بغداد ؛ وكان عددهم يبلغ ثلاثة آلاف ؛مات معظمهم في الطريق .

أما الذين أسروا أثناء القتال ؛فقد سيقوا عبيدا ووزعوا علي العرب .وبلغ عدد هؤلاء الخمسائة، فأرسلوا إلي دمشق وبيعوا هناك . 
والجدير بالذكر أن الروائية الكبيرة سلوي بكر قد خلدت قصة هذه الثورة في رواية شهيرة لها بعنوان "البشموري " صدرت في جزئين . 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter