بقلم القس / ايمن لويس
بمعنى ان الايمان المسيحى فى مجملة من اكثر الرسالات الدينية التى تتفرد بهذا التميز ، وهو انها تصلح لكل شعوب العالم ، ولكل جنس وكل امة فى كل زمان ومكان "وإذا جمع كثير لم يستطع أحد أن يعده ، من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة ، واقفون امام العرش" رؤيا 9:7 . وعندما اقول هذا لا اتحدث بدوافع الانتماء الدينى فقط ، بل من منطلق المقومات المتوفرة فى هذه الرسالة التى اعطتها هذا التفرد والتميز . فعلى سبيل المثال ، الديانة اليهودية هى ليست رسالة دعوية تبشيرية ، بل هى ديانة قومية ولها ارتباط قوى بتاريخها ومنشائها ولغاتها ، كذالك الاسلام جاء متأثرا بالفكر اليهودى ومقلدا له فى اغلبه ومجمله . ومن المقومات التى نراها ونتناولها تمنح الايمان المسيحى الصلاحية ليكون الدين الاول والاعلى لتبؤ هذه المكانة على سبيل المثال وليس الحصر مايلى .
* المقوم الاول اللغة . والمقصود هو اللغة التى تم بها صياغة الوحى ، فلم يقدس الوحى المسيحى لغة بعينها ، بل اللغة مجرد وسيلة لاعلان الوحى ، لذلك تجاوز الوحى حرفية اللفظ ليكن الاهتمام والتركيز على حرفية الفكرة ، ثم المعنى ، ثم القيمة المترتبة على ذلك . لذلك لا يجد اى من شعوب العالم صعوبة ان يكون الكتاب المقدس فى لغتة حتى الاجزاء الشعرية منه ، لانه ايضا يهتم بالمضمون على حساب الشكل ، وبالجوهر على حساب المظهر . كما ان الاسلوب لا يخاطب فئة خاصة لها خصائصها الثقافية وعاداتها ولغاتها الخاصة فليس بالضروة ان يتعلم المؤمن بالدين ، اللغة العبرية والارامية واليونانية ليتمكن من فروض الصلاة واقامة شعائرها !! ، او حتى الالمام بالدين !! . ولا سيما العهد الجديد ، ففى اسلوبه اللغوى كان مراعيا للتنوع الحادث بين سائر الشعوب والاجناس ، فلم يأتى بقواعد خاصة لفئة جغرافية محدودة ، بل قواعد عامة للجنس البشرى . على سبيل المثال ، عندما اشار الكتاب المقدس عن المظهر تحدث قائلأ "9 وكذلك أن النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة ، مع ورع وتعقل ، لا بضفائر أو ذهب أو لآلى او ملابس كثيرة الثمن ، بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى الله بأعمال صالحة" 1تى2 . فهو لم يحدد نمط معين يتم فرضه على كل الشعوب بمختلف تنوعهم الثقافى !! ، بل هو حدد الحشمة بحسب صياغة كل مجتمع . وهذا ينقلنا للمقوم الثانى .
* المقوم الحضارى . جاء الاعلان المسيحى كأعلان روحى يهتم بأن يقيم الانسان علاقة صحيحة مع الله ، من خلالها يصير مبعث خير للبشر والبشرية ، وليس مصدر شر وفجور وارهاب ، فقد خلق الدين لخدمة الانسان وتوظيفه "17 لكى ليكون إنسان الله كاملاَ، متاهبا لكل عمل صالح 2تى3 . ولم يخلق الانسان لخدمة الدين ، لهذا لم ترد اى اشارة بالمسيحية لمعاقبة تارك الصلاة ، ولم تعلم ان الصلاة فرض يجبر على اداءه الانسان . هذا هو هدف الدين نشر الصلاح وجعل الانسان صالحا . من هذا المنطلق لم يتشدق المسيحيون يوما بفضلهم على الحضارة الانسانية رغم انهم كانوا الاحق بهذا الغناء ، فلم يأتى الايمان المسيحى ليسحب من الشعوب هويتهم الحضارية ، ويقوم بفرض هوية المنشأ الجغرافى للدين . كما لم يأتى الدين خليط من عادات وتقاليد شعب من الشعوب ومنطقة من المناطق ليكون جزء اساسى من مكونات الدين ونصوصه وعقائدة ، أو لكى يعطى مثلا ، فضل للقريشيين على الاعاجم أوامتيازات لفئة على حساب الاخرى . فنجحت الرسالة المسيحية ان تصيغ مفهوم ان الاوطان للشعوب والدين لله ، وهذا يقودنا الى المقوم التالى .
* الانحياز الفئوى . فلا يقدم النص الانجيلى اى نوع من الانحياز لا اى فئة دون الاخرى ، او يعطى كرامة لفريق دون الاخر . بل قال الوحى " هكذا احب الله العالم " يو16:3 . "28 ليس يهودى ولا يونانى . ليس عبد ولا حر . ليس ذكر ولا انثى، لأنكم جميعا واحد فى المسيح يسوع" غل3 . او لأى لغة بعينها ، فاللغة العربية مثلا ، تتفوق على بقية اللغات حتى لو كانت اقلهم فى الدقة او من اواخر اللغات فى صياغتها فى مادة مكتوبة بأحرف وتشكيل !! .
* التوافق مع النظم المدنية والقوانين الوضعية . فقد تحررت العقيدة المسيحية من ارتباطها بنظم الادراة العالمية بفصل الدين عن السياسة ، والترقى لجعل خضوع الانسان للوصية عوضا عن الشريعة التى كل عملها هى عقاب الانسان بعد السقوط فى الخطية ، اما الوصية فهى وقاية الانسان من الخطأ ، وبالتالى السقوط تحت طائلة القانون ، اى كان وضعى او شرعى ، فالوصية ايقظة ضمير الانسان ليكون هو الرقيب الاول على نفسه بمعونة الهية (الروح القدس) ، مراعيا مخافة الله فى قلبه اكثر من الرقابة البشرية .
* المقوم الاخلاقى . المنظمومة الاخلاقية التى اقرتها المسيحية من خلال تعاليم المسيح الرب هى السمو الاخلاقى الذى لا يتناطح فيها عنصران ، وهى القواعد التى فطرت عليها البشرية . برغم ما يروجه الكاذبون من اكاذيب بسبب الانحلال الاخلاقى المترتب على الحرية الغربية العلمانية ، مثل الادعاء ان المسيحية أباحة المثلية الجنسية !! . رغم صراحة النصوص بالوحى بتأثيم هذا الانحراف الجنسى . "26 لذلك أسلمهم الله إلى أهواء الهوان ، لأن إناثهم استبدلن الاستعمال الطبيعى بالذى على خلاف الطبيعة ، 27 وكذلك الذكور أيضا تاركين أستعمال الأنثى الطبيعى ، اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض ، فاعلين الفحشاء ذكور بذكور ، ونائلين فى أنفسهم جزاء ضلالهم المحق " رومية 1 . "9 أم لستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله ؟ لا تضلوا . لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون لآ مضاجعوا ذكور ، 10 ولا سارقون ولا طامعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله" 1كو . "أن الناموس لم يوضع للبار بل للأثمة والمتمردين ، للفجار والخطاة للدنسين والمستبيحين ، لقاتلى الاباء وقاتلى الامهات ، لقاتلى الناس ، 10 للزناة ، لمضاجعى الذكور ، لسارقى الناس ، للكذابين ، للحانثين ، وإن كان شئ آخر يقاوم التعليم الصحيح ، 11 حسب إنجيل مجد الله المبارك" 1تى . إن السلوك المنحرف من اى من اتباع اى دين لو وجد بها نصوص واضحة وصريحة تدين الانحراف يكون الدين براء من افعال اتباعه ، والعكس صحيح . فنجد الايمان المسيحى يدعوا للمحبة والامانة والصدق والطهر والنقاء بالمطلق دون استثناءات او تحايل او التأرجح بين المنع والمنح !! . اذا المسيحية بالصريح ادانت كل فجور . ادانت الرق والاتجار فى البشر واستعبادهم وملك اليمين . فجعلت الضوابط الاخلاقية الداخلية للانسان اسمى من القوانين الوضعية والتشريعية . "27 قد سمعتم أنه قيل للقدماء : لا تزن. 28 وأما انا فأقول لكم : إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها ، فقد زنى بها فى قلبه " . "22 من قال لأخيه : رقا ، يكون مستوجب المجمع ، ومن قال : يا أحمق ، يكون مستوجب نار جهنم " مت5 والقياس على ذلك دقيق . هذا كله كان مجرد تنويه عن المقومات التى تتميز بها الرسالة المسيحية ليكون هو الدين الاول والاعلى الذى لا يصطدم مع النظم الدولية ولا يجرد الشعوب من هويتة وخصوصيته الثقافية والحضارية ، ويصلح لكل الامم والقبائل.