يوم «كيبور»، أو عيد الغفران، هو اليوم العاشر من أكتوبر، وهو أحد أعياد إسرائيل، فهو يوم مقدس مخصص للصلاة والصيام. هذا اليوم هو الذى وقع الاختيار عليه من قبَل قادة الجيش المصرى لبدء «العملية بدر»، الاسم الكودى لعملية يوم السادس من أكتوبر 1973م، بزحف القوات المسلحة المصرية على قناة السويس والاستيلاء على خط بارليف وبدء التوغل البرى فى عمق الأراضى المحتلة من العدو.
فمهندس حرب أكتوبر، الذى تم تصنيفهضمن أبرع 50 قائداً عسكرياً فى تاريخ العالم، «الجنرال النحيف المخيف» كما وصفته «جولدا مائير».. المشير محمد عبدالغنى الجمسى، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر، يقول: «وضعنا فى هيئة العمليات دراسة على ضوء الموقف العسكرى للعدو وقواتنا، وفكرة العملية الهجومية المخططة، والمواصفات الفنية لقناة السويس، درسنا كل شهور السنة لاختيار الأفضل منها لاقتحام القناة، على ضوء حالة المد والجزر، وسرعة التيار واتجاهه، واشتملت الدراسة أيضاً، جميع العطلات الرسمية فى إسرائيل، بخلاف يوم السبت وهو يوم إجازتهم الأسبوعية، حيث تكون القوات المعادية أقل استعداداً للحرب، وجدنا أن لديهم ثمانية أعياد، منها ثلاثة أعياد فى شهر أكتوبر وهى: يوم كيبور، وعيد المظلات، وعيد التوراة، وكان يهمنا فى هذا الموضوع معرفة تأثير كل عطلة على إجراءات التعبئة فى إسرائيل، ولإسرائيل وسائل مختلفة لاستدعاء الاحتياطى بوسائل غير علنية ووسائل علنية تكون بإذاعة كلمات أو جمل رمزية عن طريق الإذاعة والتليفزيون، ووجدنا أن يوم كيبور هو اليوم الوحيد خلال العام الذى تتوقف فيه الإذاعة والتليفزيون عن البث كجزء من تقاليد هذا العيد، أى أن استدعاء قوات الاحتياط بالطريقة العلنية السريعة غير مستخدم، وبالتالى يستخدمون وسائل أخرى تتطلب وقتاً أطول لتنفيذ تعبئة الاحتياطى، وكان يوم عيد الغفران 6 أكتوبر 1973 أحد الأيام المناسبة، وهو الذى وقع عليه الاختيار».
ليصادف أيضاً شهر أكتوبر حلول شهر رمضان الكريم، وهو شهر الصيام الذى يُستبعد فيه من وجهة نظر العدو أى تحرك عسكرى مصرى، مما ساعد على الخداع الاستراتيجى. أما بالنسبة لساعة الصفر، فقد حُددت الساعة 2 ظهراً، بحيث تكون الشمس قد مالت نحو الغروب، وأصبحت أشعتها خلف المدفعية المصرية، وفى مواجهة العدو مباشرة لتحرق أعينهم، كما أُخذ فى الحسبان أن هذا اليوم يتميز بأن ضوء القمر سيكون ساطعاً فى النصف الأول من الليل، وسيكون مظلماً فى النصف الثانى، بحيث تنتهى وحدات سلاح المهندسين من إنشاء وتركيب الكبارى فى ضوء القمر ليستمر تدفق المدرعات والدبابات المصرية إلى الضفة الشرقية تحت جنح الظلام.
فكم كان يحمل اختيار ساعة الصفر من عمق فى التفكير الاستراتيجى، فنحن نحتاج إلى مليارات الكلمات التى ستقف عاجزة عن وصف، ليس بطولات وإنما معجزات الجيش المصرى فى نصر أكتوبر، فلكل فرع من الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، ولكل فرقة ولواء وفوج وكتيبة وسرية قصص ملحمة عظيمة وبطولات ما زلنا حتى اليوم نكتشفها، ليس مما يُكتب أو يُقص من قادتنا فحسب، وإنما ما نقرأه فى مذكرات قادة العدو من سرد لسطور طويلة عن وصف ساعات وأيام الذعر التى عاشوها على يد الجيش المصرى.
فحرب أكتوبر تُعد معجزة عسكرية تدرس عملياتها فى أكبر وأعرق الأكاديميات العسكرية فى العالم، فإننا لم نستطع حتى الآن أن نفى ونحفظ فى ذاكرة الوطن أسماء كل الأبطال الذين صنعوا المعجزات على أرض سيناء المباركة التى ما زالت تعانى من إرهاب مرتزقة الإخوان الذين ظنوا أنهم يستطيعون فى ظل حكم مرسى أن يسلموا سيناء وطناً بديلاً لحماس، غافلين عن أن لمصر جيشاً يحميها، وأن أبناءها الأبرار صنعوا ثورات عظيمة استلهموها مما فعل أجدادهم من بطولات فى حرب أكتوبر المجيدة، وأن أرواح الآلاف منا لهى أرخص بكثير من شبر واحد من الأرض التى رُويت وما زالت تُروى بدماء أنبل، بل أعظم، من أنجبت مصرنا الغالية.