بقلم مكاوى سعيد | الجمعة ١٧ اكتوبر ٢٠١٤ -
٠٢:
٠٥ م +02:00 EET
صورة تعبيرية
بقلم مكاوى سعيد
لا أتذكر متى بدأت أنتبه لهما بقدر ما أذكر أن الذى لفت نظرى إليهما ظهورهما المعدنى لا البشرى، فقد كانا يقبلان تجاهنا فى توقيت محدد وهما يقودان سيارتين فخمتين متتابعتين؛ السيارة الأولى ذات الحجم الكبير تقودها سيدة شقراء جميلة ترتدى على الدوام «بدلات» نسائية أنيقة بطرز وألوان مختلفة،
أما السيارة التى تتبعها وتكاد تلاصقها فهى أقل حجمًا لكنها مميزة أيضًا، ويقودها رجل أنيق يكبر السيدة ببضع سنوات، ويسير دائمًا وحقيبة جلدية فاخرة معلقة على كتفه اليسرى. وكانا يدخلان بسيارتيهما الجراج المجاور ثم يخرجان مترجلين معًا، يسيران متجاورين وهما يتحدثان، السيدة تسير على اليمين
فى محاذاة الرصيف، والرجل على يسارها لا تفلتها عيناه كى يجنبها الأخطار، فإذا ما تعثرت فى طوبة صغيرة بالطريق، سندها بسرعة، وإذا ما اقتربت سيارة من حيز الرجل وهو غير منتبه جذبته الرفيقة من ذراعه فى لمح البصر وأبعدته عنها، ولا تسترد رباطة جأشها إلا بزوال الخطر.
عندما علمت أنهما زوجان ويعملان فى مؤسسة واحدة، اندهشت فى البداية، ولعلِّى تضايقت لحرص كل منهما على ركوب سيارته الخاصة مستقلاً عن الآخر، والإصرار فى السير بطريقة الموكب ذهابًا وإيابًا من البيت إلى مقر العمل، ثم ارتكنت إلى أن لكل منهما منطقه الخاص، الذى ربما لو عرفناه لعذرناهما.
وبعد فترة زمنية كبيرة، لم أعد أرى طلتهما المعدنية إلا فيما ندر، وبدأت أراهما يسيران مشيا على الأقدام كثيرا، وفيما عدا ذلك كانا يستقلان سيارة واحدة يقودانها بالتبادل، وعلمت أنهما تقاعدا من الذين يعرفونهما ومن مشيتهما التى تباطأت عما قبل، ولم يتبدل حوارهما المشترك، ومن أن السيدة هى التى على الأغلب تتكلم والرجل ينصت باهتمام شديد.. وهما لا يضحكان كثيرا، وإن حدث ذلك، فيتم سريعًا وبصوت مكتوم كأنها ابتسامة طالت.
واختفيا فجأة لفترة طويلة جدًا، لكنى بحمد الله عدت أراهما مجددا.. المشية صارت أبطأ كثيرًا، والمسافة التى كانت متسعة فى شبابهما ضاقت جدا.. بل تكاد تكون اختفت، وإذا مالا طبقاً لحسابات الطريق يتمايلان يمينًا ويسارًا بتؤدة وبتشابك ودود، ويبدو جسداهما على مبعدة كأنه جسد واحد، بالضبط كشجر التين البنغالى الذى مازال موجودا على كورنيش النيل.. ذلك الشجر الضخم الذى يتكون أحيانًا من شجرتين متجاورتين ثم يصبح عضوًا واحدًا.. وكنا ونحن صغار نلعب ونأكل ونستريح ونختبئ أيضا فى فجواته.
وفى أحد الأيام القليلة التى مضت، تصادف أننى قابلت صديقة عزيزة كانت متزوجة من أحد أصدقائى، وتفرقت بنا السبل ولم أعد أسمع عنهما شيئا.. ولأنى شهدت بدايات حبهما العارم.. والعقبات التى انتصرا عليها حتى تزوجا.. والتضحيات التى تكبداها حتى ترضى أسرتاهما عن هذه الزيجة، وكيف غششت الحبيبة حبيبها كل ما ترغب أسرتها فى سماعه من المتقدم إليها حتى ترضى عنه، وكيف أخبرها بكل الأفعال التى ترضى أمه وتجعلها متلهفة على إتمام الزيجة بسرعة، لذا بمجرد ما عرفت مصير هذا الارتباط الجميل تكدرت، فقد ساءنى ما حدث، وبان على وجهى التأثر، وحاولت معرفة أسباب هذا الانفصال، لكن الصديقة لم تقل غير جملة واحدة، إنه خان العهد الذى بيننا!!
راودتنى الأفكار السيئة المستقاة من مسلسلات التليفزيون التى هيمنت على عقولنا.. ويبدو أنها لاحظت ذلك إلا أنها تداركت الأمر بسرعة، وقالت إنها اتفقت معه قبيل الزفاف على أن يعدها أن يكبرا ويشيخا معا.. لكنه خان العهد وتركها تمضى شيخوختها بمفردها.
لحظتها تذكرت الزوجين عابرى الطريق اللذين تحولا إلى شجرة تين بنغالى.
نقلآ عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع