فى خبطة من خبطات سوء الحظ أوقعنى الروموت كنترول فى حوار فضائى فى قناة يفترض أنها محترمة. الحوار يجرى بين محاور جاهل وبين جهول استراتيجى والموضوع «أمريكا وداعش» تهكم الاثنان على القول بأن أمريكا لا تريد تدمير داعش تماما وإنما إضعافها ومجرد عقابها ثم تركها كأداة لتمزيق العراق وسوريا وكرأس حربة لترويع دول الخليج والسعودية. وفيما كان الجهول الاستراتيجى يؤكد أن أمريكا ستقضى على داعش وهى لا تريد تمزيق دول المنطقة إلى دويلات متناحرة وإنما تريد دولا موحدة لتضمن لها تدفق البترول.
كان الجاهل الفضائى يهز رأسه مؤيدا. كل هذه الجهالة لم تر ولا تزال لا ترى أن العراق على وشك التقسيم وكذلك سوريا، وأن السودان قسم فعلا وكذلك ليبيا واليمن والصومال بفعل وتدبير أمريكا وأوروبا. وأن الصراعات فيها تلتهب على أساس دينى- مذهبى- جهوى- عرقى- معتقدى، وأن أمريكا وأوروبا تمدان الجميع بالدعم والهدف ليس البترول وحده وإنما لوبى الصناعات العسكرية يستخدم الصراعات والتفتيت لبيع الأسلحة للجميع وتجريب الأسلحة ضد الجميع. أما مع من تقف أمريكا فى هذه الصراعات، فالإجابة مع الجميع، تمزق الجميع وتدفع الجميع للصراع معا وتدفع للجميع مالا وسلاحا ودعما وتستخدم الجميع وتنهب ثروات الجميع.. وذلك مخطط قديم وللأسف نجح فى أماكن عدة، ولم يزل فاشلا فى أماكن أخرى. وتبقى مصر بثورتيها وصمودها ووحدة جيشها وشعبها شوكة فى القلب الأمريكى مستعصية على الانكسار وتبقى قادرة على مواجهة الإرهاب المتأسلم ورافضة لأى تصالح معه. وتلتوى المؤامرة، تتلون وتأتى عبر أكثر من مصدر لكن مصر تبقى مستعصية وصامدة وناهضة نحو نمو وتقدم ومستقبل. وعبر تأملى لحوارالجاهل والجهول تذكرت واقعة مهمة فمنذ عام تلقيت دعوة لزيارة بنجلاديش لحضور العيد الأربعين للاستقلال. وكان اختيارى لأننى حضرت العيد الأول للاستقلال وكان حضورى لأننى شاركت عبر المجلس المصرى للسلام فى حملة مساندة للثورة تسببت لى فى التعرض لغضب السادات غضبا شديدا، وكانت الزيارة الأولى بداية لصداقة حميمة وممتدة مع مجيب الرحمن قائد الثورة والأب الروحى للوطن ولبيت الدعوة الجديدة حيث تلقيت وساما كصديق للأب المؤسس وكمساند للثورة. وفى اليوم الأخير كان حفل وداع، وعلى المائدة الرئيسية جلست إلى جوار السفير الأمريكى وكان مترفعا مشمئزا من الجميع فتجاهلته وتحدثت إلى جارى الآخر وهو قائد لأحد الأحزاب الرئيسية، ومع سؤال عن أوضاع مصر تحدثت طويلا وتعمدت أن أرفع صوتى ليصل إلى هذا المترفع وتدافعت هجماتى على السياسة الأمريكية وعلى مساندتها «الغبية» للإخوان، وهنا نطق السفير وسأل «لماذا أتيت من بلدكم؟» فقلت ضاحكا لأهاجم أمريكا وضحك الجميع وتطوعت وزيرة الخارجية وهى شعلة من الذكاء والنشاط فحكت عن صداقى مع مجيب الرحمن.. وقرر السفير أن يعاقبنى فبدأ بحديث مترفع.. «أنتم فى دول العالم الثالث لا يمكن الثقة بكم، فعبدالناصر تملقنا وتمسح بنا حتى تمكن فتمرد فتغيرت بعدها سياستنا نحوكم والحل هو أن تلغى هذه الحدود المصطنعة لدول مصطنعة وتتفكك إلى دويلات. ويمضى الحوار وأنا أستثنى مصر فهى كتلة أبدية التماسك وسألته ومع من ستقفون من هذا الفتات؟ فقال بكبرياء مع الجميع سوف يتصارعون فنعطى للجميع، فقاطعته ثم تنهبون ثروات الجميع فعادت المائدة للضحك ونهضت وزيرة الخارجية لتنهى النقاش قبل تحوله إلى مشاجرة وقالت سنبدأ ببعض كلمات للضيوف وسحبتنى من يدى أنت أول المتحدثين، وتحدثت لأكمل هجومى على أمريكا وسياستها ومحاولات لتمزيق بلاد منطقتنا، والآن هل يفهم الجاهل والجهول حقيقة المعركة؟
نقلا عن المصري اليوم