بقلم: عـادل عطيـة
في موكب عيد الأضحى، في ذكرى الكبش الذي قدمه الله لخليله ابراهيم، بديلاً عن ذبح ابنه، تتزاحمني أفكار جمة، يدفعني بعضها إلى الماضي، الذي يطوي وراءه ذكريات عديدة، ويجبرني بعضها الآخر على الوقوف متلفتاً يمنة ويسرة، متأملاً في هذه الاحتفالية، التي تضج بأهازيج تصطبغ بطابع الحزن العميم!
ليس لأننا شعب تعوّد أن يقول مع أريج أفراحه: "اللهم اجعله خيراً"!
وانما لأننا نحيا في هذه الحقيقة القاسية: ان هناك جماعات دموية، تقدم أضحيّات بشرية، على مذابح مطامعها المتشارهة، باسم إله لا يوجد إلا في خيالهم؛ لأن الله الذي نعرفه ضحى بالحيوان من أجل الإنسان، أما هم فيضحون بالإنسان من أجل الحيوان المتوحش الذي بداخلهم!
بعضهم، يستغل المكانة المرموقة ليوم الجمعة، باعتباره، إسلامياً: أفضل أيام الاسبوع، وعيداً لأيامه؛ فجعلوه، بفتوى شرعية، يوم: "عيد أضحى"، إسبوعي!
وبعضهم يرى أن كل يوم يمر عليهم، وهم يجزّون فيه الرقاب البشرية، ويلقون بها، بشغف، على طرقات الذئاب، والكلاب؛ لهو يوم: "عيد أضحى"، في حد ذاته!
ولأن الذنب بالذنب يُذكر؛ فقد حدث، في أحد أيام طفولتي المبكرة، أن خبطت رأسي بالكرسي، فإذا بأمي توقّع على الكرسي القصاص، بدلاً من معاقبتي أنا؛ لأنتبه لنفسي مرة أخرى!
أعترف لكم، انني وجدت في تصرّفها هذا، متنفساً للصعداء!
ولأن هذه الحكاية ليست حكايتي لوحدي، ولأنها حكاية كل أم؛ فلا تزال عملية نقل الذنب كائنة في أعماقنا، ولا يزال قلبي وقلبكم يجد الراحة والسلام، حينما ننقل آثامنا السوداء ونضعها على آخر، حتى ولو كان هذا الآخر هو الشيطان، ألسنا نتهمه، جميعاً، أنه وراء كل شر؛ فنذبحه معنوياً؛ لنخرج من الذنب بلا ذنب!
وكما حمّلنا الرجيم، جرائمنا المبتكرة، حمّلنا ذكوريتنا، بشراً، وطيراً، وحيواناً، أنانيتنا!
فالرجال يُدفعون إلى ساحة الوغى؛ ليكونوا أكثر ضحايا الحروب، بينما النساء في بيوتهن في الحفظ، والصون!
وعند اعداد طعامنا اليومي، فإننا:
نذبح الديك، ونترك الدجاجة؛ لأنها تبيض!
ونذبح العجل، ونبقي على الجاموسة؛ لأنها تلد، ولأنها تدر اللبن!
ونذبح الخروف، بينما النعجة نطلقها لتتمتع بنعمة الحياة، دون أن تذرف دمعة واحدة على شريكها في المأمأة!
قد يكون في ذلك شيء من المنطقية، لكن العجيب: أن يتم هذا التصنيف بمعرفة الذكور، وبيدهم!
انني في عيد "الايمان والامتحان"، أحيي كل الانعام، التي لا تزال تُنحر في أواني التاريخ البشري، حتى أصبحت من الرموز المجيدة للبذل والعطاء، والتضحية، والفداء!
والتي لا تزال تخجل الكثير من بني البشر، الذين لا يكفّون في مواسم الزلفى، عن الهتاف عالياً من أعماق الحناجر، مرددين في صدى متتابع لا ينتهي: "بالروح بالدم نفديك يا فلان"!
فإذا ما جاء يوم الوفاء، والعطاء.. كانوا: أول من يبادر بالادبار، والهروب في الظلام!
صحيح أن الروح غالية جداً "فيا روح ما بعدك روح".. ولكن الصحيح كذلك: ألا يقدم مثل هؤلاء المرائين أرواحهم على طبق من كلام ولو كان من فضة، فالسكوت في هذه الحالة ليس من ذهب، فحسب، بل ومن حياة وحياء!...