بقلم: ماجدة سيدهم
هذا الصباح يختلف ،كان لوقع إزاحة الستارعن النافذة نكهة الأناقة ، انعكاسات الضوء على زجاج النوافذ المقابلة دعوة لمغازلة شهية "مرحبا" لذا في وجه التوقع ابتسمت وأنا أجذب إلى رئتاي كل انتعاشات الهواء البارد ثم أطلقها بنشوة التمهل اللذيذ، ليس لدي سرا لهذا للتأنق لكن أيضا لا أعرف لماذا كثيرا ما أستيقظ فجأة مبلل جسدي بحزن رمادي وفزع غير مبرر، أرتطم برتابة التفاصيل اليومية كي أهرب من ملاحقة وحشة الخروج عن سرير الاتساع والتعب، يقودني ثقل الخطوة إلى طاولة هناك مبعثرة بترتيب علب التوابل ولا وأتذوق الملح ،أعزف عن احتساء القهوة ولا يروق لي متابعة ذوبان حبات السكر ،قطع الثلج لا تنصهر رغم حرارة الافتقاد ،هكذا ينتهي الأمر بمسح وجهى بقطرات من ماء يتدفق عن صنبور بارد ، ما كل هذا الامتعاض..!، أكاد أتنفس ورغم ذلك أصادر بتمرس رغبة حارقة للبكاء ،أُقصِى امتداد الحزن بالمزيد من التجاهل والإنكار،البكاء ضعفوللرجال يُشكل عيبا وهزيمة ،هكذا يكون النمو في سلالة أمي ، شيمة المرء الاّ يبكي ولا يقرب فعل الحزن ،تبكي النساء وتصرخ فقط عند فقد الرجال الذي يعيب رجولتهم فخامة البكاء وروعة الصراخ "لا تصرخ وأنت تـُولد..لا تصرخ وأنت تـُختن ..لا تصرخ وأنت تثور ..وأنت تضاجع ..وأنت تموت ،أوصيكم بالنساء صلفا الاّ يسمع لهن حسا تحت ثقل جرارهن وحتى عزاء أكفانهن " تحلـّى يا نسل أمي بالضمور فشيمة تجاعيد الضفاف هنا أن تصابوا جميعكم بعنة الصراخ ،اختزل حزنك ولا تبكيه حتى يتخثر مذاق الملح إلى من كلس وجرح وقسوة .
نحن لا نصرخ لأننا آلفنا الحزن- الخائفون لا يرثون فرحا -لأننا لم نحب حزننا فنذهب نتبارى وننتزع ما تعلق منه بالوجدان حيث يتراكم في خزانة الخرافة التي لأمي، هكذا لا يتنفس وأيضا لا يموت حتى يصبح وشما ، صبارا موؤدا ومنتصبا على كل محاولة لابتسامة ما تـُختصر ..
جلـّوا حزنكم ولا تقاوموه واطلقوا له عنان التنفس ليتمدد حتى أطراف الصرخة ولذة البكاء ،احترموا حزنكم واستمتعوا باللعبة –لعبة التنفس بعمق - فلا يتسلط ثقله على حياتكم فتدركون فيما بعد فرحا واتساقا بدواخلكم ،الغيمات أدركت هذا فهي لا تفرط في أي قطرة من تجربة ما امتلأت بها حتى متى اكتمل زمن شجنها .. تـُحدث رعدتها وتجهش بالهطول قزحا فتنبت الحقول بهجة وشبعا وترحل في هدوءً..
*الحزن مدهش -جذاب ، كائن حي ،بذرة حريرية طبيعيه في المعترك ،يتنفس وينمو وينضج ثم يتوهج بالصرخة فنلتذ تباعا طعم عصير المقل المالح حينها يخف ثقلنا ونصبح قابلين للطيران ، بينما ما يختزن من شجون في بيادر العمق هو مسحة الحزن الوردي الذي يضفي لعينيك بريقا غامضا ولابتسامتك سحرا خالصا ويدفع بالقصيدة إلى الإثارة والتغيير، الشجن منبت العبقرية لإبداعات شاهقة تقودك إلى صوفية الهدوء والفهم معا ..
* للوقت دعوت حزني على طاولة الاحترام كي يتنفسنيويتجرعني كأسا من مساحات البوح، انتـَشى جدا واعجبه تواتر الشهيق والزفير حتى ثمل بكاءً ،فرغ الكأس وقارب الليل على النعاس وفي الصباح كان رذاذ النهار مختلفا وكان لوقع إزاحة الستائر كلها نكهة الأناقة ، ربما هذا المساء يحمل الكثير من المفاجآت فثمة انطلاقة بارعة غير محسوبة قد تحدث ..!
ولم ينته بعد ..