الأقباط متحدون - ثقافة الخلط بين الدين والسياسة
أخر تحديث ١٣:٢٢ | السبت ١١ اكتوبر ٢٠١٤ | بابة ١٧٣١ ش ١ | العدد ٣٣٥١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ثقافة الخلط بين الدين والسياسة

بقلم - فاروق عطية
‏    في هذه الأيام العوج التي اختلط فيها الحابل بالنابل, تداخلت المفاهيم عند أصحاب الأيديولوجيات المتباينة. نسمع عن أحزاب ديموقراطية ذات مرجعية دينية وأحزاب ليبرالية بمفاهيم دينية لا تمانع من تطبيق الشريعة, وأحزاب ديبية سلفية رجعية تدعي الديموقرتطية حتي تصل إلي كرسي الحكم وبعدها إنسي, وأصبح الخلط بين الدين والسياية سمة هذا العصر المتقلب المزاج ومفروضا علي مساجلات ومناقشات ومحاورات الساحة الثقافية العربية والعالمية‏ خاصة فى الأعوام الأخيرة التى شهدت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها من غزو أفغانستان والعراق

وسقوط الكثير من دول العالم العربي والإسلامى بين مطرقة الغزو الأمريكي العسكري والثقافي وسندال الجماعات الدينية المتطرفة بشقيها المسلح وغير المسلح. وتفتق ذهن ساسة دولنا عن حل أكروباتى للصراع مع هذه الجماعات ألا وهو الالتفاف حولها ومهادنتها والسعي الي نفاقها واسترضائها بالمزيد من التنازلات والتحالفات والاستمالات ولكن هذه الحلول العقيمة لم تفلح في اتقاء شر تلك الجماعات التي توالدت وتكاثرت تحت أسماء عديدة آخرها داعش الرهيبة, وأصبحت بمثابة شوكة في ظهر تلك الأنظمة الديكتاتورية الهشة.‏

وصارت الأيديولوجيات في بلادنا سمك لبن تمر هتدي لدرجة عدم القدرة علي التفريق بين ما هو سياسي وما هو ديني. لهذا آثرت في هذا المقال أن ألقي يصيص من الضوء للتفرقة بين السياسة والدين.

   وتعني السياسة اصطلاحا رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وتعرف إجرائيا حسب (هارولد لازول) بأنها دراسة السلطة التي تحدد من يحصل على ماذا ومتى وكيف. أي دراسة تقسيم الموارد في المجتمع عن طريق السلطة (ديفيد إيستون). وعرفها الشيوعيون بانها دراسة العلاقات بين الطبقات، وعرفها الواقعيون بأنها فن الممكن أي دراسة وتغيير الواقع السياسي موضوعيا وليس الخطأ الشائع بأن فن الممكن هو الخضوع للواقع السياسي وعدم تغييره بناء على حسابات القوة والمصلحة. وتعبر السياسة عن عملية صنع قرارت ملزمة لكل المجتمع تتناول قيم مادية ومعنوية وترمز لمطالب وضغوط وتتم عن طريق تحقيق أهداف ضمن خطط أفراد وجماعات ومؤسسات ونخب حسب أيدولوجيا معينة على مستوى محلي أو إقليمي أو دولي.

والسياسة هي علاقة بين حاكم ومحكوم وهي السلطة الأعلى في المجتمعات الإنسانية، حيث السلطة السياسية تعني القدرة على جعل المحكوم يعمل أو لا يعمل أشياء سواء أراد أو لم يرد. فهي تحتكر وسائل الإكراه كالجيش والشرطة وتحظى بالشرعية. والمفترض أن تكون الأجراءات والطرق وسائلها وغاياتها مشروعة فليست السياسة هي الغاية تبرر الوسيلة وليست العاب قذرة فهذا منطق المنافقين الأنتهازين

   والسياسة هي علم وفن الممكن وسيلته الخطاب العقلاني  معتمدا على الإبداع الإنساني‏ والرغبة في تحقيق الحياة الإنسانية الكريمة وتحقيق قيم العدل والحرية والسلام‏ للمجتمع.‏ كل شيئ فى السياسة نسبى فلا يوجد في السياسة أفكار مطلقة أو أمور ثابتة تصلح لكل زمان ومكان، فالأفكار السياسية تكون صحيحة وصادقة بالنسبة لعصرها ومجتمعها فقط‏ وقد لاتكون صالحة لفترات قادمة‏، فهي تتسم بالتغير والمرونة والنسبية‏. رغم تحيز الساسة لبعض الأفكار والمبادئ الثابتة إلا أن توجههم السياسى عادة ما يكون موجها إلى أكبرعدد ممكن من الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية‏.

وكل المذاهب السياسية التي عرفتها الإنسانية كالاشتراكية والديمقراطية‏ وحتي الفاشية‏ كانت كلها موجهة نحو كافة الطبقات عمال‏ وفلاحين‏‏ ومثقفين وكافة الشرائح الاجتماعية الأخري‏.‏

   والعمل السياسي يقوم علي احترام الآخر ويحترم حق المواطنة ولايقر التفرقة العنصرية أو الدينية مقرا لمبدأ حرية ومصلحة كل المواطنين، يحترم الاختلاف ويؤمن بالتعددية السياسية وحرية الرأي فلا معني للحزب الواحد أو للصوت الواحد أو للجماعة الواحدة‏، فالسياسة الحقيقية تقوم علي الحوار‏‏ و تعدد الأصوات واختلاف الرؤي‏ وقابليتها للتطبيق والممارسة.  السياسة تعتبر أن العلاقة بين الحاكم والمحكومين علاقة تعاقدية‏، على الحاكم أن يحقق أهداف وآمال وطموحات شعبه‏ الذى اختاره لتحقيق هذه المهمة‏ فإذا أخفق في تحقيقها أصبح من حق الشعب الذي اختاره أن يرفضه ويغيره‏، بمعنى أن الحاكم يستمد سلطته من شعبه وجماهيره لأن الشعب هومصدر السلطات.

   والدين كما جاء في [لسان العرب] هو الطاعة. ومن الدين جاءت لفظة ديان. وهى من أسماء الله، ومعناها الحاكم والقاضي والقهار. ويوم الدين هو يوم الجزاء، أي يوم الحساب وفى المثل: كما تدين تُدان. و" دان " أسم عبري يعنى قاض [ قاموس الكتاب المقدس ]. و"دان" خامس أبناء يعقوب من زوجته بلهه [ سفر التكوين 3.: 6 ]، وقد تنبأ يعقوب بشأنه قائلاً :  دان يدين شعبه كأحد أسباط إسرائيل [ سفر التكوين 16:49 ] . فالدين إذاً هو الطاعة والخضوع لحكم حاكم "قاض" ومجاز يفرض الجزاء في يوم الحساب.

وقد يأتي الدين بمعنى الجزاء وهذا ما قصد إليه السيد المسيح بقوله: لا تدينوا لكي لا تدانوا. لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تُدانون. وبالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم ..الخ "[ انجيل متى 7: 1- ... ] وورد أيضاً في الكتاب المقدس: وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين [ انجيل يوحنا 11:16 ]. وقد يأتي الدين بمعنى الحساب كما جاء في القرآن :{ الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين }[الفاتحة :4 ] . وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين [ الصافات : 2. ] . {وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين }[ ص: 78] .{ وما أدراك ما يوم الدين }[ الانفطار : 17 ]. فالدين إذن علاقة بين الإنسان والله، فهو فعل ( عبادة ) ناتجة عن إيمان بعد قناعة

أو إيمان مطلق فيه تسليم بما هو خارج عن نطاق العقل البشرى وإدراكه، وعن عمل ملموس، هو نتيجة هذا الإيمان. والعمل يكون بالممارسات الإنسانية من صلاة وصوم وتقديم ذبائح وفروض وارتداء ثياب معينة وقص شعر أو تركه والنذور وغير ذلك.وقد عرف الدين علماء كثيرين وأعطوه تعريفات شتى، اختلفت باختلاف نظرة هؤلاء العلماء إلى الدين. ولكن مهما قيل في تعريف الدين فلكل دين شعائر تظهر في طرق العبادة تميز أتباعه عن بقية أتباع الديانات الأخرى.

‏   أما إذا دخل الدين معترك السياسة فإنه سيعتمد فى سلطته على النص الديني القائم علي الإيمان والتسليم بما ورد بهذا النص خاصة فيما يخص العبادات، ويحرم أصحاب الجماعات الأصولية والسلفية الاجتهاد في تأويل النص الديني تأويلا عقلانيا‏ ويرفعون شعارهم الشهير لا اجتهاد مع النص. وليست في الدين نسبية وإنما  يتسم لدي أصحابه بصفة الثبات والقداسة ولذلك فهو يكون صالحا لكل زمان ومكان بالنسبة لمعتنقية والمؤمنين به‏.‏

كما يرفض أصحاب التيارات الدينية فكرة تاريخية النص أو القول بأن هذا النص قد ارتبط بحادثة تاريخية أو بموقف معين‏ ويصرون علي أن النص الديني نص يتجاوز الزمان والمكان ويصلح لكل الأزمنة والأمكنة لأنه نص مقدس. يقوم الفكر الديني علي التعصب ورفض الخلاف في الرأي لأنهم يزعمون امتلاك الحقيقة المطلقة‏ وهذا الزعم يعطيهم الحق في رفض الآخر ثم تكفيره سواء كان هذا الآخر مختلفا معهم في الرأي أو العقيدة‏، والحق دائما عند الجماعة التى يتحدثون باسمها, وغيرها مردة كفرة ومشركين وممثلين لحزب الشيطان. كما أنهم يفرضون سلطتهم على الدنيا والآخرة ويخضعون الدنيا الفانية للآخرة ذلك العالم الأزلى المقدس.
   قد يعترف أنصار الجماعات الدينية بالحوار نظريا فقط في بعض الحالات التي تتفق مع مصلحتهم ولكن عمليا هم لا يعترفون بجدوي الحوار‏ وكلمة التفكير تتحول بسهولة علي أيديهم الي تكفير، فمفردات حروف الكلمتين واحدة‏!!‏  وغالبا ماتكون إمكانية التحول من الاعتدال الي التطرف يسيرة, ومن التسامح الي العنف والإرهاب‏ ممكنة, إرتبطا بنوع معين من الفهم الذي يفسر النصوص الدينية بما يناسب مصلحة الجماعة

ومن خلال الاحتماء بمظلة النص الديني تمنح الجماعة لنفسها حق التحدث باسم الدين وباسم أصحاب هذا الدين‏ بل إنهم يصبحون بمثابة المفوضين من قبل الله بحماية هذا الدين والدفاع عنه ضد أعدائه والمتربصين به. وتلجأ معظم الجماعات الدينية الأصولية المعاصرة الي  الخلط بين الدين والسياسة بصورة فجة فعلى سبيل المثال تستخدم الجماعة المحظورة عادة عبارة‏ أن الإسلام دين ودولة‏، بمعنى أن الإسلام ليس فقط مجرد طقوس وعبادات دينية وإنما هو أيضا دستور ورؤية سياسية‏

علما بأن كلمة دولة ‏كما وردت في القرآن واللغة العربية معناها مختلف يشير الي الزوال والتقلب والتحول مخالفا للمصطلح الحديث للدولة بمعناها السياسي الوضعي‏.‏ وهم ينظرون للبشر والحقائق بمنظار ضيق، أبيض أو اسود، مؤمنون أو كافرون، إسلاميون أو علمانيون ولا شيئ وسط بين النقيضين، وهومنطق يتنافى وطبيعة البشر وطبيعة الحقائق وطبيعة الوجود ‏والحياة المليئة بألوان الطيف.

   ليتنا نفيق من الأوهام وننبذ ثقافة التأرجح بين الدين والسياسة وننحو نحو العلمانية التي تحقق التوازن بين حميع فئات الشعب وتساوي بينهم في الحقوق والواجبات وتحافظ علي قدسية الأديان, كل الأديان, لأن الدين لله والوطن للجميع.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter