حملت لنا وسائل الإعلام نبأ انتهاء قسم التشريع بمجلس الدولة من مراجعة مشروع قانون «معاونى الشرطة المجتمعية»، وتعديل بعض أحكام قانون هيئة الشرطة واستحداث فئة جديدة ضمن أعضاء هيئة الشرطة تحت مسمى «الشرطة المجتمعية» وتناول المشروع شروط تعيين وتأهيل وترقية وتأديب أعضاء هذه الفئة، كما قرر منح أعضائها صفة الضبطية القضائية وسريان ذات الأحكام والقواعد الخاصة بأفراد هيئة الشرطة عليهم، توطئة لصدور قرار السيد رئيس الدولة باعتمادها، ومن ثم الشروع فى ترجمتها على الأرض.
ولا يمكن تناول هذا الأمر بعيداً عن ملابسات اللحظة وضغوطاتها، خاصة أن تلك التعديلات لم تطرح طرحاً مجتمعياً يستوجبه ارتباطها المباشر بأمن المجتمع، الذى يتعرض لاستهدافات شرسة من القوى الإجرامية الإرهابية الساعية لإسقاط الدولة وتحقيق حلمها المستحيل بعودة النظام الغارب والأثيم.
وفى غياب البرلمان يكون الإعلام الوطنى مكلفاً بإدارة هذا الحوار بموضوعية تستهدف تكريس وتعميق دولة القانون وتحقيق مدنية الدولة بعيداً عن الانفعال الذى تولده اشتباكات وصراعات اللحظة.
وقد أثار هذا الخبر موجات من ردود الفعل بين مؤيد ومعارض، وكثير من الأسئلة بل والتخوفات المشروعة حول آثار اعتماد هذه الآلية الملتبسة.
يرى المؤيدون أنها تدعم التعاون بين المجتمع وجهاز الشرطة، باعتبار أفرادها «معاونين للشرطة»، وتسعى لخلق مناخ من الثقة المتبادلة والاحترام بين الشرطة والشعب، وأن الشرطة فى الدول التى طبقتها تعمل بشكل فعَّال، ما أدى إلى خفض نسبة الجرائم فيها، وأن مهمتها الأساسية تلقى المعلومات والبيانات الواردة من أفراد الجمهور ونزلاء المؤسسات العقابية ومراكز رعاية الأحداث والمسنين والجهات الحكومية وغير الحكومية، وإجراء استطلاعات للرأى العام من حين لآخر لقياس مستوى الأداء الأمنى وردود الفعل، وقياس رضا الجمهور عن الشرطة والموقف الأمنى، وتقديم المساعدة والمشورة حول حماية حقوق الإنسان، ورفع التقارير اللازمة عن التجاوزات والانتهاكات فى استخدام السلطة ضد الأشخاص.
كما تختص بإحياء دور التواصل الاجتماعى والعلاقات الإيجابية بين أفراد المجتمع، وتنمية الحس الأمنى لدى الأفراد داخل الأحياء السكنية، وتوظيف واستثمار الطاقات والقدرات والكفاءات المتعددة لدى الأفراد داخل الأحياء والتجمعات السكانية وتطويرها.
بينما يرى المعارضون أنها الباب الخلفى لخلق ميليشيات مسلحة تتمتع بالضبطية القضائية، وتفتقر للخبرة الأمنية المهنية، فضلاً عن غياب الركن التعليمى النظامى الواجب توافره، إذ تسمح للحاصلين على الإعدادية بالالتحاق بها، وتلقى تدريب موجز يستغرق 18 شهراً، وتنحصر السن بين 19 و23 عاماً، فهل يملك هؤلاء إمكانية تحقيق ما يقول به المؤيدون؟!
والتخوف القائم أن يكون هذا الكيان مدخلاً لإعادة إنتاج منظومة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» التى تتبناها المجتمعات البدائية والأنظمة الدينية، ونكون قد وافقنا على ما سبق وقاومناه فى سنة الحكم الغارب، وندخل فى دوامة بلا قرار يجنى ثمارها تيارات المتشددين ومقاومو الدولة المدنية التى رسمها وأقرها الدستور.
ويرون أن البديل الصحيح إعادة هيكلة الجهاز الأمنى وفقاً للقواعد المهنية التى تحتشد بها أروقة ومكتبات المعاهد الأكاديمية الأمنية، وأن إقرار هذه الآلية هو اعتراف صريح بقصور وتراجع الآليات المتوافرة حالياً فى منظومة الأمن، ومحاولة لإنقاذها من المساءلة وفقاً للقواعد التى تنظم عملها.
ربما نكون بحاجة إلى أمرين: إعادة فحص عناصر الأمن وتنقيتها بتجرد، ومراجعة نسق تعليم وتدريب وإعداد وتشكيل ومتابعة أجهزة الشرطة، وإعادة المهنية والالتزام بالقانون، والحزم فى ملاحقة ظاهرة التعسف فى استخدام السلطة، أفضل من استحداث آلية قد تضيف عبئاً على المسار المدنى والحريات.
نقلا عن الوطن