الأقباط متحدون - هل ما زال الهلال يعانق الصليب؟
أخر تحديث ٠٨:٤٥ | الاثنين ٦ اكتوبر ٢٠١٤ | توت ١٧٣١ ش ٢٦ | العدد ٣٣٤٦ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

هل ما زال الهلال يعانق الصليب؟


منذ الصغر نشأت وفى فصلى المدرسى ثلاثة طلاب مسيحيين، يجلسون بجانب بعضهم البعض ويغادرون الفصل فى حصة الدين. لم يكن لديهم حصة دين فى الواقع، فقط لدينا نحن، أما هم فيغادرون إلى الفناء وربما إلى حجرة مجاورة حتى تنتهى الحصة فيعودون مجددا. لم نكن ندرك وقتها معنى العنصرية أو الاضطهاد، لكننا كنا ندرك معنى الاختلاف. فهمت عقولنا الصغيرة أننا لسنا نفس الشىء، فهم غير مسلمين ويذهبون إلى الكنيسة، بينما نذهب نحن إلى المسجد، يضعون صلبانا على معاصمهم بينما لا نفعل نحن!

فى الثانوية العامة ترعرع شعور «الاختلاف» بين الزملاء وتحول إلى شعور وسلوك «اضطهادى» بأشكال متنوعة، أتذكر ذلك العراك الذى قام ذات مرة بين طالب مسلم وآخر مسيحى، فتطوع آخر لتوجيه ضربات خلسة إلى المسيحى فقط لأنه مسيحى! أتذكر أن إحدى النكات السائدة فى عصرنا كطلبة مراهقين، يدخل أحدهم على مجموعة ولا يلقى السلام فيبادله الآخرون «انت داخل على كنيسة؟!».

وفى الجامعة، كانت العنصرية تبلغ مداها، أتذكر وأنا فى عامى الجامعى الثانى وقد وزعت علينا استمارات لاستبيان آرائنا السياسية كطلبة، وكان أحد الأسئلة يقول: «هل تقبل أن يتولى من هو على غير دينك منصبا مهما فى الدولة؟» فكانت الإجابة لـ٧٠٪ من الطلاب مسلمين ومسيحيين هى «لا»! فى الجامعة كان (وما زال) هناك شلل للطلاب المسيحيين حتى إن البعض أصبح يسمى بعض الأماكن فى الحرم بـ«حارة الكفاتسة» فى إشارة إلى المسيحيين وتجمعاتهم!

حينما تخرجت فى الجامعة وعينت بها فى ٢٠٠١ أتذكر جيدا الموقفين التاليين، أما الأول فكان حين جاءتنى إحدى الطالبات المسلمات تشتكى من أن بعض زميلاتها تعايرها بأنها تصاحب مسيحية! أما الآخر، فكان حين جاء صديقى المسيحى يزورنى فى المكتب ليبارك لى على تعيينى وقد تصادف وجود مهندس الحاسب لإصلاح عطل طرأ على جهازى، وبسبب تقارب السن فقد طلب منى أنا وصديقى «المسيحى» أن نستمع إلى نكتة، فإذا بها نكتة سخيفة تسخر من «القساوسة»، قطعا لم يعرف هذا المهندس أن زميلى مسيحى، فهو يفترض أن الجميع مسلمون من حيث المبدأ!

•••

لم أكن أدرك طوال حياتى فى مصر عمق الأزمة فأنا «مسلم» و«نحن» أغلبية لم أشعر بشعور الأقلية إلا عند السفر خارج البلاد من أجل الدراسة، ذهبت بعيدا إلى حيث أنا أقلية، وهنا كانت دروس الحياة المهمة التى أعتبر نفسى محظوظا لتعلمها فى هذه السن المبكرة. فهمت معنى أن تكون أقلية، لم أكن مواطنا، ولكنى حصلت على كل حقوقى كاملة، اعتقد كما أشاء وأمارس عقيدتى متى أشاء، لا يسألنى أحد ولا يضطهدنى أحد، ما بينى وبين الآخر هو القانون ولا شىء غيره.

تعجبت أشد العجب وأنا أرى بعض المسلمين فى البلد التى أعيش بها ومعظمهم من حاملى شهادة الدكتوراه، وهم فرحون بافتتاح مسجد جديد فى المدينة الصغيرة التى نعيش بها، والتى ربما لا يقطنها سوى عشرات المسلمين، بينما يتجادلون حول حق المسيحيين المواطنين فى بلادنا فى بناء كنيسة لأن بها صلبان ضد معتقداتنا! الغريب أن معظم هذا الجدل كان يدور بين المسلمين العرب، ولم أسمعه أبدا بين المسلمين الإندونيسيين أو الماليزيين ولا أعرف حتى اللحظة السبب.

خذ عندك أيضا عشرات الأسئلة التى تطلب من الشيخ أن يفتى لها إن كان السلام على مسيحيا ينقض الوضوء! أو تلك الفتوى السنوية، والتى أصبحت طقسا مقدسا يصدر عن البعض بعدم جواز تهنئة المسيحى بأعياده لأن فى ذلك موافقة ضمنية وتشجيع له على الاعتقاد الخاطئ المخالف لديننا، حسنا المرة المقبلة سأقول له: «عيد غير سعيد فديانتك خاطئة.. أراك فى جهنم!».

•••

لا أعلم قطعا إن كنت فى حل أن أذكر عشرات الأمثلة عن فتاوى عدم جواز ترشح غير المسلم لمنصب الرئاسة أو غيره من المناصب المهمة، ثم بعد ذلك تجد من يتشدق بالدين قائلا لمن هم على غير دينه: «شريعتنا تعطيكم الأمان وتحثنا على حسن معاملتكم»! وكأن المواطن غير المسلم من العبيد الذين ينتظرون الهبات! هل أنا فى حل أيضا من الحديث عن ردود الفعل تجاه بناء الكنائس وما يصاحبها من فتن طائفية تودى بحياة العشرات إن لم يكن المئات سنويا؟ هل نضيف إلى كل ذلك عشرات إن لم يكن مئات حالات العقاب الجماعى (بما فيه الطرد والتهجير القسرى) لبعض الأسر المسيحية هنا وهناك؟

لاحظ أننى فى كل ذلك لم أشر إلى الحوادث الإرهابية التى ارتكبت بحق الأقباط المصريين من قتل وترويع وخطف والاستيلاء على محلات الذهب كغنائم.. إلخ فقط أشرت إلى عشرات السلوكيات والأفكار الطائفية العنصرية، التى تفرق بين أبناء الوطن الواحد متخذة من الدين ستارا لممارسة علاقات القوة فى ظل مفاهيم رجعية عن «الأغلبية» ضد «الأقلية»!

•••

قطعا أعلم أن هناك الكثير والكثير من الوسطيين هنا وهناك، لكن تزايد وترسخ الأمثلة التى قصصتها سابقا توضح بعمق حقيقة الأزمة، التى نعيشها بخصوص قضية المواطنة، وهى فى تقديرى أزمة ثلاثية الأضلاع، أما ضلعها الأول، فيتمثل فى هذا الجهل الرهيب بحقائق تطور الدولة القومية الحديثة التى تجاوزت عصر الإمبراطوريات وفكرة الخلافة، دولة قوامها شعب وأرض وحدود وسيادة. الرابط الأساسى بين مواطنيها هو رابط الوطن ومن ثم المواطنة المحددة بواجبات وحقوق ينص عليها الدستور، يرأسها موظف أعلى لا خليفة ولا إمبراطور، حق المواطن الملتزم بالقانون أيا كان دينه لا مساومة عليه، حقوق هذا المواطن مكفولة بالدستور لا بشريعة هذا الدين أو ذاك، لأمنة ولا هبة من الأغلبية إلى الأقلية أو العكس.

بينما الضلع الثانى متمثل فى تلك الثقافة التى طرأت علينا من بيئات وثقافات مغايرة لنا جاءت متمسحة فى الدين، بينما هى بالأساس اجتهادات بشرية تطورت عبر عقود من تطورات تاريخية مغايرة لتلك التى مررنا بها فى مصر، فرضت علينا أشكالا معينة من الملبس والمظهر وطريقة الكلام وليست بالضرورة مناسبة لنا.

ثم يأتى الضلع الثالث والأخير والمتمثل فى هذا الخلط العجيب بين الدين كرسالة سماوية راقية خاصة بالعلاقة بين العبد وربه، تضع أساس وقوام للعلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بينما تترك البشر للاجتهاد والتطور بما يناسبهم ويناسب تطور عصرهم وعقلهم وحضارتهم طالما حافظوا على هذا القوام، وبين الدين كأداة اخضاع وسيطرة فى ظل علاقات القوة بين مؤمنين وغير مؤمنين، أو كأداة حشد خلف برامج سياسية أو حزبية، أو كأداة تأثير وصناعة للرأى العام من خلال خلق أيقونات مقدسة لإيهام البشر وتكتيلهم. تعرف الدول الحديثة وتقبل وترحب بدور الدين الوعظى والروحى والاجتماعى والثقافى والاقتصادى، لكنها ترفض تحول الدين إلى أدوات إخضاع أو حشد أو تأثير، وما زلنا فى مصر لا ندرك هذه الحقيقة البسيطة.

•••

فى مصر يكثر الكلام عن عناق الهلال للصليب، عن تلك العلاقات الودية التى تغلف العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين، هذا صحيح ولكن تطورات كثيرة حدثت خلال العقود الماضية تكاد أن تفسد العلاقة، خاصة مع الإصرار على التعامل مع غير المسلميين كرعاية أو «أهل ذمة»! عفوا هذه مصطلحات لا تناسب التطورات البشرية الحديثة، فلماذا نحمل أنفسنا بتطورات تاريخية مغايرة لطبيعتنا الحديثة؟

لن تنهض مصر أو تتطور قبل أن يعود الدين إلى لعب دوره الروحى بعيدا عن استغلاله بواسطة رجال يحتكرون الحديث باسمه، أو رجال سياسة يستخدمونه كأداة للحشد أو التعبئة أو التأثير، أو حتى بواسطة مؤسسات دينية أضحت تتخطى الدور الروحى، لتصبح دولة داخل الدولة تأمر وتنهى وتحتجز وتفرج! أثق أن مصر ستتجاوز هذه الرجعية، لكن متى وبأى تكلفة.. يظل هذا سؤال مفتوح.

نقلا عن الشرق


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع