بقلم: د.ماجد عزت إسرائيل
ترجع الجذور التاريخية للجالية الأرمنية في مصر إلى عصر الأسرات المصرية القديمة ثم تزايدت ـ إلى حد ماـ خلال الحكم البيزنطى(527-640م)،ولكن،بدأ الأرمن يظهرون نسبيا خلال الفتح الإسلامى، وبالتحديد إبان الحكم الفاطمى(969-1117م) حيث كانت لهم جالية تتمتع بكامل الحريات الدينية والثقافية والتجارية،وازدادات أعدادهم فى ذات الفترة بعد خضوع فلسطين وسورية للحكم الفاطمى،نتيجة لهروب العديد من الأرمن إلى مصر أمام زحف السلاجقة نحو الغرب خلال النصف الثانى من القرن الحادى عشر الميلادى.ويذهب المؤرخون إلى أن بدر الجمالى الأرمنى حينما تولى أمور البلاد المصرية،قد بدأ عصر الوزراء العظام أو وزراء السيوف ووزراء التفويض،بعد أن كانوا وزراء تنفيذ،وأصبح السلطان الفعلى منذ ذلك الوقت فى أيديهم وتوارى الخلفاء فى الظلال،وكان غالبية هؤلاء الوزراء من الأرمن الذين قاموا بدور كبير فى الدولة الفاطمية،لدرجة أنه أطلق على النصف الثانى من القرن الحادى عشر الميلادى بـ"العهد الأرمنى".
على أية حال،بعد زوال الحكم الفاطمى على يد صلاح الدين الأيوبى(1171-1193م) أدرك الأرمن استحالة مواصلة نشاطهم فى مصر،فهاجرات أعداد كبيرة منهم إلى مدينة القدس سنة 1172م، وزاد من عددها العداء التقليدي بين الأكراد والأرمن، وطرد الأكراد بطريركهم والرهبان من دير البساتين وصحبهم أتباعهم، وانعكس ذلك على الجالية الأرمنية فى مصر بتناقص عددها.وفى العصر المملوكى(1250-1517م) تعرضت مدينة قيليقية(أرمينية الصغرى) لحملات حربية أنتهت بسقوطها نهائياً فى عام 1375م،وأدى ذلك إلى زيادة عدد الأرمن بسبب الأسري الذين جىء بهم من ذات المدينة،وقد استغلوا هؤلاء فضلاً عن الأرمن الرقيق فى أعمال الزراعة والصناعة.
وفى بدابة العصر العثمانى(1517-1789م) قل عدد الأرمن الوافدين إلى مصر ،ولكن سرعان ما تزايد عددهم تدريجيا،ولم ينتشروا فى كافة أنحاء البلاد،بل استقروا فى مناطق معينة،وكانت مدينة القاهرة من أكبر المناطق التى استوعبتهم،ومن أشهر المناطق لتركزهم درب الأرمن والموسكى وخان الخليلى والقلعة وباب الشعرية حيث امتلكوا العديد من المحلات والوكالات التجارية.ولكن مع مجىء الحملة الفرنسية إلى مصر(1798-1801م) تعرضت الجالية الأرمينية لخسائر فادحة،نتيجة لتكليف الفرنيسيين لأقباط مصر القيام بمهام الأرمن، وإلغائهم امتيازاتهم التجارية،مما أدى إلى تناقص عددهم.
ومع تولى محمد علي حكم مصر (1805-1848) شهدت البلاد وفودا واسع النطاق للأرمن إلى مصر، حيث استعان بهم محمد علي في وظائف حكومته لأنهم كانوا أكثر معرفة باللغات وأمور الصيرفة والنظم الأوروبية من المصريين في ذلك الوقت، ومع تولى الخديو إسماعيل حكم مصر(1863-1879م) بلغ عددهم نحو 10.000 نسمة، وتفوقوا فى تجارة التجزئة، واحتلت عائلة بوغوص مكاناً بارزاً فى الإدارة والسياسة المصرية طوال القرن التاسع عشر، فكانت نظارة الخارجية احتكاراً أرمنياًإلا أن تحرير التجارة وتغلغل رأس المال الأوروبى وجهاً لهم ضربة قاضية؛ إذ كانوا يفيدون من نظام الاحتكار.
على أية حال، جاءت إلى مصر هجرات أرمينية وخاصة بعد المذابح التي تعرض لها الأرمن على يد الأتراك (1894 – 1896م) والتي نجم عنها هلاك نحو (100 - 150) ألفاً، إما نتيجة مباشرة للقتل أو نتيجة للجوع والتشريد والبرد والمرض، كما هاجر آلاف الأرمن إلى البلاد العربية، وكانت مصرمن أهم المدن التي استقروا بها،ولم ينس الأرمن الموقف النبيل للعرب تجاه اللاجئين أثناء مأساتهم الكبرى،ومع قيام الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)،كان الأرمن قد جابوا جميع مدن مصر،وطوال تاريخهم بمصر فضلوا التعامل مع بنى جنسهم.