الأقباط متحدون - الطريق إلى أم محمود
أخر تحديث ٠٠:٤٧ | الجمعة ١٠ اكتوبر ٢٠١٤ | توت ١٧٣١ ش ٣٠ | العدد ٣٣٥٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الطريق إلى أم محمود

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

حكاية بسيطة جدا

بقلم: ماجدة سيدهم
كان الطقس باردا  حين  وقفت  أمام شباك التذاكر في  طريقي المولع بزحام العاصمة ، مازال  الوقت باكرا  بينما كانت هي تقترب ببطيء ،تقبض بحرص على نقودها  وملامحلأنوثة مترددة تبدو تحت  فستانها الأزرق الذي ارتدت تحته بنطالا مغبرا بالأسود ،عقدت شعرها على هيئة  كعكة ثبتتها برباط أبيضخشن ، قروية لاغش فيها- شادية -سمراء ،ممتلئة نوعا ما  تميل للقصر أكثر، بالكاد لم تتجاوز الرابعة عشر ، لكن ما الذي يدفع بصبية صغيرة للتبكير هكذا من قريتها  والسفر بمفردها ،القاهرة موطن الضجة ومأوىلصنوف البشر القاطنة  والوافدة،متسع المغريات والأحلام والفرص وأيضامتاهة تبتلععديمي الخبرة  والتجربة ،عليفطرتها  اشفقت جدا ،فأغلب الظن أقدمت على مالم تدركه من مغامرة غير محسوبة ،قلت لموظف الشباك : كرسيان متجاوران من فضلك ،ثمة حكاية جديدة مثيرة ستختصر الطريق هذا الصباح ،لم تتعجب من فعلتي ورغم قلقها نوعا ما لكن لم يصلني احساساها بالارتياح فقد بدا لي ثقتها فيما ترجو، ولما سألتها كان معها ثمن الذهاب فقط –يا إلهي-جلسنا متجاورتين ثم بادرتها فأجابت بعفوية : رايحة لأم محمود ..

-هي قالت لي  أول ما تنزلي مصر اسألي أي حد عني  ها يوصلك عندي على طول ..
*وأم محمود امرأة شابة ثرية ،سأترك لكم شادية تحكي : أم محمود ليها بيت  في البلد عندينا، فخامة،أرضيته بتلمع  مفروش سجاجيد  ، شباكها دايما مفتوح وعليه ستاير بتطير م الهوا  ،عندها كراسي أيه ودار نوم لوحدها فيها ياما  وفرن بالكهربا ومكوة وصابونبالكوم وعصير ياما،دى عندها أزايز شامبو م الكبيروفوط كتير ، دي مش بتتعب في حاجة خالص كل حاجة  تك تك،دي يا أبلة لابسة دهب غوايش وحلقان ياما ،ولبسها حلو ونضيف زي الناس اللي ف التليفزيون موضة كدا وحاجات خرز  وشعرها طويل لحد  هِنَـهَُ –اشارت لظهرها -و أحمر أشكال والوان  دي بتشرب سجاير كمان  أي والله،أم محمود مش بتخاف من حد أبدا ، الناس حدانا هم اللي بيخافوا منها ..

-ما أني  باروح عنديها باجيب لها أي طلب بس من غير أمي ماتعرف ..
- أصل أمي  محرجة عليا  وبتضربني موت ،بس والله أم محمود طيبة دي بتدينى مرات 10جنيه و مرات  20 جنيه ف العيد اللي فات اديتني 50 عيدية  وساعات  تديني إزازةريحةوالشكولاطةبالكبشة محشية  حاجات حلوة ، دي  اديتني طرحة الصلاة بتاعتهاأي والله ..
-لا .. ماني بخبي الفلوس ف شق في الحيطة ماحدش  واخد باله منه  ،وبدي منها 5 جنيه للشيخ على ..

-  دابتاع دروس الدين،يفضل يدش يا أبلة ويوجع دماغي وكلامه تقيل ولا آني فاهمه منه حاجة ،باسيبه وأروح لأم محمود -بدّيله  إيه بئاال5 جنيه عشان مايقولشلأمي- ولعلمك كل البنات ولا فاهمين منه حاجة لكنهم  بيخافو منه  أوي - بس البت نجوان مرة جتمعايابس طلعت بت هبلة  ،خبت عنه  إنها خدت فلوس من أم محمود  فراح  الله يحرقه فتن عليها وقال لأبوها ، أبوها حرج عليها الخروج ..
-  طبعا عارفة  ، اديتني مرةإزازة ريحه ومرات علبه سجاير ومرة معجون سنان  ومرات حلويات  عشان أديهالهويسيبني أروح لها
- يا أبله دا هو اللي بيطلببس ف السر ،

-أنا بطلع كل يوم  مع الأنفار نشتغل في  الأرض بيجي عم عوضيلمنا حزمة كدا في عربيته النص نقل  ونرجع بعد المغرب واليومية  ولا حاجة ومرات مافيش-أم محمود بتقول  العيشة في مصر نضيفة وحلوة لافيها طين ولا نوم على الأرض ولا أكل  قديم ولاهدوممهربدةوأول ما أنزل  مصر هاتشغلنيوهاتعمل لي شعري فرد - وهاتجيبليهدوم موضة وسنتيانات  حرير هي قالت لي البنات لما تكبر لازم  يلبسوا سنتياناتمتزوقةوهاتجيبلي شقة زي بتاعتهاو....و...و....
* بهدوء لما نبهتها للفخ الذي  نـُصب لها والشرك المترقب للإيقاع بها وبخدعة رخيصة اسمها أم  محمود دافعتبدورها بشيء من التوجس  ليس عن أم محمود فقط بل عن كل عابر بشوارع القاهرة مؤكدةأن الجميع  سيتبنى مهمة توصيلها إلى أم محمود- وفي هذهلم تخطئ  المسكينة فما أكثر من أم محمود علي زوايا الطرق ، لكنها خشيت  نوعا ما أو هكذا بدا لي بعدما بثثت في داخلها مخاوف وعواقب مريعة لهربها وأمسكت بيدها جيدا  وما أن حطت قدمها بأرض المحروسة حتى  فاجأتني بصيحة : هي  الشوارع فوق ..! تقصد الكباري العلوية  ،في لمح البصر وعلى رائحة  الفتيات الهاربات  حامت حولنا  الذئاب  في محاولات وقحة  بإغراء واستمالة الصبية  القروية وجذبها من يدي بشدة ،صرخت في وجوههم وتوهمت للحظة أنهم سيفلون هربا وخوفا لكن تمادت بهم الوقاحة باتهامي خطفها وأنهم أحق بها مني بينما كانت هي مأخوذة  بالاتساع،مبهورة بالزحام والبشر وتكدسالملابس والباعة  على الأرصفة ومحلات الطعام الجاهزوالسيارات و...ماشجع المطا أكثر فيها ..فلتنا  بأعجوبة  وما كان  مني غير العودة بها حيث قريتها
-طب هاقوللأمي إيه والشيخ على هايدبحني

- هانوصل على  المغرب ،هاتخدي يوميتك وكأنك عودتي مع الأنفار ، أودعتها في بيت ريفيفزع لتأخيرها  وجانبا  أخبرت الأم للانتباهومسامحتها  ،بعد وقت رحت أسأل عنها ، كان الزحام قد ابتلعها مجددا هكذا  أغلقت الأبواب بينما شباك أم محمود مازالعلى مصراعيه مفتوحا ..!
ولم تنته حكايا أم محمود بعد ..


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع