«اصطياد الفئران» هو الاسم الذى اختارته القوات المسلحة المصرية لتنفيذ أكبر عملية لتطهير سيناء من البؤر الإجرامية بعد أحداث كرم القواديس الأخيرة لمداهمة الأنفاق الواصلة بين مصر وغزة ولاصطياد العناصر الإرهابية المختبئة فيها. عملية اصطياد الفئران التى دفعت مجلس الدفاع الوطنى لإنذار سكان الشريط الحدودى بين مصر وغزة بضرورة إخلائه، خلال 48 ساعة من الآن خاصة أن البيوت الواقعة على الحدود فيها فتوحات للأنفاق التى من الصعب العثور عليها إن لم يتم هدم البيوت بالكامل. فكرة الأنفاق استلهم الفلسطينيون فكرة الأنفاق من أنفاق «الفيت كونج» وهى تلك التى حفرها مقاتلو الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام خلال حرب تحرير فيتنام من قبضة الولايات المتحدة الأمريكية.
وعرفت الأنفاق الفيتنامية التى امتدت على طول 200كم تحت الأرض، باسم أنفاق كوشى، وهى ما زالت موجودة كما هى، إذ قررت السلطات الفيتنامية الحفاظ عليها كأحد المعالم التاريخية المشهودة. متى بدأت؟ أول نفق تم اكتشافه من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلى كان عام 1983م، أى بعد أقل من عام من تطبيق اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1982، لكن الأنفاق فى تلك الفترة كانت محدودة وكانت سلطات الاحتلال تحاول السيطرة عليها ومنعها وهدمها، خوفا من دخول السلاح لفصائل المقاومة المسلحة وخصوصا مع بداية الانتفاضة الأولى عام 1987م. وكانت تعمل الأنفاق قبل عام 2000م على تهريب المخدرات والذهب، أى الممنوعات التى كانت تدر أرباحا هائلة، ونادرا ما كان يهرب السلاح للمقاومة. ومع بداية انتفاضة الأقصى عام 2000م بدأت الأنفاق تأخذ منحى آخر وهو تهريب السلاح لفصائل المقاومة، وازداد عددها وتوسع نشاطها، وعملت سلطات الاحتلال مع بداية الانتفاضة على تفجيرها، لكن ذلك لم يمنع من مواصلة العمل بها، بل استمرت وتواصلت دون توقف. وعملت فصائل المقاومة على حفر العديد من الأنفاق وتفجيرها بالدبابات الإسرائيلية التى كانت متمركزة على الشريط الحدودى الذى يفصل فلسطين عن مصر. ويبلغ طول الشريط الحدودى من البحر غربا حتى حدود عام 1967م شرقا تقريبا 13 كيلومترا، امتدت الأنفاق لتغطى 8 كيلومترات فقط من هذا الشريط، وتمتد من تل زعرب غربا حتى نهاية منطقة الجرادات شرقا، أى شرق معبر رفح، وهذه المسافة تربتها طينية وهى التى تصلح لحفر الأنفاق. مع بداية الحصار المفروض على قطاع غزة عام 2006م، بدأت تنمو وتتوسع ظاهرة الأنفاق برفح وأصبح يهرب بها المواد والسلع بأنواعها المختلفة، لكن حتى الآن لم يتم إدخال المواد الأساسية «كالدقيق والأرز والزيت والبقوليات» لأن حجمها كبير وسعرها رخيص نسبيا ولا تدر الأرباح، لكن المحروقات بأنواعها المختلفة تدخل عبر الأنفاق. زاد إنشاء الأنفاق بين عامى 2006 - 2007، بعد الغلق المتكرر للمعابر السبعة بين قطاع غزة والحصار المشدد الذى تفرضه إسرائيل، بدأت فكرة حفر الأنفاق بين قطاع غزة وإسرائيل كوسيلة للمقاومة، ثم تطور الأمر مع حصار غزة وغلق المعابر إلى حفر أنفاق التهريب بين قطاع غزة ومصر، حيث تستخدم كوسيلة لحصول أهل القطاع على مستلزمات المعيشة فى وقت غلق المعابر. بعد السيطرة على غزة، بدأت حماس مشروعا لبناء متاهة من المخابئ الخرسانية تحت الأرض متعددة المداخل والمخارج مرتبطة بأنفاق تحت المناطق السكنية فى غزة، بجودة تشطيب عالية وجدران وأسقف خرسانية ومزودة بالكهرباء وغيرها من المرافق «المياه والاتصالات»
اللازمة للمكوث مدد طويلة وبالفعل نجحت حماس فى تشييد مئات الأنفاق فى قطاع غزة حتى أن اللفتنانت كولونيل بيتر ليرنر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى يقول فى تصريحات له عن هذه الأنفاق «تحت قطاع غزة تكمن غزة أخرى تحت الأرض، وهى شبكة الأنفاق الهجومية التى كانت مخبأة بشكل كامل تقريبًا على السطح وتفصيلاً مثل متاهة». أنواع الأنفاق الفرق بين أنفاق المقاومة غزة - إسرائيل» وأنفاق التهريب «غزة - مصر» هى أن أنفاق التهريب عموما أكبر وأفضل تجهيزا لتساعد على الاستخدام المستمر ونقل معدات ضخمة وسيارات، فى حين أن أنفاق المقاومة مصممة ليتم استخدامها فى معظمها مرة واحدة أو مرتين فقط فتكون واسعة بما يمكن لرجل مسلح أن يمشى من خلالها.
وتقسم أنفاق حماس العسكرية إلى هجومية وأخرى دفاعية. والدفاعية يتحصن بها مقاتلو حماس من أجل مواجهة الإسرائيليين، وتكون عادة داخل حدود القطاع فقط، وقد استخدمها المقاتلون فى الشجاعية ورفح وبيت حانون حين فاجأوا جنودا إسرائيليين فى هذه المدن، أما الهجومية فتبدأ فى غزة وتنتهى فى إسرائيل. وأثارت الأنفاق الهجومية رعب السكان فى المستوطنات الإسرائيلية. ويصل طول بعض أنفاق حماس الهجومية إلى ثلاثة كيلومترات، وبعمق 25 مترا تحت الأرض بحسب ما كشف عنه الجيش الإسرائيلى.
وتُشيد القسام كل نفق بأطنان من الإسمنت حتى لا ينهار، ويكون عادة عريضا إلى حد يسمح بتحرك الأفراد بسهولة وبعضها مجهز بسكك حديدية خفيفة وعربات نقل سريعة وفتحات جانبية. وتقدر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أن حماس تستثمر نحو 140 مليون دولار فى السنة لحفر الأنفاق تحت الأرض، سواء تلك التى تستعمل لتهريب السلاح من جهة سيناء أم لتنفيذ عمليات فى الجانب الإسرائيلى. «حماس» تشرف على حفر الأنفاق تشرف بلدية رفح التى تديرها حماس والأمن الوطنى المنتشر على الشريط الحدودى التابع لحكومة حماس على الأنفاق وتراقبها، لكن مع بداية شهر 12/2008م أوقفت البلدية والأمن الوطنى حفر الأنفاق الجديدة ربما لكثرة عددها، ثم عادت لبناء المزيد أثناء ثورة يناير. تخصص حركة حماس حاليا وحدة خاص لحفر الأنفاق وهى وحدة مستقلة عن بقية تشكيلات القسام. وقال مسؤول ميدانى فى الوحدة لصحيفة فلسطينية «نحن نواصل عملنا وفق الخطة الموضوعة لنا، وقد أنهينا حفر الكثير من الأنفاق أثناء الحرب الأخيرة مع إسرائيل وسلمنا خرائطها للقيادة». حفر وصيانة الأنفاق تتم عملية الحفر بشكل سرى لإخفاء العمل عن المخابرات الإسرائيلية، يتم حفر مداخل الأنفاق فى الطوابق السفلية من المنازل والمساجد والمدارس وغيرها من المبانى العامة، وحفر الأنفاق هى عملية يدوية شاقة وطويلة حيث يستغرق حفر نفق واحد عدة أشهر، ولا تستخدم المعدات فى الحفر لأنها تسبب ضوضاء قد تنبه جواسيس إسرائيل داخل القطاع لعملية حفر النفق أو تلفت نظر المخابرات المصرية، ويتم استخدام حيل مختلفة لإزالة مخلفات الحفر من موقع النفق.
أما صيانة الأنفاق بسيطة إلى حد ما - تقريبا لا شىء ما لم تكن هناك مياه جوفية تحتاج إلى تفريغ. بدون تبطين النفق بجدران وأسقف خرسانية سوف يتدهور النفق تدريجيا ويحتاج إلى إعادة حفر «لأن طبيعة التربة فى غزة لينة وسهلة، مع كمية قليلة جدا من الصخور». اتخذت بعض العائلات عملية الحفر كمهنة تقوم بها لحساب أشخاص يتولون توفير المكان مقابل مبالغ مالية تصل إلى عدة آلاف من الدولارات الأمريكية. يحتاج كل نفق إلى عدد من العمال للعمل به، ويبلغ عدد العمال بكل نفق من 15 إلى 20 عاملا، يعملون بنظام الورديات، كل وردية من 6 إلى 8 عمال يعملون على إخراج البضائع والمواد والسلع من الأنفاق، يبلغ عدد العمال الذين يعملون بالأنفاق أكثر من 12 ألف عامل، ومستثنى من ذلك من يعملون بالتجارة والنقل والتوزيع، يمثلون جميع مدن ومخيمات قطاع غزة، لكن النسبة الأكبر منهم من محافظتى رفح وخان يونس، وبينهم نسبة من الأطفال وصغار السن. عمق الأنفاق يصل إلى 1500 متر ويبلغ طول النفق من 300 متر ويصل فى بعض الأحيان إلى 1500 متر، وعمق النفق من 8 مترات ويصل فى بعض الأحيان إلى 30 مترا تحت الأرض.
لكن تجد بعض الأنفاق نظام «طوابق»، أى تجد نفقا على عمق 8 مترات، وتحته نفق على عمق 15 مترا، وثالثا على عمق 20 مترا. تدار بالأسهم أصحاب الأنفاق دائماً من الأغنياء أو من يملكون رؤوس الأموال، فهى تجارة مربحة تدر الأموال والأرباح الطائلة وفى أقصى سرعة، تكلفة النفق الواحد تصل من 70 - 100 ألف دولار، وفى بعض الأحيان يزيد المبلغ عن ذلك، ويوجد بالنفق أكثر من شريك ويدار عبر الأسهم، ويجرى توقيع العقود لدى محامين ومن خلالهم يحدد سعر كل سهم وعدد الشركاء ونظام توزيع الأرباح على المساهمين.
أمين نفق مصرى يشرف على أعمال التهريب فتحة النفق فى الجانب المصرى تسمى «عين النفق»، ويسمى المشرف عليها أمين العين، وهو مصرى الجنسية وفى الغالب من سكان رفح المصرى، ويحصل على نصف أرباح النفق، ويتولى الأمين مسؤولية هذه العين، وإنزال البضائع فيها والمحافظة عليها. يقدر البعض بأن الاستيراد الشهرى عبر الأنفاق يتراوح ما بين 35 إلى 40 مليون دولار، مع العلم بأنه لا يتم تصدير أى سلعة أو مادة لخارج قطاع غزة، أى أن الاقتصاد فى قطاع غزة استهلاكى، والنقد يخرج من قطاع غزة باتجاه مصر والخارج فقط، وتقدر الأرباح التى يجنيها أصحاب الأنفاق والعاملون بها سنويا من 200 إلى 300 مليون دولار.
حماس تفرض ضرائب على أصحاب الأنفاق عملت بلدية رفح مع بداية شهر 9/2008م، بجباية رسوم من أصحاب الأنفاق تحت مسمى «نشاط تجارى عبر الحدود»، ويدفع كل صاحب نفق مبلغ 10000 آلاف شيكل «ما يعادل 2700دولار»، ومن لم يدفع يمنع من استكمال حفر نفقه، أو يغلق نفقه إن كان يعمل، وتقول البلدية بأن هذه المبالغ يتم جبايتها من أجل تأمين مرتبات الموظفين والعاملين بالبلدية، وسد النفقات التشغيلية للبلدية. وفى نفس الإطار تقوم شركة الكهرباء بفرض رسوم اشتراك كهرباء «3 فاز» على كل نفق، حيث يحتاج كل نفق إلى خط كهرباء، ورسوم اشتراك الكهرباء تبدأ من 1000 شيكل ويصل المبلغ إلى 3000 شيكل ما يعادل «800 دولار».
من السرية إلى العلنية غالبية الأنفاق تحولت من عمل سرى إلى عمل علنى، لكن هناك عشرات الأنفاق ذات طابع سرى، وأصبحت شبكة الأنفاق صناعة يعمل بها متخصصون، بداية من قطع الصخور، ومن يحدد وجهة النفق، والعامل، والمشرف على إخراج البضاعة، مرورا بمن يعمل على صيانة هذه الأنفاق بشكل مستمر.
وتحصل عشرات المشاكل بين أصحاب الأنفاق لتداخل الخطوط بين بعضها، ويجرى حلها عبر أشخاص متخصصين بحل مشاكل الأنفاق. نسبة كبيرة من أصحاب هذه الأنفاق هم من صغار السن من 25 سنة حتى 40 سنة، ودافعهم جنى الأرباح بأقصى سرعة ممكنة، وهم من جمهور حماس أو المحسوبين عليها، أو أشخاص عاديين ومن بعض التنظيمات الأخرى، أو من التجار ورؤوس الأموال.
أنواع السلع المهربة تدخل حاليا المواد والسلع والبضائع بكل أنواعها، ويقوم بعض التجار بإدخال السلاح بمختلف أنواعه، وذلك لمد فصائل المقاومة بالسلاح والعمل بشكل مستمر من أجل تطوير سلاح المقاومة، إلا أن الغالبية العظمى من السلع والمواد التى تهرب وتدخل غزة سعرها أضعاف مضاعفة مقارنة بسعرها فى غزة قبل الحصار، لكن هناك بعض السلع والمواد المحدودة أسعارها تقترب من نفس سعر السلعة قبل الحصار، باستثناء المحروقات «السولار - البنزين - الغاز»، والتى تدخل عبر تمديدات أرضية « برابيش»، وتجرى محاولات من قبل أصحاب الأنفاق لإدخال غاز الطهى، عبر تمديدات «مواسير حديد» وأجهزة ضخ متطورة، والبضائع التى تدخل عبر الأنفاق هى بضائع مصرية صينية بالأساس ومن بعض دول الخليج وليبيا والسودان. تدمير الأنفاق تدمير النفق هى عملية طويلة ومعقدة إلى حد ما، حيث لا يكفى تدمير مدخل النفق فقط لأن ذلك يترك باقى النفق بدون تدمير، حيث يسهل على حماس إعادة حفره وتشغيله، فلتدمير النفق لابد من الحصول على خريطة دقيقة لكل مداخل النفق ومساراته. 3
طرق تستخدمها مصر لتدمير الأنفاق تستخدم مصر 3 طرق لتدمير الأنفاق بينها وبين قطاع غزة، أولها الغمر بالماء، أما الطريقة الثانية فهى التفجير، أما الطريقة الثالثة فهى هدم مداخل العيون بالجرافات ووضع مكعبات إسمنتية على مداخلها وإطلاق روائح وغازات كريهة. إسرائيل تجرب أجهزة استشعار لكشف الأنفاق تعتزم إسرائيل فى وقت قريب تجريب «مجسات» استشعار جديدة لكشف الأنفاق، قبل أن تقرر إذا ما كانت ستبنى جدارا إلكترونيا فاصلا فى باطن الأرض بين غزة وإسرائيل. وقال ضابط كبير فى الجيش الإسرائيلى: «إن إسرائيل تعد لإقامة شبكة من أجهزة الاستشعار فى مسعى لرصد عملية بناء الأنفاق التى تصل لأراضيها من قطاع غزة، لكن الأمر قد يستغرق شهورا لتحديد إن كانت هذه التكنولوجيا ستحقق النتائج المرجوة».
الجيش المصرى يدمر أكثر من 1700 نفق راجت عملية بناء أنفاق جديدة بين رفح وقطاع غزة، العام الماضى، أثناء حكم الرئيس المعزول محمد مرسى الذى يرتبط وجماعته بعلاقات سياسية وأيديولوجية بحركة حماس التى تحكم القطاع، حتى أن الفضائيات الإخبارية نشرت تقارير مصورة تفيد بتهريب «دجاج كنتاكى» بين قطاع غزة والعريش، أى أن عمليات التهريب فى عهد المعزول انتقلت من فكرة تهريب السلع الضرورية والحاسمة إلى الرفاهية. إلا أن الجيش المصرى، ومنذ 30 يونيو وحتى الآن استطاع تدمير ما يقرب من 1700 نفق تحت الأرض، بين مصر وغزة، بالإضافة إلى مئات بيارات الوقود التى تستخدم فى تهريب الغاز والبترول.