علي سالم
أصيب الكثيرون منا بصدمة كبرى لمعرفة أن عددا كبيرا من الشباب الأوروبي الأميركي سافروا إلى الشرق الأوسط ليلتحقوا بقوات «داعش» ليذبحوا ويغتصبوا وينهبوا ويفتكوا ببقية عباد الله من كل الأديان والمذاهب والطوائف والجنسيات. كانت الصدمة وبخاصة لجيلي ناتجة عن تشبعنا لعشرات السنين بفكرة أن أوروبا هي جنة العقل التي بناها الإنسان على الأرض
إنها أوروبا التي تمثل سقف العقل البشرى في مجال الحرية والثقافة.. أوروبا الوريث المباشر للحضارة اليونانية القديمة، أية أوروبا التي يتكلمون عنها؟ هل هي تلك التي سافر إليها طه حسين ورفاعة رافع الطهطاوي وكل من طلب المعرفة والعلم والرفعة؟ هؤلاء الشبان والشابات الذين تركوا أوروبا ليلتحقوا بـ«داعش» هل جاءوا حقا من أوروبا التي نعرفها، والتي يموت بعض مواطنينا غرقا في طريقهم للوصول إليها في هجرة غير شرعية؟
هل هي أوروبا التي حلمت في طفولتي بأن أراها وأن أمشي في شوارعها؟ أم هي أوروبا أخرى تقوم بتصدير الضائعين إلى أماكن المذابح؟.
الواقع أنها نفس الأوروبا التي حلمت برؤيتها. غير أنه بقليل من التأمل ستخف آثار الصدمة وتبدأ في التفكير في أنه ليس كل من يعيش في أوروبا أوروبيا. أن تولد هناك أو تهاجر إلى هناك وتحصل على جنسية الدولة التي وصلت إليها
فذلك لا يعني أن لك عقلا وقلبا أوروبيين. أوروبا هي الإطار الذي تحيا بداخله، أما أنت فمكانك الطبيعي هو أرض المذابح والضياع.. اتفضل حضرتك شد الرحال إلى هناك، ولا تنس قبل سفرك أن تترك رسالة لأهلك تقول فيها إنك ذاهب للدفاع عن الإسلام بينما الحقيقة التي تحاول الهرب منها فهو أن حضرتك ذاهب للالتحاق بـ«جاعش» جماعة إخوان الشيطان.
أما الآن فأنا أطلب منك يا عزيزي القارئ أن تربط حزام المقعد لأنني سأطير بك محلقا في عالم الخيال لكي أكمل لك تفسيري لهذه الظاهرة، مع التذكير بأن الخيال هو الوسيلة الوحيدة لشرح الواقع بشكل أفضل.
افترض على سبيل الخيال أنه ظهرت في أوروبا جماعة جديدة تسمى نفسها «جاعش» وبثت بيانها الأول على الشبكة العنكبوتية والبيان يقول: «نحن جماعة جديدة قديمة، ونحن لا نكذب أو ننافق لأننا أقوياء وقادرون على مصارحة الناس في مشارق الأرض ومغاربها بأننا نعترف بالشيطان زعيما ونعترف بأننا سندافع عنه بكل قوة وإخلاص، أليس هو أقوى المخلوقات على الأرض ألا تكفي هذه الصفة لكسب احترامنا وتبجيلنا؟
وليكن موقفنا واضحا، نحن لا نعبد الشيطان، وهدفنا من الالتحاق بمعسكره في نهاية الأمر هو تحقيق الخير الأسمى، لا بد أن نمارس الشر بكل ما نملك من قوى لكي نقضي عليه. بعدها نبدأ في الاستمتاع بالخير الأسمى. يا شباب العالم الضائع الذي يضيع نفسه أكثر وأكثر بالبعد عن الشيطان، أيها العاجزون عن إتقان عمل ما، أيها الكسالى الضائعون، أيها الغاضبون الساخطون الكارهون لكل الناس وكل شيء، التحقوا بنا لممارسة ما تتوقون إليه وهو الشر، تنظيم (جاعش) سيجعل منكم أشرارا ممتازين وذلك للوصول بعد ذلك للخير الأسمى».
تستطيع أن تفك حزام المقعد الآن وتذهب للكافتيريا لتتناول قدحا من الشاي أو القهوة.. كل ما أطلبه منك أن تكون جالسا هنا على مقعدك بإذن الله، في صباح بعد الغد لنواصل معا رحلة الخيال مع تنظيم «جاعش».
نقلآ عن الشرق الاوسط