بقلم: سامي عازر
لم أرَ منذ ظهرر جريدتنا الوليدة على النت .. مثل هذا الخضم الهائل من المحادثات التليفونية والرسائل الإلكترونية يطالبني فيها المتحدثون أن أجهر برأيي في انتخابات الرئاسة المصرية القادمة .. وإمكان ترشيح الدكتور البرادعي فيها وفرصته في الفوز بها .. وليس أكثر مايسعد الكاتب أن يجد تواصلاً دائمًا مع قرائه واحتياجًا ماسًا لآرائه وكأنه قارئ للغيب أو مفسر للفلك ..
والغريب أن الرد على هذه التساؤلات يدفعنا إلى الغوص في عدة موضوعات قد ألمحتُ إلى بعضها - باختصار شديد - في مقالات سابقة كالدستور المصري .. والتعرض إلى نظام الحكم الحالي و القائمين عليه وهو ما أحجمت عن الخوض فيه مرارًا حبًا في مصر وايمانًا مني بأن الكلمات كثيرًا ما يكون وقعها أكثر دويًا من قذائف المدافع .. ومصر ما زالت على أتون من النار تحتاج إلى التهدئة وليس إلى الإثارة والتهييج ..
الدكتور/ محمد مصطفى البرادعي عاصرني في كلية الحقوق جامعة القاهرة ..لقد كانت هواياته القراءة والبحث وهواياتي الرياضة ورئاسة فريق الملاكمة والصداقات الحلوة .. ويبدو أن هواياته قد أهلته للتخرج بتفوق وللخوض في الدراسات العليا بنجاح ثم موقعًا دوليًا يحسده عليه الملايين ..
وقد شاءت الأقدار بعد ذلك أن أتعرف – عن كثب - على المرحوم الأستاذ/ مصطفى البرادعي المحامي ونقيب المحامين الأسبق في آخر انتخابات نقابية عاصرتها وشاركت فيها قبل هجرتي الأولى إلى الولايات المتحدة سنة 1974 .. حيث بدأت معرفتي به حين تدخل الحزب الاشتراكي لشطب اسم صديقي وزميلي واستاذي عبد العزيز الشوربجي من قوائم المرشحين في ذلك الوقت .. فالتف جميع المحامين الأحرار بقيادة عبد العزيز الشوربجي حول البرادعي حتى نجح واعتلى منصب نقيب المحامين في ذلك الوقت ..
وأذكر أني توجهت إليه ومعي زميل آخر إلى مكتبة بوسط البلد وتحادثنا في بعض ما تعرضنا له أثناء سير الحملة الانتخابية من تدخل بعض موظفي النقابة في الانتخابات بصورة مفضوحة لصالح خصمه .. وهو ما يخالف أبسط مبادئ العمل النقابي .. فوعد بالتحقيق في الأمر واتخاذ اللازم .. وقد كان رحمه الله دمث الخلق وهادئ الطبع ..
أسوق هذا الحديث حتى أدلل على أن الدكتور/ محمد مصطفى البرادعي من أسرة طيبة لها ثقل اجتماعي وقانوني وسياسي بالإضافة إلى البريق الذي أحاط به دوليًا في الأعوام السابقة والذي يعطيه أفضلية على غيره من الصلحاء إلى تبوأ موقع الرئاسة في مصر إن أتيح له الخوض في الانتخابات طبقًا لمواد الدستور التي سوف تتواجد حين فتح باب الترشيح .. شريطة أن يبتعد عن حرافيش السياسة وأدعياء الوطنية الذين يحيطون به الآن من كل جانب ..
الدستور المصري بحالته الراهنة يفتقد إلى الحد الأدنى من المبادئ الدستورية المتعارف عليها في معظم الأنظمة القانونية .. وكما قلت سابقًا في أكثر من موقع فقد صار مهلهلاً كرداء تآكلت أطرافه وامتللأ بالثقوب فامتدت إليه الأيدي بالترقيع .. وقد آن الأوان أن يشيع إلى مثواه الأخير ..
ومما يجدر ذكره أن هناك حملة لتغيير الدستور جاري تكوينها من مجموعة من النشطاء في مصر برئاسة الزميل الأستاذ جورج فخري .. سوف يتم الإعلان عنها قريبا إن شاء الله ..
من المبادئ العامة في الدساتير " المساواة بين المواطنين" ومن المبادئ العامة في الدستور المصري "التفريق بين المواطنين" .. فقي الدستور المصري فلاحين وفئات وعمال وأخيرًا نساء .. والله أعلم إن تم تعديله الآن ما هي الحصص التي سوف يتم تخصيصها لغير هؤلاء ..
والغريب أنه رغم هذا التفريق لخدمة بعض النوعيات من المواطنين فقد تناسى المشرع أو "المرقع" وهو شارع في الترقيع .. فئة لها ثقل وقدر ممن ذادوا عن أرض الوطن وشاركوا في ملحمة العبور واحتملوا الضنك كغيرهم من باقي أفراد الشعب وما زالوا يدفعون ضرائبهم اليومية والسنوية لخدمة الخزانة العامة .. مسيحيو مصر ..
والغريب أيضًا .. أن القائمين على النظام يعرفون جيدًا عدم امكان أي مسيحي لخوض انتخابات نزيهة ومحايدة تعتمد على كفاءة المرشح – لا انتخابات عامة ولا نقابية - لأن الشعب المصري الذي يضع نسائه خلف أستار النقاب لم ولن يؤيد مسيحيًا في أي انتخابات ..
وحتى أدفع عن نفسي اتهامًا بالجبن والنفاق أسنده إليّ أحد أصدقاء العمر بسبب إحجامي عن التعرض لهذا الموضوع .. فرأيي أنه حتى "المرقع" لم يكن أمينًا في الترقيع .. فقد كان يستطيع أن يخصص للمسيحيين نسبة تتناسب مع تعدادهم مع تخصيص بعض الدوائر لهم على أن يشارك أهل الدائرة جميعا في انتخاب الصالح منهم .. فيكون هذا دافعًا للتواصل والترابط بين أبناء الدائرة من مسيحيين ومسلمين .. بدلاً من اهانتهم بتعيين بعضًا منهم بعد كل انتخابات ذرًا للرماد في العيون ..
ومن ثم فتغيير الدستور يجب أن يكون واجبًا قوميًا وهدفًا أوحد .. لايسبقه واجب ولا يدانيه هدف ..
ودعونا نفترض – والفرض غير الحقيقة – أن النظام الحاكم قد اقتنع بهذا المطلب .. وتكونت لجنة إعداد الدستور .. وانتهت من إعداده قبل نهاية فترة رئاسة مبارك .. وتضمن من بين ما تضمن حق التقدم للترشيح استقلالاً عن الانتماء لأي حزب .. وأعلنت عن فتح باب الترشيح .. وتقدم البرادعي ونور وغيرهما .. وتقدم مبارك الأب أو مبارك الابن عن الحزب والوطني ..
وما دمنا في مقام الافتراض .. دعونا نفترض أيضًا أن الانتخابات قد تمت تحت إشراف قضائي كامل ومراقبة من المنظمات الدولية والداخلية .. وخرج الشعب عن بكرة أبيه إلى مراكز الاقتراع .. واعترف العالم بنزاهة الانتخابات وحياد السلطة في إدارتها ..
فهل ينجح الأستاذ الدكتور محمد مصطفى البرادعي ؟
الاجابة: بالقطع لا...
الحزب الوطني بخلاياه وكوادره في المدن والقرى والنجوع أكثر عددًا وأقوى حججًا .. ومعظم الشعب المصري له طبائع ومواصفات .. ومن هذه الطبائع .. الالتفاف حول الحاكم والتباهي بالانتماء له ولحزبه .. وإن لم تصدقوني .. ارجعوا للتاريخ .. وهو ملئ بالقصص والروايات .. بعضها يثير الدهشة والبعض الآخر يثير الاشمئزاز ..
ولو علم مبارك وحزبه بهذه الحقيقة .. لأسعدوا كل الأحزاب والنشطاء والمنظمات الداخلية والخارجية بتغيير الدستور وفرض النزاهة بحكم القانون .. دون خشية أو وجل ..
وبقيت كلمة أخيرة .. مع افتراض النزاهة المطلقة واعتراف العالم بها .. وبعد نجاح مبارك الأب أو الابن .. سوف تتوالى الاتهامات والادعاءات ثم يعقبها الطعون والقضايا .. لأن المصري يعلق دائمًا خسائرة في العمل على شماعة الحظ .. وخسائره في الانتخابات على شماعة التدخلات وعدم النزاهة ..
رئيس تحرير جريدة المصري المهاجر