هل ستدور الدوائر عما قريب لتشرب الولايات المتحدة الأمريكية من ذات الكأس المر الذى أذاقت منه العديدين حول العالم لا سيما فى العقدين الأخيرين؟
يبدو أن ذلك كذلك بالفعل، فموجات الوحدة والتفكك التى تجتاح العالم لن توفر أمريكا من مصيرها الذى بات وكأنه قدر منقوش على حجر... ما الذى فجر هذا الحديث فى هذا التوقيت؟.
قطعاً ما جرى فى إسكتلندا والاستفتاء الأخير على الانفصال عن المملكة المتحدة، إذ يبدو أن الفكرة ذاتها كما ألهبت مشاعر أهالى إقليم كاتالونيا فى إسبانيا، فإنها بذات القدر حركت مشاعر العديد من الانفصاليين الأمريكيين، فى ولايات عدة على الخريطة الأمريكية.
فى الفترة من ٢٣ أغسطس وحتى ١٦ سبتمبر الجارى، أجرت وكالة رويترز ومؤسسة أبسوس استطلاعاً للرأى حول مستقبل الاتحاد الأمريكى، وجاءت النتيجة مثيرة للغاية، إذ أشار ٢٣.٩ % من الأمريكيين الذين شملهم الاستطلاع لتأييدهم بقوة فكرة انفصال ولايتهم، بينما عارض هذه الفكرة بقوة أو اتجه لمعارضتها ٥٢.٣ % أى أن ربع السكان لديهم استعداد للانسحاب من الاتحاد.
المثير فى الاستطلاع أن فكرة مقاطعة واشنطن تتجاوز الأحزاب والمناطق إلى المواطنين بشكل واضح، وبخاصة الجمهوريين من المحافظين، وسكان الولايات الزراعية الغربية الغنية، الذين يشكلون القاعدة الأكثر تقبلاً لفكرة الانفصال، فى حين تقل نسبة دعاة الانفصال بين الديمقراطيين، وسكان الولايات الواقعة شمال شرق الولايات المتحدة.
مسألة تفكيك أمريكا لم تبدأ ولن تنتهى عند استطلاع الرأى الأخير، ففى كل عقد أو اثنين تطفو مقترحات تتعلق بتقسيم ولاية كاليفورنيا إلى قسمين شمال وجنوب، فيما يذهب الرأسمالى المغامر المعروف «تيم دريبر» إلى الإعلان عن إجراء استطلاع رأى شعبى وتصويت بشأن مقترح لتقسيم كاليفورنيا إلى ست ولايات منفصلة.
السؤال الأكثر أهمية الذى ترددها لانتلجنسيا الأمريكية :«هل أوباما هو جورباتشوف أمريكا؟
السؤال ولاشك يحمل إسقاطا تاريخيا واضحا يذكر بأن نهاية الاتحاد السوفيتى، قد جرت على يدى الأخير، غير أن هناك فارقا بين ما أقدم عليه جورباتشوف وما يمضى أوباما فى طريقه.. كيف وما معنى ذلك؟
يبدو أنه فى الوقت الذى انهزم فيه جورباتشوف ليخلى الساحة للرأسمالية العالمية وقيمها الحضارية، نجد أوباما يعمل بكل قواه من أجل إخلاء الساحة العالمية للفكر الأصولى الظلامى الفاشى الذى رزحت تحت وطأته وتحت وطأة بطش قادته وإرهابهم قرونا طويلة مازالت البشرية تناضل فى سبيل نسيان آثارها الكارثية العملاقة... هل ما نراه فى الشرق الأوسط سيرتد ولابد على الداخل الأمريكى؟
الحال يغنى عن السؤال، فقد غدت أمريكا بسببه دولة هامشية مكروهة، معزولة لا أحد يحسب لها حساب.. عالم ما بعد أمريكا.. والأسوأ الذى لم يأت بعد يتمثل فى نبوءة «جيم ريكاردز» وتاريخ ١٥ مارس ٢٠١٥ الذى ينتظر أمريكا ويهدد مستقبلها بأكملها لا تركيبتها الفيدرالية فحسب، وللقصة مقام ومقال آخر.
حكما قد نكون فى المراحل المبكرة من الحديث عن تفكيك أمريكا، لكن يبدو أن استراتيجياتها الجهنمية للعالم برمته، لا سيما «الاستدارة نحو آسيا» ستفتح عليها أبواب جهنم الروسية والصينية، وبخاصة أن لا مصلحة للأوربيين فى دخولهم صراع مع دول هى جزء من المجال الأوروآسيوى فى الحال أو الاستقبال.
لن تستفيد الولايات المتحدة إلا من عالم فى حالة سلام، حيث جودة الحياة مرتفعة وحيث يبقى الصراع والقهر مكبوحين، أن ذلك هو أفضل سيناريو لأمريكا وللعالم، حيث الأمن والإنتاجية والتقدم جزء من المعادلة نفسها، عندما يستمر انتشار الفرصة الاقتصادية العالمية فى السنوات القادمة، ستشارك البلدان مع الولايات المتحدة نحو تطوير نموذج اقتصادى عالمى جديد. لن يفيد أمريكا مؤامرات تقسيم المقسم أو تجزئة المجزأ، لا سيما فى ظل سياقات وأطر العولمة التى ابتدعتها بهدف السيطرة على العالم فإذ بها تطعنها فى صميم وحدتها.
تفكيك أمريكا.... المعادل الموضوعى لطباخ السم.
نقلا عن المصرى اليوم