بقلم: يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(507)
انتظرت …وتمهلت…وتلكأت…قبل أن أتعرض للأحداث التي وقعت في قريةجبل الطير-مركز سمالوط- بالمنيا منذ نحو شهر,فنحن في وطني نتريث في تغطية الوقائع الملتهبة المتصلة باختفاء فتيات أو سيدات وترويج اتهامات من الأقباط للمسلمين بالضلوع في اختطافهن لاستمالتهن أو لإجبارهن علي تغيير عقيدتهن…نتريث إلي أن نقتفي أثر الحقائق لما لتلك الوقائع من حساسيات شديدة ولما لها من سوابق كشفت الأيام عن عدم صدق مايتم ترويجه من اتهامات واندفاع الكافة وراء ذلك مما يخرج الأمور عن نطاق السيطرة.
أعرف الآن أن السيدة التي انفجرت الأوضاع بسببها في قرية جبل الطير عادت إلي أهلها,كما أعرف أنها صرحت بأنها مسيحية ولم تغير ديانتها أو تشهر إسلامها خلافا لما صرح به وزير الداخلية عند لقائه بممثلي الكنيسة ورموز من الأقباط في عنفوان الأحداث….وهنا لا أملك إلا أن أعجب من ذلك التضارب,فنحن نعرف أن التحقق من شائعة إشهار الإسلام يكون بالاتصال رسميا بإدارة الأزهر باعتباره السلطة العليا المسئولة عن الإشهار وتوثيقه,فكيف يبادر وزير الداخلية بتصريح عن إشهار السيدة إسلامها دون أن يذكر دور الأزهر في ذلك؟
لكن هل عودة السيدة التي قيل إنها مختطفة يمثل النهاية السعيدة للقضية ويسدل الستار علي الأحداث التي اكتنفتها؟…بالقطع لا…وذلك هو ما أقف عنده اليوم وما يشير إليه عنوان هذا المقال,فالتعامل الأمني والشرطي مع تلك القضية لايمكن أن يمر مرور الكرام حتي بعد عودة السيدة وحتي إن صدق وزير الداخلية فيما صرح به من حصر التلفيات التي حاقت بضحايا ذلك التعامل وتعويض أصحابها عنها…لأننا إذا قبلنا تسوية الأمر بالحصول علي المقابل المادي أوالديةيعني أن نقبل إفلات الشرطة بفعلتها ونقبل بخرق القانون وذبح حقوق الإنسان والاحتكام إليجلسة عرب ونقبل عودة الشرطة إلي توحشها السابق قبل ثورتي 25يناير و30يونيه ولجوءها إلي إرهاب وترويع المواطنين.
فالمتابع لتفاصيل ماجري في قريةجبل الطير سوف يصدم مما فعلته قوات الشرطة في أقباط القرية…وقبل أن أخوض في تفاصيل ذلك دعوني أفند ما أقصده بعنوان هذا المقال:ماقدرش علي الحمار…راح يضرب في البردعة!!…فوسط اجتياح الأعمال الإرهابية التي نعيشها منذ14أغسطس 2013 وفي خضم مظاهرات الجماعة الإرهابية التي لم تتوقف منذ ذلك الحين وباتت جزءا من واقعنا كل يوم جمعة عقب الصلاة,طالما وقفت مندهشا ومغتاظا وحانقا أمام ما تحمله الأنباء من ردود أفعال قوات الأمن التي دوما تتحدث عن التمركز في وجه المظاهرة لمنعها من بلوغ مقصدها ومقاومة المتظاهرين الذين يلجأون للعنف بإطلاق الغازات المسيلة للدموع نحوهم ثم تتحدث عن نجاح الأمن في السيطرة علي الموقف بتشتيت المتظاهرين وهروبهم إلي الشوارع الجانبية والطرقات!!!…وكنت دائما أتساءل:هل هذا كل ماتقدر عليه قوات الأمن مع أولئك الإرهابيين والمجرمين؟..أن تعترض طريقهم وتتركهم يفرون إلي كل حدب وصوب؟….ألا يعرف جهابذة الأمن أنهم إنما يفرون ليعودوا مرة أخري بعد صلاة الجمعة التالي في مظاهرة أخري؟…ألم يسمع جهابذة الأمن عن تطويق المظاهرة من كل جانب وحصارها والقبض علي المشاركين فيها وتقديمهم للعدالة؟…هذا هو ما تتقاعس عنه قوات الأمن,والحقيقة أننا لا نسمع عن تعقبها للإرهابيين بعد ذلك واقتحامها بيوتهم والتنكيل بهم وبأهلهم وممتلكاتهم أثناء القبض عليهم…لم نسمع عن لجوء الشرطة إلي العقاب الجماعي للإرهابيين ردا علي ترويعهم وإرهابهم وخرقهم للقانون…هنا تفسيرماقدرش علي الحمار… لكن أين تفسيرراح يضرب في البردعة؟…تعالوا نقرأ معا ما فعلته الشرطة في قريةجبل الطير ردا علي تظاهر الأقباط احتجاجا علي اختفاء السيدة المسيحية ومطالبتهم بالبحث عنها وإعادتها إلي أهلها,الأمر الذي تخلله رشق المتظاهرين الغاضبين للشرطة بالطوب وإتلافهم سيارتي شرطة بينما أطلقت الشرطة الرصاص في الهواء لتفريقهم…وأنا لا أدافع عن تجاوزات المتظاهرين مهما كانت دوافعها وأتفهم أن يتم القبض علي كل من تجاوز أو لجأ إلي العنف وتقديمه للعدالة…لكن كيف نفذت الشرطة ذلك؟
فوجئ أقباط القرية بهجوم قوات الأمن بعد منتصف الليل علي منازل جميع الأقباط دون تفرقة في فصل من فصول العقاب الجماعي الفج,حيث تم اقتحام وتدمير عدد كبير من المنازل وتهشيم ما بها من أثاث وأجهزة كهربائية والاعتداء علي النساء بوحشيه وترويع الأطفال الذين رأوا الشرطة تسحل الرجال خارج منازلهم في الطرقات وسط وابل من السباب والشتائم المهينة ونعت الأقباط بالكفر(!!),وقبل اقتياد الرجال إلي قسم الشرطة وإمعانا في الانتقام والتنكيل قامت الشرطة بتحطيم عدد 14سيارة خاصة بالأقباط,ثم كان ختام مشهد الإذلال تقسيم المقبوض عليهم إلي مجموعات صغيرة وتوثيق كل شخص بالحبال ثم ربط كل مجموعة علي حدة بحبل واحد ليتم سحبها منه إلي مقر قسم الشرطة حيث تعرضوا لفصل جديد من الضرب والإهانة والسباب.هذا كله تم تفعيلا للعقاب الجماعي الذي حاق بالجميع بغض النظر عن اشتراكهم في التظاهر أو العنف,المهم أن استحقاق العقاب يتحقق لكون الشخص قبطيا…وهذا كله يتم في دولة تزعم أنها تعمل علي إعلاء القانون ولاتفرق بين مواطنيها…وهذا كله يتم بواسطة جهاز أمني يحاول- أو يقول إنه يحاول- تطهير نفسه من الممارسات البغيضة التي دأب عليها قبل ثورة المصريين…وأخيرا هذا كله يتم بتكشير الشرطة عن أنيابها أمام الأقباط المفتري عليهم والذين أثبتوا خلال الأعوام الثلاثة الماضية كيف أحبوا هذا الوطن وتجرعوا الأمرين-ومازالوا يتجرعون-دون إن يصرخوا بالشكوي أو يهتز ارتباطهم بهذا الوطن مقدار شعرة…هنا يصدق قولي أن الأمنماقدرش يضرب الحمار…راح يضرب في البردعة !!..يفعلها الأمن بقيادة مدير أمن المنيا الذي اكتفي بأن يغسل يديه من هذا العار ويصرح بأنه سيفتح تحقيقا فيما جري…وأقول له:إن النائب العام هو المنوط به فتح هذا التحقيق,أما سيادتك فالأحري أن تستقيل أو تقال من منصبك لأن زمن تلك الممارسات قد ولي بلا رجعة.