بقلم - يوسف سيدهم
نحن مقبلون علي الانتخابات البرلمانية التي أعتبرها التحدي الأكبر أمام المصريين نحو تحقيق أهداف ثورة30يونية وإكمال خريطة الطريق…ولعل المتابعين للساحة السياسية في هذا الخصوص يلحظون كيف تموج بالاستعداد لهذه الانتخابات,صحيح أن المشهد لايزال مرتبكا والتحالفات الحزبية غير واضحة المعالم, لكن مع اقتراب موعد الإعلان عن فتح باب الترشح لهذه الانتخابات يكمن الأمل في أن تكون لدينا تحالفات واضحة وقوية تستطيع أن تخوض السباق وتقدم للناخبين توجهات سياسية تلبي تطلعات مصر الجديدة وقوائم مرشحين قادرين علي أداء الدور البرلماني المنوط بهم.
وأجدني في هذا الصدد مدفوعا لأكرر ماسبق أن كتبته-علي سبيل التبصير والتذكرة-أن المصريين الذين ثاروا في30يونية ضد حكم الإخوان وضد اختطاف مصر
بعيدا عن هويتها الحضارية الأصيلة يجب أن يعوا جيدا أن إنجازات الثورة لم تكتمل,بل لا أبالغ إذا قلت إن أهم وأخطر تحدياتها مايزال ماثلا أمامنا وهوالبرلمان…فإذا كنا نشعر بالفخر أننا نجحنا في إقرار دستور يعد أفضل الدساتير المصرية علي الإطلاق منذ صدور أول دستور مصري عام1924,وإذا كنا نشعر بالارتياح والزهو أننا نجحنا في انتخاب رئيس جمهورية يلبي تطلعاتنا ويحوز رضاءنا ومؤازرتنا,من المحتم أن نعي أن مايكمل هذه المنظومة هو برلمان قوي متوازن يمتلك القوة والقدرة علي تفعيل معايير الدستور وتحويل مواده إلي تشريعات وقوانين ملموسة تحقق الإصلاح التشريعي المرتقب وتعالج الخلل المعاش في حقوق المصريين,وفي ذلك أيضا يكون هذا البرلمان عونا حقيقيا لرئيس الجمهورية في وضع إرادة المصريين نحو التغيير موضع التنفيذ.
ولا يخدع أحد نفسه,فبدون برلمان قوي متوازن يمكن أن يتعطل تفعيل الدستور ويمكن عرقلة توجهات رئيس الجمهورية وقد تدخل البلاد في مأزق سياسي وتشريعي يعصف بالآمال المعلقة في الإصلاح وفي إنجاز حلم مصر الجديدة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.
لكن لماذا أطرح هذه المخاوف؟…ولماذا أكرر التبصير والتحذير؟…أفعل ذلك أولا لإيقاظ الوعي العام نحو أهمية المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة بالحشد وحسن الاختيار الذي يحقق البرلمان القوي المتوازن…فلن تخلو الخريطة السياسية والساحة الانتخابية من تيارات تعمل علي جر مصر إلي الوراء,وذيول لجماعات تحمل أجندات خفية لإحياء الدولة الدينية,وجيوب باقية تتآمر علي التسلل للبرلمان لإفساد العرس الديمقراطي وعرقلة الإصلاح التشريعي…إذا من المحتم أن نرصد ونعرف من هؤلاء ومن مرشحوهم ولا نسمح بذلك التسلل.
أما الأمر الثاني الواجب التبصير به والتحذير منه فهو المسكوت عنه بشأن مجموعة الأحزاب الدينية التي ماتزال باقية ضمن الخريطة الحزبية…تلك الأحزاب استطاعت في غفلة من الزمن وفي ظل حالة اختطاف مصر التي عاصرناها في الفترة بين ثورتي 25يناير و30يونية أن تحصل علي موافقة اللجنة العليا لشئون الأحزاب بتأسيسها ومباشرة نشاطها وباتت جزءا شرعيا من المنظومة الحزبية نراها ونسمع زعيقها ونتابع استعداداتها للانتخابات البرلمانية المقبلة سواء محاولاتها لتكوين تحالفات تجمعها أو سعيها للتأثير في المواطنين باستمالتهم لتوجهاتها الدينية أو بخداعهم بمعسول البرامج وزيف التوجهات التي وإن كنت أثق أن المصريين تمفطامهم منها ألا أنها قد تخدع البعض أو تستميل البعض الآخر.
ويتساءل الكثيرون:كيف تبقي تلك الأحزاب ذات المرجعيات الدينية والتي ترفع شعارات تأسيس الدولة الدينية في الخريطة الحزبية بعدما تم إقرار دستور عام2013 متضمنا نصا واضحا يحظر تأسيس الأحزاب بناء علي مرجعيات دينية؟….وأعجب ومعي الكثيرون أيضا:أننا منذ إقرار الدستور كنا نتوقع قيام لجنة شئون الأحزاب بإصدار قراراتها بسحب الاعتراف بمجموعة الأحزاب الدينية وتعطيل عملها وفاء لأحكام الدستور -أو علي الأقل دعوتها لتوفيق أوضاعها وتعديل الأسس والمرجعيات الدينية الموجودة في نظامها الأساسي-لكن شيئا من هذا لم تبادر بعمله لجنة شئون الأحزاب…ولا يعتقد أحد أن اللجنة فعلت ذلك مع حزبالحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين,إذ أن تعطيله ومصادرة مقاره وممتلكاته لم يأت من لجنة شئون الأحزاب بل جاء تنفيذا لأحكام القضاء لارتباطه بجماعة إرهابية محظور نشاطها ولم يذكر حتي الآن أن حظر نشاطه كان لكونه مؤسسا علي مرجعية دينية تتعارض مع الدستور!!
إذا هناك أمر غريب يستعصي علي الفهم متروكا ومسكوتا عنه ويهدد بالانفجار عقب الإعلان عن فتح باب الاستعدادات للانتخابات البرلمانية,وهو الصمت المريب للجنة شئون الأحزاب في حسم أمر الأحزاب المصرح لها بالمشاركة في الحياة السياسية-وبالتبعية في الانتخابات البرلمانية-واستبعاد ماتتعارض أحكام تأسيسه منها مع أحكام الدستور.
عندئذ سوف تنطلق الاعتراضات والاحتجاجات والبلاغات المرفوعة للسلطة القضائية أو للجنة العليا للانتخابات البرلمانية للفصل في شرعية هذه الأحزابالدينية وترتبك الساحة السياسية وقد يتعطل مسار الانتخابات نفسها لحين حسم الأمر…كل ذلك ماثل أمامنا الآن-وليس الآن فقط بل منذ إقرار دستور2013-ومع ذلك يتركمسكوتا عنهولا تبادر السلطة لمواجهته وحسمه ولا تستشعر أية ومغبة من جراء ذلك!!
في ظل ذلك اللغط وتلك الغرابة لا أملك إلا استمرار التوعية بخطورة تحدي الانتخابات البرلمانية وحتمية استنفار المصريين للحشد وحسن الاختيار أمام صناديق الانتخاب لأنه إذا كانت الدولة حتي الآن تتقاعس عن تنقية الخريطة الحزبية بما يتوافق مع الدستور فلا مفر من أن نأخذ الأمر بأيدينا ونحول دون تسلل هؤلاء إلي البرلمان.