بقلم : يوسف سيدهم
يبدو أن شعور التفاؤل والأمل الذي يتحلي به المصريون منذ30يونية2013لاتشاركهم فيه بعض المنظمات الأجنبية القريبة من الأحداث التي تشهدها البلاد…فمن الواضح أن قراءتنا نحن المصريين لتحدي الخلاص من حكم محمد مرسي وجماعة الإخوان الإرهابية وما صاحبه من فرحة غامرة لم تشاركنا فيه تلك المنظمات…أيضا نظرتنا نحن لضربات الإرهاب التي تضرب مصر وشعبها وجهازها الأمني وقواتها المسلحة بين الحين والآخر وتكشف عن وجهها اللعين القبيح وإصرارنا علي محاربتها والقضاء عليها وتطهير بلادنا من شرورها لا تشاركنا فيه تلك المنظمات بل يبدو أنه لايزعجها أصلا عندما تتشدق في بياناتها بضرورة المصالحة والدمج وكفالة الحقوق السياسية لأولئك الإرهابيين والمجرمين.
وعندما تتخذ مصر الإجراءات اللازمة لضبط أداء منظمات المجتمع المدني وإخضاعها للقانون ومراقبة آليات عملها للفرز بين الصالح والطالح يتكرر الأمر,فبينما ننظر نحن المصريين أن تلك خطوات ضرورية لحماية الجبهة الداخلية ممن يعبثون بها وممن يتآمرون لإعادة البلاد إلي الوراء,نجد تلك المنظمات تتجاهل جميع التجاوزات والدخلاء وتتباكي علي ضياع الحريات وخنق العمل الأهلي وقصف الأقلام…بل تتمادي في ذلك لتتحدث عن النظام القمعي الباطش الذي يحكم مصر!!!.
مررنا بهذه التجربة منذ شهرين عندما صدر التقرير المشبوه لمنظمةهيومان رايتس واتش حول كيفية فض السلطات المصرية لاعتصامي رابعة والنهضة في 14أغسطس2013,وقمنا باستعراضه وتفنيده وفضح تزييفه للحقائق في حينه…ولم يكد يمر الشهران حتي تلاه منذ أسبوعين صدور إعلان منمركز كارتر يفيد بإغلاق مكتبه في مصر ويتباكي هو أيضا علي تردي الأوضاع السياسية وانحسار الحريات وقمع منظمات العمل العام بما يجعل استمرار عمله في مصر أمرا غير مجد!!..والحقيقة إني تلقيت ذلك النبأ باستغراب شديد لأنمركز كارتر وهو المركز الحقوقي السياسي الذي يحمل اسم مؤسسه الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر-وهو شخصية تحظي بقدر كبير من التقدير والاحترام-سبق له العمل في مصر واضطلع أكثر من مرة بمهمة مراقبة الاستفتاءات والانتخابات وتابعها عن قرب وأصدر تقارير عنها…هذا المركز كنت أتصور أنه يمتلك من الموضوعية والمصداقية التي تؤهله لأن يعكس صورة مصر وما يجري فيها بدقة إلي العالم الخارجي,لذلك حرصت علي الحصول علي نص البيان الصادر عنه حول انسحابه من مصر وقرأته بتأن لأفاجأ بتكرار نفس سيناريو منظمةهيومان رايتس واتش,فها هو مركز كارتر يعطي ظهره لمصر ويتحدث عنها للعالم الخارجي متجاوزا الواقع المعاش ومتجنيا علي الحقيقة ومتشدقا بالمعايير والمقاييس النظرية التي لا تستقيم في أي بلد يمر بمحنة تأمين جبهته الداخلية ضد اجتياج الإرهاب وضد انفلات الشر ويحاول جاهدا تفعيل القانون ومحاربة الفساد الذي استشري المخجل أنمركز كارتر يراهن علي أن بيانه هذا سوف يحدث دويا في العالم ويستنفر ردود الأفعال المعادية لمصر عقابا لها علي ما تفعل والمسار الذي تسير فيه منذ30يونية2013,ولا يحسب المركز أن المصريين-وغيرهم ممن يعيشون ويعملون علي أرض مصر-سوف يقرأون البيان ويستنكرون تخليه عن الموضوعية والمصداقية علاوة علي إصراره علي تزييف الصورة…وهنا تبرز التساؤلات تبحث عن إجابات:هل هناك نوايا خفية وراء ذلك؟…هل هذا المركز مثله مثل سائر منظمات العمل العام ينساق وراء أغراض محددة لمصادر تمويله؟…هل مازال هناك من يفكر بأنه يمكنه أن يعرقل تقدم مصر بثقة وقوة علي خريطة الطريق بأن يؤلب ضدها دولا بعينها أو تيارات بذاتها؟!!…لكن أعود وأقول: لم يعد كل ذلك ينفع,ومصرنا الجديدة لم تعد تتسول رضاء أحد علي ما تفعله تلبية لإرادة شعبها…لم نعد ننتظر الضوء الأخضر أو علامةالأيزو لاتخاذ قراراتنا الوطنية وتفعيل سياساتنا.
ولأني تعودت أن أعرض في مثل هذه القضايا بعض الملامح الرئيسية مما احتوته ليتعرف القارئ علي ما أقول..تعالوا معي في جولة بين بكائياتمركز كارتر علي مصر:
00جاء عنوان البيان كالاتي:مركز كارتر يغلق مكتبه في مصر ويدعو لإجراءات أقوي لحماية الديمقراطية والحقوق والحريات.
00يعلن مركز كارتر أنه بإغلاق مكتبه في مصر بعد زهاء ثلاث سنوات أنه لن يباشر مهمته في تقييم الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها قبل نهاية هذا العام.ويأتي هذا القرار من جانب المركز ليعكس رؤيته للمناخ السياسي شديد الاستقطاب الذي يسود مصر علاوة علي تضييق المجال السياسي الذي تعمل فيه الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وأجهزة الإعلام.وبناء عليه يري المركز أن الانتخابات البرلمانية المقبلة في مصر من غير المتوقع أن تقود البلاد نحو تحول ديمقراطي حقيقي,وذلك نتيجة الضوابط المتزايدة المفروضة علي مجال عمل هذه الأطراف مما يحول بينها وبين قدرتها علي المشاركة بفاعلية ومصداقية.
00يستطرد الرئيس الأسبق جيمي كارتر علي ما سبق بقوله:المناخ الحالي في مصر لاينبئ بانتخابات ديمقراطية حقيقية ولا بمشاركة فاعلة للمجتمع المدني,وأتمني أن تتخذ السلطات المصرية الإجراءات اللازمة لتغيير قراراتها الأخيرة التي تقوض حقوق الاجتماع والعمل الأهلي لمنظمات المجتمع المدني.
00شهدت مصر في الفترة الأخيرة خطوات مقلقة من جانب السلطة للانقضاض علي جماعات المعارضة والصحفيين الناقدين للنظام علاوة علي وضع عراقيل متزايدة أمام ممارسة حرية التعبير والاجتماع, وجاء علي رأس تلك العراقبل المقلقة إجراءات القبض الجماعي علي مناصري جماعة الإخوان المسلمين,وتمرير ما يطلق عليه قانون تنظيم التظاهر,الأمر الذي يلقي ظلالا قاتمة علي الحريات الديمقراطية ويضع حدودا ضيقة علي الأحزاب السياسية تعوق أداءها لدورها في المشاركة السياسية وتنظيم حملاتها الانتخابية وتجعلها عرضة لبطش النظام الحاكم حال انتقاده.
00القانون الحالي المتحكم في عمل منظمات المجتمع المدني يضع سلطات واسعة في يد الحكومة ممثلة في وزارة التضامن الاجتماعي من شأنه أن تجعلها متحكمة في تأسيس منظمات المجتمع المدني ويسمح لها بالتدخل في شئونها الداخلية…وفي هذا السياق جاءت تصريحات وزارة التضامن مؤخرا تتحدث عن ضرورة قيام جميع منظمات العمل الأهلي المصرية والأجنبية بتوفيق أوضاعها مع القانون وتسجيل أنشطتها في مصر وهذا إن دل علي شئ فيدل علي أن الثقب الذي يتوجب أن تمر من خلاله تلك المنظمات بدأ يضيق, وأن سائر المنظمات العاملة في مجالات حقوق الإنسان والإصلاح التشريعي معرضة للإغلاق وللتعقب القانوني للعاملين فيها إذا تقاعست عن توفيق أوضاعها.
000تلك هي شكايات مركز كارتر مما يحدث في مصر…لكن المركز يفشل في رؤية إرادة المصريين ويفشل في إدراك ماتم إنجازه من خطوات ناجحة علي خريطة الطريق ويتغافل عن أن يسجل اجتياح الإرهاب وتنكيله بالمصريين,بل مايزال يروج لضرورة المصالحة والتمكين لأعداء هذا الشعب…كما أن المركز يتحدث بقدر غريب من الجرأة علي أن قانون الجمعيات وإلزامها بتوفيق أوضاعها وتسجيل أنشطتها هو ليس إعلاء للقانون أنما هو تضييق الخناق عليها….الحقيقية أني وجدت في بيانمركز كارتر شكلا آخر من أشكال الإرهاب الذي تتعرض له مصر,لكن كما قلت قبلا لم يعد ذلك ينفع لأننا لم نعد نبالي.