الأقباط متحدون - السيسى والمُصالحة الوطنية
أخر تحديث ١١:٣١ | السبت ١٨ اكتوبر ٢٠١٤ | بابة ١٧٣١ ش ٨ | العدد ٣٣٥٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

السيسى والمُصالحة الوطنية

د. سعد الدين إبراهيم
د. سعد الدين إبراهيم

حسناً فعل الرئيس عبدالفتاح السيسى، حينما صرّح خلال زيارته للولايات المتحدة، أن جميع المصريين مدعوون للمُشاركة وإعادة بناء مصر الجديدة، بما فى ذلك الإخوان المسلمين، شريطة أن يتوقفوا عن المُمارسات الإرهابية، وبعد أن يعتذروا للشعب المصرى عن السالف من سلوكياتهم التى أساءوا بها للمجتمع والدولة.

وقد اعتبر كثير من المُراقبين المُحايدين هذه التصريحات مؤشراً إيجابياً لثقة الرئيس بنفسه، وثقته بشعبه، الذى فاض عليه بتأييد غير مسبوق، فى تاريخ مصر الحديث ـ أى خلال المائتى سنة الأخيرة.

صحيح أن الرأى العام المصرى، ربما لا يكون مُجمعاً، على الترحيب بهذه المُبادرة التصالحية، وخاصة مع الإخوان المسلمين، الذين أصبح الشعب يبغضهم أكثر من بغض النظام لهم، ولأول مرة، خلال العقود السبعة الأخيرة، التى هى كل عُمر الإخوان (١٩٢٨-٢٠١٤) وربما كان مفيداً أن يقوم الباحثون بتحليل وتفسير هذا البغض الشعبى المُستحدث!

فحينما أنشأ حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين، فى الإسماعيلية، عام ١٩٢٨، اختار لها هدفاً بسيطاً وواضحاً، وهو العودة بالمسلمين إلى صحيح الإسلام، بتطبيق شرع الله، وبذلك يؤسّسون لمجتمع مسلم قوى وعادل، أسوة بدولة الخِلافة الراشدة، فى صدر الإسلام (القرن الأول الهجرى).

وقد أضفى الإخوان، بل وكثير من المؤرخين المسلمين، على هذه الحقبة (صدر الإسلام) مثالية مُبالغاً فيها، جعلت قلوب وعقول الأجيال المُتعاقبة من المسلمين، وخاصة الشباب، تحلم باستعادة تلك الحقبة، التى أصبحت فى الخيال الشعبى للمسلمين بمثابة الفردوس المفقود. وهذا ما يُفسر جاذبية الدعوات الإحيائية عموماً، ودعوة الإخوان المسلمين والسلفيين خصوصاً، لكثير من الشباب لاستعادة ذلك الفردوس الموعود.

طبعاً، كان لغياب المنهج النقدى فى دراستنا للتاريخ الإسلامى، دور سلبى فى هذا الصدد. من ذلك أنه نادراً، ما يُقال للتلاميذ، أن ثلاثة من الخُلفاء الراشدين الأربعة (عُمر ـ وعُثمان ـ وعلى) ماتوا قتلاً، وبأيدى مسلمين آخرين، من الجيل الأول الذى اعتنق الإسلام على يد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم). بل إن أكثر من نصف بقية الخُلفاء، إلى نهاية القرن الثامن عشر، ماتوا قتلاً أيضاً. فإلى العصور الحديثة، لم يعرف المسلمون التقاليد المؤسسية لانتقال السُلطة سِلمياً.

لذلك كان مشهداً نادراً فى حياة المصريين، أن يتسلّم الرئيس السابق عدلى منصور رئاسة الجمهورية سِلمياً، بوصفه رئيس المحكمة الدستورية العُليا، ثم تسلميه السُلطة سِلمياً، أيضاً، للرئيس المُنتخب، عبدالفتاح السيسى. وهكذا، لأول مرة فى تاريخ مصر الحديث يكون لدينا رئيس سابق، ورئيس فى السُلطة، وكلاهما حى يُرزق.

ولأن الرئيس الحالى، عبدالفتاح السيسى، قد تم انتخابه بأغلبية جارفة، تجاوزت التسعين فى المائة، وقد استمرت هذه الشعبية الجارفة، حتى بعد أن اتخذ قرارات صعبة، مثل إلغاء الدعم أو تخفيضه على بعض السلع الأساسية، فإنه الوحيد القادر على اتخاذ قرار جرىء، مثل الذى نقترحه هنا، وهو المُصالحة مع الإخوان المسلمين، ومع فلول النظام الأسبق للرئيس محمد حسنى مبارك.

وليست هذه المُصالحة بِدعة. فلدينا سابقتان تاريخيتان شهيرتان. الأولى فى عهد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، حينما عاد إلى مكة فاتحاً مُنتصراً، وعفوه عن المشركين الذين سبق لهم تعذيبه وتعذيب المسلمين الأوائل. لقد كان عفواً عند المقدرة. وكان حقاً سلوك الرسول ذلك سلوك زعيم، ورجل دولة، يُريد أن يُشيّد نظاماً إسلامياً جديداً.

أما السابقة الأخرى، فهى للزعيم الأفريقى الأسطورى نيلسون مانديلا. فرغم سجنه سبعة وعشرين عاماً، على يد نظام عُنصرى بغيض ضد الأغلبية السوداء من السُكان الأصليين لجنوب أفريقيا. ومرة أخرى كان سلوك نيلسون مانديلا، نموذجاً للعفو عند المقدرة. فقد كان فى إمكانه الانتقام من أركان النظام العُنصرى الأبيض. ولكنه لم يفعل. وبدلاً من الانتقام أعلن فتح صفحة جديدة مع جلاديه السابقين، فى مُبادرة فريدة، أطلق عليها «الإنصاف والمُصالحة» (Truth and reconciliation).

صحيح أن الإخوان المسلمين ارتكبوا كثيراً من الآثام فى حق الشعب المصرى، الذى كانت أكثريته قد أعطتهم ثقتها، وأوصلتهم إلى السُلطة (٢٠١٢) ولكنهم لم يكونوا أهلاً لتلك الثقة، مما دفع أغلبية الشعب للانتفاض ضد حُكمهم وإزاحتهم من السُلطة، بمساعدة جيش مصر الوطنى.

ولكن الصحيح أيضاً، أن الإخوان المسلمين الذين أقسموا يمين البيعة لمُرشدهم، يصل عددهم إلى سبعمائة ألف (٧٠٠.٠٠٠). وربما مع عائلاتهم وأصدقائهم، يصلون إلى عشرة ملايين. ولا يُعقل أن نسجن أو نقتل، أو نتجاهل عشرة ملايين مصرى من المُتعاطفين مع الإخوان المسلمين.

والصحيح أيضاً أن هناك عدداً أكبر من أعضاء الحزب الوطنى السابق الذين دأبنا على تسميتهم بالفلول. وهنا يجوز، بل يجب على الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يُصدر عفواً عاماً عن كل من أعضاء الحزب الوطنى وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين. ودستورنا الحالى، يُعطى الرئيس هذا الحق.

نعم، نُريد لمصر كلها، وللمصريين جميعاً، أن يبدأوا صفحة جديدة لبناء مصر قوية قادرة صافحة عن كل أبنائها. نُريد لمصر أن تكون دولة نموذجاً، فى وطنها العربى وفى قارتها الإفريقية.

وعلى الله قصد السبيل.

semibrahim@gmail.com

نقلا عن المصري اليوم
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع