الأقباط متحدون - السلفية والعلمانية.. هل يختلفان؟
أخر تحديث ٠١:٣٨ | الخميس ٢٣ اكتوبر ٢٠١٤ | بابة ١٧٣١ ش ١٣ | العدد ٣٣٦٣ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

السلفية والعلمانية.. هل يختلفان؟

د. حسن حنفى
د. حسن حنفى

انشقت الثقافة الوطنية بين سلفية وعلمانية قبل أن تنشق الحياة السياسة إلى حكومة ومعارضة، وتحول الخلاف الثقافى إلى خصومة سياسية بل وإلى عنف متبادل تسيل فيه الدماء. والحقيقة أن هذين التيارين الرئيسيين فى الثقافة المصرية بالرغم من اختلافهما فى الظاهر إلا أنهما متفقان فى الباطن، مختلفان فى اللغة والمصدر ومتفقان فى البنية والهدف. فقد يختلف شيئان فى الظاهر، ويتفقان فى الباطن. وقد يتفقان فى الظاهر ويختلفان فى الباطن مثل تيارات الحداثة، العقلانية واللسانية والعدمية. السلفية والعلمانية تياران مختلفان فى الظاهر فى اللغة والمصدر ولكن الهدف واحد وهو الاستيلاء على السلطة. والاتفاق الأخطر هو اتفاق فى البنية. فالعلمانى يبدو علمانياً وهو سلفى حتى النخاع. والسلفى يبدو سلفياً وهو علمانى حتى النخاع.

السلفية والعلمانية متفقان فى استعمال حجة القول. فلا فرق بين «قال الله» و«قال الرسول» عند السلفى و«قال ليوتار» و«قال ديلوز» عند العلمانيين. كلاهما حجة القول وليس حجة العقل. كلاهما اعتماد على سلطة خارج منطق البرهان. وكلاهما يقر بأن هناك مصدراً للمعرفة المطلقة، وأن هذا المصدر هو الوحيد الصحيح، هو الفرقة الناجية، التراث الإسلامى القديم الذى ينهل منه السلفى لأنه متواصل معه وأقرب إليه، والتراث الغربى الحديث أقرب إلى العلمانى لأنه متواصل معه بعد أن قطع مع تراثه القديم. الفرق الوحيد أن الأول تراثه جماهيرى فى القلوب يسهل تجنيد الناس به. بينما تراث الثانى نخبوى لا تتبناه إلا الأقلية ولا يحرك إلا الطبقة المثقفة اليسارية والوطنية والاشتراكية والماركسية. ففى حالة الحراك الشعبى يكسب التيار الأول. ويشعر الثانى أنه أقل قدرة من الأول على كسب الجماهير.

كلاهما يقدس الأموات. يحيل إلى التاريخ. يعيش فى الماضى. الأول يعتمد على الرسول والصحابة والتابعين وتابعى التابعين إلى يوم الدين. ويحيل إلى أحمد بن حنبل وإلى تقى الدين أحمد ابن تيمية. وقد قويت السلفية المعاصرة كرد فعل على سقوط الدولة العثمانية ونهاية عصر الخلافة عند رشيد رضا وتلميذه حسن البنا، وسيد قطب فى آخر مراحله، مرحلة «معالم على الطريق». وهى صرخة سجين تعبر عن آلام التعذيب. والثانى يحول طه حسين إلى أقنوم. يقدسه فى كل لحظة وهو الذى جعل «مستقبل الثقافة فى مصر» ارتباطها بأوروبا وليس بآسيا بما فى ذلك الجناح الآسيوى للوطن العربى منفذاً بذلك أحد شروط معاهدة ١٩٣٦؛ أن تكون مصر قطعة من أوروبا. وقد تمتد الجذور إلى فرح أنطون ونقولا حداد وسلامة موسى وإسماعيل مظهر وغيرهم.

كلاهما يتعصب لموقفه. ولا يقبل الحوار مع الآخر. كل منهما يقصى الآخر. السلفى يكفر العلمانى، والعلمانى يخوّن السلفى. كلاهما يبدأ من حقائق مسبقة، ويقيم التماثيل لأنصار تياره، فيزداد التقديس. وتستعمل لغة «نحن» و«أنتم» وكأن كل طرف يكوّن شعباً بمفرده. كل منهما يقرأ تاريخ التجديد أو الإصلاح الذى حاول تجاوز هذه الثنائية المتخاصمة لصالحه. فالطهطاوى زعيم التجديديين والنهضويين فى «تخليص الإبريز» واصفاً الحداثة الغربية ومبيناً إعجابه بها وبكل مظاهر العمران، بينما يقرأ السلفى هذا الاتجاه النهضوى قراءة سلفية. ففى «مناهج الألباب» تأسيس للنهضة فى الموروث الثقافى. والتاريخ الإسلامى مثل «العرب قبل الإسلام» هو الإطار المرجعى لكتابة التاريخ. وعند السلفى محمد عبده إمام الإصلاحيين تلميذ رشيد رضا إمام السلفيين، وعند العلمانى محمد عبده إمام تنويرى يحكّم العقل فى النقل بالرغم من قوله إن العقل فى حاجة إلى وصى. وهذا الوصى هو النبى. فكل طرف يقرأ الإصلاح قراءة أحادية يدخله فى تصوره. ويقضى على كل محاولة للجمع بين الاثنين ظاهراً وباطناً.

كلاهما يقع فى التقليد، تقليد الماضى البعيد عند السلفى وتقليد الماضى القريب عند العلمانى. كلاهما يعجز عن الاجتهاد، اجتهاد شىء جديد من السلفى. يغرف فيه من واقع الأمة. كما يعجز العلمانى عن أن يقدم شيئاً جديداً إلا التنوير المنقول عن الغرب أو العقلانية التى يرمز لها المعتزلة عند القدماء حتى ساء استعمال المنقول فى توظيفه لخدمة الحاضر. فلا السلفى سلفى بالأصالة. ولا العلمانى علمانى بالاقتناع. كل منهما يتغنى بماضيه وبطولاته. ولا أحد يغوص فى الماضى كى يكتشف مكوناته والعوامل الفاعلة فيه. كلاهما يخطئ فى إدراكه للزمان. يحيل الحاضر إلى الماضى مثل السلفى أو يحيله إلى المستقبل عائداً إلى الماضى مثل العلمانى. كلاهما ينسى اللغة والذهاب وراء الألفاظ ليجد المعانى المشتركة وربما نفس الألفاظ. فالسلفى لا يستعمل لفظ التقدم مع أنه مذكور فى القرآن الكريم «لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ». ويُفهم على العموم وليس فقط التقدم والتأخر فى صفوف الصلاة. والتجربة التى كثيراً ما يتحدث عنها العلمانى هو الاختبار أو الامتحان المذكور فى القرآن، والدنيا التى يذكرها السلفى هى المدنية التى يتحدث عنها العلمانى. كلاهما متوقف على ما قاله الآخرون من الطرفين لا أحد يطوّر سيد قطب وكأنه نهاية المطاف، ويكتب فى بيئة صحية عن الفرد والمجتمع بعيداً عن الجو النفسى للسجون والمعتقلات. عند العلمانى النموذج الغربى هو نهاية المطاف وعند السلفى مجتمع المدينة الذى سيعود هو أيضاً نهاية المطاف. كلاهما عجز عن الاجتهاد. الأصول موجودة فى الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة والتنمية. والفروع موجودة فى الاستبداد والتفاوت الشديد بين الأغنياء والفقراء والتجزئة والتفتيت الطائفى والمذهبى والعرقى، والتخلف الذى لا يجعل الأمة خير أمة أخرجت للناس عند السلفى أو تساوى اليابان وكوريا الجنوبية والصين وماليزيا وسنغافورة والبرازيل والأرجنتين عند العلمانى.

السلفية مرحلة تاريخية تمر بعد تغير الظروف التى أنشأتها. والعلمانية أيضاً بدأت تنقد نفسها بحثاً عن نسق كلى للقيم بعيداً عن النسبية والشك والعدمية. وما بعد الحداثة تيار يتغلب على الحداثة التى ترث التنوير والعقلانية والعلم. ونحن مازلنا نبحث فى أى مرحلة من التاريخ نحن نعيش؟ نهضة أم إصلاح أم ثورة أم انقلاب؟ كلاهما- السلفى والعلمانى- فقد رؤية التاريخ يجعلهما أقرب إلى الاتفاق منهما إلى الاختلاف. والمصالحة الفكرية مقدمة للمصالحة السياسية. وكلاهما مقدمة للمصالحة الوطنية.

نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع