الأقباط متحدون - الجده والحفيده
أخر تحديث ٠٥:٥٦ | الثلاثاء ٢١ اكتوبر ٢٠١٤ | بابة ١٧٣١ ش ١١ | العدد ٣٣٦١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الجده والحفيده

بقلم: ليديا يؤانس
نيس مدينة جميلة دافئة تقع في جنوب فرنسا علي ساحل البحر الأبيض المتوسط بين مارسيليا وجنوي.  شواطئها تتميز بالجمال الطبيعي الأخآذ وصفاء المياه ومناخ رومانسي يحلق بك فوق السحاب يدغدغ أحاسيسك ويأخذك في رحلة تأمل أو ذكريات!

الجده والحفيده جلستا علي أحد شواطئ نيس الرائعة،  الجو منعش لذيذ،  المياه تتهادي وكأنها عروس تتمخطر بفستانها البديع الطويل،  أنه شهر سبتمبر المتميز بطقسه المعتدل بعيداً عن حرارة الصيف ورطوبة الجو وقسوة الشتاء.

الجده والحفيده جلستا وظهرهما للعالم وعيونهما تارة تحلق فوق السحاب أملاً في مستقبل مبهج سعيد مع طول العمر،  وتارة تغوص تحت الأمواج لإجترار الذكريات بحلوها ومرها مع إبتسامة باهتة وياليت الزمان يرجع ثاني!

الجده والحفيده من حين لآخر تتلاقي نظراتهما ويدور حواراً صامتاً بينهما،   يترجم أحاسيسهما وأفكارهما،  حواراً بين جيلين الفارق الزمني بينهما حوالي 70 سنة،  الجده تجاوزت التسعين عاماً والحفيده في بداية العشرينات.

الجده تذكرت أن اليوم عيد ميلادها الثالث والتسعون،  إعتدلت في جلستها وقالت لنفسها،  ملعون هوّ الإحتفال بعيد ميلادي لأنه يأخذ من رصيد  عمري ويذكرني بقرب المحطة الأخيرة من حياتي. نظرت إلي حفيدتها وتمنت لها عمراً مديداً مثلها مع حظ أفضل ومستقبل أروع. 
الحفيده نظرت للجده وتمنت أن ترث من جدتها العمر الطويل،  وبدأت ترسم أيامها القادمة علي ضوء أحلامها وآمالها.

الجده أخذت المرآه والمشط لتمشط الخصلات القليلة الباقية التي تركها لها الزمن في رأسها بعد سنوات العمر الطويلة،  وكأنها تري إمرأة أخري لا تعرفها!
الزمن رسم خطوطه بعمق علي وجهها ورقبتها ويديها،  وكأن كل خط يحكي فصل من فصول حياتها

إلتفتت إلي حفيدتها حيث الوجه الجميل والقد البض المفعم بالحيوية والشباب ونظرت إلي جسدها المترهل وركبها المخلعه وشعرت بالحسرة علي الشباب الذي ولي ولم يعود حتي مع أحدث تكنولوجيا عمليات التجميل. 
الحفيده لم تعد مقتنعه بأن يطول عمرها مثل جدتها خوفاً من الشيخوخه والعجز وزوال النضارة والجمال ولكنها طمأنت نفسها بأن الطب في تقدم وأكيد سيخترعون أكسيراً لعودة الشباب والحيوية فتراجعت في قرارها وتمنت أن يطول عمرها مثل جدتها!

الجده رجعت بالذاكره لتعدد إنحازاتها علي مدي سنينها،  سيدة أعمال ناجحه بإستثناء بعض الإخفاقات البسيطة،   حياة أسرية متقلبة إلي حد ما وإن كانت الحصيلة 17 حفيداً وحفيده،   بالإضافة إلي بعض المتاعب الصحية!
إنفرجت أساريرها بما حققته وتضاءل أمامها أسفها علي زوال الشباب والشيخوخة،    شكرت ربها علي عطاياه لها،  وصلت من أجل أن يعطي الرب حفيدتها بل كل أحفادها حظاً أوفر وإنجازات أعظم.

الحفيده تطلعت للجده بإمتنان وشكر،   لأنها كانت سبباً لوجودها في هذه الحياة،  ولكنها برعونة وكبرياء الشباب قللت من قيمة جدتها، وإعتبرت نفسها قادرة علي أن تصنع حياتها بطريقة أفضل من جدتها التي تنتسب للقرن الماضي.   علي أيام جدتها لا كان فيه أنترنيت ولا تكنولوجيا المرئيات والصوتيات،   ولا موبايل   ولا فيس بوك،   فبالتأكيد إنجازاتها هيّ ستكون أعظم وأروع وأسرع من إنحازات جدتها،   فاطمئنت علي حياتها ومستقبلها وأنه سيكون بالتأكيد أفضل من حياة جدتها!

الجده وصلت إلي حالة من الرضا والقناعة والإعتماد الكلي علي خالقها قائلة له: "معك لا أريد شيئاً علي الأرض."
الحفيده تطلعت إلي جدتها وإلي الكون حولها وبإبتسامة ساخرة قالت لنفسها، سأصنع مستقبلي وحياتي كما أريد بقدراتي وإمكانياتي!

بدأت الشمس في المغيب وبدأ الليل يغلف الكون بظلامه وكأنه يستر أسرار الكون وأسرار الناس.  
هذه هي سنة الحياة،  بداية  ولابد من نهاية غير معلومة،   وما بين البداية والنهاية،   كفاح ورضا وعدم رضا وطموحات وأحلام وأفراح وأحزان وإنتصارات وإختلاف ثقافات وأزمنه!


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter