الاستثمار في السينما والتليفزيون يعتبر دائما مقامرة، كما يقول الكاتب الصحفي كوان براس، لكن التكنولوجيا التي تقرأ رغباتك تزيد احتمالات إنتاج فيلم ناجح.
لم كل هذا الاهتمام بإيجاد طرق جديدة لرصد ردود فعل الجمهور؟ وكيف لا يكون ذلك. فعندما يخسر فيلم لديزني مثل "ذا لون راينجر" 200 مليون دولار في شباك التذاكر العام الماضي؟
وعندما يوضع كم هائل من الأموال على المحك، يحرص المستثمرون على زيادة نصيبهم من النجاح التجاري، وهنا يمكن للتكنولوجيا الجديدة أن تمد يد العون.
تكنولوجيا جديدة؟
البعض يعلق آماله على البرامج الإلكترونية التي تعتمد على متابعة عواطف الجمهور، مثل شركة أفكتيفا، وهي شركة ذات جذور في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
وتستخدم مثل هذه الشركات برامج كمبيوتر لتحليل مقاطع فيديو لوجوه مجموعات معينة من الأشخاص تحت الدراسة للحكم على ردود أفعالها: فكل تعبير في الوجه يمكن أن يكشف ما إن كانت تلك المجموعات مستمتعة أو خائفة أو متفاعلة أو تشعر بالملل.
وفي المرة المقبلة التي يجري فيها ستوديو في هوليوود عرضا تجريبيا لأحد الأفلام، يحتمل أن تكون هناك كاميرات في قاعة العرض تشاهد الجمهور بنفس الاهتمام الذي يشاهد به الفيلم.
ما الفكرة؟
لكن ما هي الفكرة من ذلك؟ أليس هناك جماهير كانت قد خضعت للاختبار سابقا؟
نعم، لكن لا يمكن الاعتماد عليها فقط، حيث يمكن للجمهور أن ينسى ما هي المشاهد التي تمتع بها أو تلك التي لم تكن ممتعة، أو ألا يتمكن من التعبير عن تفاعله مع الفيلم بشكل واضح.
مع رصد حالة الجمهور العاطفية لحظة بلحظة، ستتمكن أبحاث هوليوود من أخذ انطباع أفضل عن أي المقاطع من فيلم جديد حرّكت مشاعر الجمهور، وأيها جعلته يرغب بالتوجه إلى باب الخروج من صالة العرض.
رصد المشاعر
هل يكون الحكم على مشاعري من خلال الكمبيوتر؟ ألا يبدو الأمر شريرا بعض الشيء؟
هناك قلق مؤكد تجاه سوء استخدام هذا النوع من البرامج الإلكترونية، خاصة لأن قدراتها على الرصد قوية جدا لدرجة تمكّنها، كما يقال، من تحديد معدل ضربات القلب، وربما تساعد أيضا في تشخيص بعض المشاكل الصحية.
لكن مؤسسي شركة أفكتيفا، ومنهم روزاليند بيكارد من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، يشددون على أنهم لن يستخدموا تقنيتهم إلا في الحالات التي يسمح فيها الجمهور بمراقبته، رغم أنه قيل إن بيكارد كانت قد اضطرت إلى رفض العمل مع شركات أرادت أن ترصد ردود فعل العملاء خفية دون أخذ موافقتهم.
هل يمكن للتكنولوجيا أن تساهم في التخلص من التخبطات الإنتاجية قبل بدء الكاميرات بالتصوير؟
ربما يكون الأمر كذلك. إذا كان صناع الأفلام والبرامج التليفزيونية يعرفون جمهورهم المستهدف بالقدر الكافي، فيمكنهم نظريا أن يقدموا له ما يريد أن يشاهده بالضبط.
وفي الواقع، فقد حصل ذلك في بعض العروض التليفزيونية التي ربما كنتم قد شاهدتموها.
هل من أمثلة؟
أحد أول استثمارات شركة نتفليكس كان إعادة صناعة أمريكية للمسلسل الدرامي السياسي البريطاني "هاوس أوف كاردز".
تفوقت نتفليكس في عرضها على عروض محطات تليفزيونية عريقة مثل "إتش بي أو" و "إيه إم سي"، وحصلت على حقوق البث، وقيل إنها حققت ذلك لأن المعلومات التي لديها عن العملاء أشارت إلى أن هذه الدراما كانت قريبة قدر الإمكان من النجاح المضمون الذي يحققه التليفزيون.
يعتبر المشتركون في خدمات مثل نتفليكس منجم ذهب من البيانات. فتلك الشركة على علم بكل مرة يشاهدون فيها فيلما أو برنامجا تليفزيونيا، وبكل مرة يتوقفون فيها عن المشاهدة، وبكل مرة يتخطون فيها أحد المشاهد، أو يعاودون مشاهدته.
كل هذه المعلومات تساعد الشركة على تكوين صورة مفصلة عن كل فرد من عملائها البالغ عددهم 44 مليونا.
وقد استخدمت نتفليكس هذه البيانات الشخصية أيضا لتقرر كيفية تسويقها لذلك العرض التليفزيوني. فعملاء نتفليكس الذين يبحثون عن أفلام كيفن سبايسي مثلا، يشاهدون دعاية للفيلم تظهر ذلك الممثل- كنجم ذلك العرض.
مستخدمو نتفليكس الذين لديهم تاريخ في مشاهدة أفلام من بطولة سيدات قويات، يشاهدون أيضا دعايات لأفلام تسلط الضوء على هذه الشخصيات الدرامية النسائية. والعملاء الذين دأبوا على مشاهدة أفلاما لديفيد فينشر، يشاهدون دعاية تظهر دور مخرج العرض الجديد.
كل ذلك يشير إلى أن البيانات الشخصية عن المشاهدين قد تلعب دورا هاما في تحديد البرامج التليفزيونية والأفلام التي يفترض إنتاجها في المستقبل.
هذا جيد، أليس كذلك؟
يعتمد الأمر على وجهة نظرك. إذا ما اتخذت شركات أخرى مبادرة نتفليكس، فإنها قد تصبح واثقة وبشكل متزايد بشأن الاستثمار في أعمال مألوفة - وتزداد خشيتها أيضا بشأن المخاطرة في شيء مبتكر حقا.
إلا أن البعض يعتبر أن هذا القلق مبالغ فيه. فنحن في النهاية على دراية بالطريقة التي تصرف فيها الشركات الأموال على أنواع الأعمال الناجحة وكذلك الشخصيات، سواء كانت تتعلق بالسحر، أو مصاصي الدماء، أو شخصيات رائجة أخرى.
ولعل هذا النوع من البيانات الذي تعتمده نتفليكس سيساعد ببساطة على ضمان جودة المنتجات المقلدة بالرغم من تكرارها للمواضيع الموجودة.
ويمكن للتكنولوجيا أن تقدّم فوائد لصناع الأفلام بطريقة مختلفة: إذ يمكن إنتاج بعض الأفلام دون تمويلها بالطرق التقليدية.
فأفلام مثل "فيرونيكا مارس" و "ويش أي واز هير" (أو أتمنى لو كنت هنا)، مُولت من قبل حملات تعرف باسم "كيكستارتر" (أو ضربة البداية)، والتي جمّع من خلالها المعجبون الأموال من أجل انجاز الفيلمين.
إذن، هل هذه هي نهاية الأفلام والبرامج الفاشلة؟
ربما لا. فبلا شك، ظن صناع فيلم "ذا فيفث ايستيت" العام الماضي أنهم سيربحون، خصوصا أن فيلمهم كان حول قضية ويكيليكس، إحدى أكثر القضايا إثارة للجدل في السنوات الأخيرة. وكان الفيلم أيضا من بطولة الممثل الشهير بينيديكت كومبرباتش، ومع ذلك كان الفيلم الأكثر إخفاقا العام الماضي.
وربما يكون هذا خير مثال على أنه لا يمكنك الاعتماد على أهواء الجمهور بشكل تام، مهما كان حجم البيانات التي يمكنك جمعها.