الأقباط متحدون - إنستجرام instagram!
أخر تحديث ٠٩:٤٧ | السبت ١٨ اكتوبر ٢٠١٤ | بابة ١٧٣١ ش ٨ | العدد ٣٣٥٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

إنستجرام instagram!

مفيد فوزى
مفيد فوزى

خاصية «معينة تعنى بالصور الشخصية والمناسبات لمستخدمى الموبايلات الذكية والكمبيوتر والآى باد»

■ صورة تاريخها ١٥ أكتوبر سنة ١٩٦٤ فى الزمان الناصرى، ملامح وجهى مكسوة بالحزن والأسى، شارد العينين، مكتوم الآهات، أود أن أصرخ وصوتى محبوس، ذلك الصباح تلقيت نبأ «فصلى» من عملى فى الصحافة وفى التليفزيون. كان قرار الفصل «شفويا» من جهة ما لا أعرفها ونفذ القرار «أحمد فؤاد»، رئيس مجلس إدارة روزاليوسف حينذاك، إنه فى صباح ذلك اليوم منعتنى البوابة من الدخول حاولت الاتصال بمكتب أحمد فؤاد وفشلت، حاولت الاتصال بالزميل «عبدالله إمام» لأفهم السبب، ففشلت. إمام كان قريباً من أحمد فؤاد، ولكن كان رحمه الله منحازاً للإدارة أكثر من انحيازه لزملاء المهنة! ومن أكون ليرد على رئيس مجلس الإدارة الذى كان يجتمع أعضاء مجلس قيادة الثورة فى بيته ليكتبوا منشورات ضد السرايا وضد حيدر باشا؟ شعرت بثقل وزنى وسرت على قدمى للزمالك وفى رأسى هذيان. إذا كنت قد كتبت شيئاً أغضب الثورة فكان من الأجدى ألا ينشره رئيس التحرير فتحى غانم، الذى كان يكتب مقالات تحمل اسم «على صبرى»؟ فهل كان «فخا» وقعت فيه؟ لقد كان زمنا كله «ألغاز» وطلاسم! أخذت طوال الطريق أفكر فى مستقبلى ومتى يتبدد ظلام الحيرة؟ لم أجد مخلوقاً ألقى إليه بحمولتى غير صديقى عبدالحليم حافظ، الذى رحت أدق على بابه صباح الخامس عشر من أكتوبر الحزين. لاحظ حليم أنى كنت أشرب «ماء» بكثافة وشراهة، ونصحنى د.يسين عبدالغفار، طبيب عبدالحليم، بأن أذهب لطبيب متخصص فى مرض السكر. وبعد الكشف والتحاليل قرر أن أقضى بقية حياتى فى العلاج بالأنسولين ثلاث جرعات يومياً وليس هناك بالمناسبة أحد فى أسرتى مريض بالسكر حتى يقال إنه وراثة، لأن بعض الناصريين المتشنجين يعزون أسباب إصابتى بالسكر لأسباب وراثية وليست سياسية تتعلق بتكميم أفواه أو الخوف من الهمس. فى اليوم التالى اصطحبنى «حليم» إلى مكتب صلاح نصر، مدير مخابرات عبدالناصر، الذى أفتى بأن الموضوع «لا يدخل فى اختصاصه»، يومها أراد عبدالحليم أن يؤكد وطنيتى فأقسم أمام صلاح نصر «بعبع ذلك الزمان» أن مفيد فوزى لو كان يحرض ضد الثورة، «فهو يفعل هذا فى بيتى ومستعد أوقع على هذا الاعتراف»، هكذا كانت رجولة الأصدقاء، قضيت عاماً ونصف العام فى بيتى لا أكتب وربما كان الاعتقال أهون من الحرمان من الكتابة، ذات صباح تلقيت مكالمة من نوال المحلاوى، مديرة مكتب الأستاذ هيكل، تبلغنى بالمجىء للأهرام لمقابلته. وأبلغنى الأستاذ بإنهاء «حالة التجمد» والعودة للعمل بعد موافقة الرئيس، ما جرى كان «شدة ودن» قاسية وسر الأزمة مقال نشرته يكشف «غفلة» وزير الزراعة بأنه لم يكن يزور قرية صان الحجر، بل زار ديكوراً مرتباً مفبركاً نقلته سيارات الاتحاد الاشتراكى وكان عندى أرقامها وأسماء سائقيها، وكنت أنوى نشرها فى زمن «الديمقراطية!!» وبسبب رفع الستار عن هذه المسرحية الهزلية، كانت العقوبة.

■ صورة تاريخها ٩ يونيو سنة ١٩٧١ كنت مدعواً ــ كصحفى ــ مع زميلى الرسام رجائى للسفر إلى اليابان وعشنا هناك الحياة اليابانية، لبسنا الكيمونو وأكلنا السمك النيئ وانكسرت ظهورنا من فرط الانحناءات، صباح مساء. ويوم ميلادى اقترحت على الرسام رجائى أن نطير إلى هونج كونج ونكتشف هذا العالم المثير، لكن رجائى الذى وقع فى حب اليابان رفض الاقتراح وقال «انزل مصر على طول وأنا حادور على شغل» قلت له متوسلاً «لقد رأينا حياة الصينيين من خلال أفلام أمريكية، تعال نرى الواقع الصينى» واقتنع رجائى الذى كانت نقطة ضعفه «الاكتشاف»، اكتشاف مكان أو امرأة أو حياة فنان، وذهبت لمكتب مصر للطيران لأحجز مقعدين لهونج كونج وأبلغنى مدير المكتب أنه «قفل» أى أغلق باب الحجز، فتوسلت إليه وربما خانتنى دموعى أمامه ففتح المكتب وتم الحجز، أتذكر عندما غادرنا طوكيو أن لوحنا بيدنا من وراء زجاج النافذة وهمسنا بشجن «سيوفارا»، أى وداعاً باللغة اليابانية.

مازلت أتذكر المضيفة الجميلة الممشوقة «عايدة خالد» وهى تقدم لنا الإفطار وكوب شاى، ولست أدرى لماذا قالت لنا إن أصعب مطار فى العالم هو مطار هونج كونج، وإن الإقلاع منه «بياخد وقت»، وصلنا هونج كونج وتكاد عيوننا أن تقفز من مآقيها لترى المدينة الصينية الأعجوبة بحواريها الضيقة وأسوارها الغريبة. دخلنا الفندق المتواضع وحين كنا نستعد للخروج دق باب غرفتى رجل أسمر البشرة، حاد النظرات وفهمنا من لهجته أنه مصرى، عرف بمحل إقامتنا بحكم عمله ثم احتضننا بحميمية زائدة فى مشهد سينمائى، أثار فضولنا. ولعله قرأ على وجوهنا الدهشة، ثم قدم لنا نفسه حتى لا تطول الدهشة أنا عبدالمنعم النجار، القنصل العام لمصر فى هونج كونج. قلنا بصوت منخفض «أهلاً سعادة السفير» لكننا لسنا ضيوفاً رسميين ليأتى القنصل بنفسه إلى فندقنا شديد التواضع. بعد قليل تكلم عبدالمنعم النجار وقال «حمد الله على سلامتكم» فقلنا فى صوت واحد «الله يسلمك»، استطرد يقول «الطيارة اللى كنتوا فيها من ساعة اصطدمت بجبل بعد إقلاعها من مطار هونج كونج وتحطمت ومازالت النيران مشتعلة وهناك محاولة لإطفائها»، وصمت برهة ليقول «والناجون اثنان صحفى ورسام» نزل كلام القنصل كحجارة المقطم فوق رؤوسنا. وطافت خيالات صور خاطفة لعايدة خالد المضيفة وأسرة أمريكية وطفليها التوأم كيف راح فى ثانية كل هذا؟ أصابنا صمت عميق وحزن أعمق، وتصورت لو كنا قررنا السفر فوراً للقاهرة لكنا فى عداد الضحايا. نقلنا النجار، قنصلنا العام، لنبيت فى بيت مدير مكتب الطيران ٣٣ يوماً حتى أعيد فتح الخط «القاهرة ــ طوكيو»، وجاء كابتن شمس، أشهر طيارى مصر، وخلال الرحلة لم تغفل لنا عين، أملك أن أقول إن ابتسامة الرضا فى صورتى تعنى أن الله كتب لى «عيد ميلاد جديد».

■ صورة تاريخها ٩ مايو سنة ١٩٩١ كنا رؤساء تحرير فى الطائرة الرئاسية إلى المغرب. مكرم محمد أحمد وإبراهيم نافع وإبراهيم سعدة وسمير رجب ومحفوظ الأنصارى وصلاح منتصر وجمال بدوى.. وأنا. كان مبارك «الذى سيدخل التاريخ من بابه العسكرى» بالتى شيرت فى حجرته على الطائرة، وعندما أتأمل الصورة، أتذكر إبراهيم نافع «الذى أنكره الجميع قبل صياح الديك»، أتذكر مكرم محمد أحمد «صاحب أخفض صوت حين يسأل وصاحب عقل حين يتحرى»، أتذكر محفوظ الأنصارى «اللماح الذى لا يتورط فى معارك ويحتفظ بملابسه بعيداً عن التراب»، أتذكر سمير رجب «الذى رسم لوحة حياته بسلسلة معارك صحفية دخلها طوال مشواره»، أتذكر جمال بدوى «الصوت المعارض والعقل الراجح الذى هزنى الاعتداء عليه بسبب رأى كتبه فى الوفد»، وأتذكر إبراهيم سعدة الذى كان يحلو لمبارك أن يناديه «يا مستر». وقد حدث فى الرحلة أن طلب منى زكريا عزمى دخول البهو الذى كان مقر إقامة الرئيس، فلما دخلت وجدت إبراهيم سعدة جالساً، فما كدت أصافح الرئيس حتى قال لى «انت مزعل إبراهيم سعدة ليه؟» فقلت على الفور: إن زميلى محمد تبارك نقل لى غضب إبراهيم سعدة، وأنا أتحمل مسؤولية عدم قراءتى خبراً عن الفاضلة ابنته نيفين سعدة فى باب «المخبر المجهول»، وهو باب اجتماعى يتحرى حياة النجوم والمشاهير وفات على المراجعة وأنا أعتذر له أمامك يا ريس. وابتسم إبراهيم سعدة ودلالة الابتسامة قبول الاعتذار وتصافحنا. إبراهيم سعدة، كاتب من طراز خاص، وقادر على تثبيت العيون والعقول على مقالاته، ومقال سعدة «يضرب فى العمق ولا يجرح»، وعندما كان يكتب الباب الشهير فى أخبار اليوم بتوقيع أنور وجدى كان مقروءاً بشغف. وسعدة يملك جرأة نادرة رغم أنه على المستوى الشخصى شديد الخجل، وكان يكتب فى الأخبار «آخر عمود» ومازلت أذكر دفاع إبراهيم سعدة عن د. مجدى يعقوب وصرحه الطبى والتعليمى، يوم هاجمه «الغشم»، مفردها غشيم، وذلك لتحمس سوزان مبارك لمشروعه «الإنسانى» وساندته. وفى عمود سعدة معلومات غزيرة تطوف بك الكرة الأرضية. حين دعاه «ياسر رزق» للكتابة فى الأخبار فرحت بعودة «قلم قدير ومتمكن» وكتب إبراهيم سعدة مقالاً أو اثنين وعاد إلى خندقه البعيد فى سويسرا وإن لم تغب مصر عن باله ثانية واحدة.

■ صورة تاريخها ١٤ أغسطس ٢٠١٤ السيسى فى خطاب عام للمصريين «عبدالناصر كان محظوظاً كان يتكلم والإعلام معاه» وجلست وحدى أفكر فى العبارة البليغة ومغزاها، واكتشفت أن الفن وبالذات الأغانى والشعبيات والفولكلوريات كلها «زرعت» الزعيم عبدالناصر فى وجدان المصريين. والمصريون هم الذين غفروا له عار النكسة، وغفروا سقوط الوحدة مع سوريا، وغفروا اعتقال محمد نجيب، طوال العمر حتى مات، وغفروا له دخولنا حرب اليمن وغفروا له موت عبدالحكيم عامر الغامض، وغفروا له دولة المخابرات، التى جالت وصالت، نعم سامحوه يوم تنحى وخرجوا فى الشوارع يصل صراخهم إلى عنان السماء وأعادوه إلى مقعده، كانوا قد جردوه من بشريته وأسطوريته كإنسان وكأنهم «يسامحون به الزمن»، كان الوجدان المصرى يستدعيه كلما توجع، كان يستنسخه وهو يفتش بين رجالات مصر باحثاً عن رمز قوى، كان يستحضر صوته وبريق عينيه وصرخته الشهيرة فى المنشية «كلنا عبدالناصر». رفعوه إلى مرحلة الحلم وصاغوه «فكرة» كأنها الوشم الذى لا يمحى، ارتفعوا به من الأرض إلى مقام «النبوة» وربما إلى حد «الوثنية».

نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع