الأقباط متحدون - أحلام بين زمن فات وآخر آت
أخر تحديث ٠١:١٨ | السبت ٢٧ سبتمبر ٢٠١٤ | توت ١٧٣١ ش ١٧ | العدد ٣٣٣٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أحلام بين زمن فات وآخر آت

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

بقلم: فاروق عطية
كلما توالت الآحداث تأخذنى الذكريات، ويختلط عندى الماضى بالحاضر فى مقارنات بما كان يحدث فى ماضى الزمن الجميل وما يحدث اليوم، ولا لوم على الزمن، فما الزمن إلا ساعات وأيام وشهور وسنين تترى بلا تغيير، ولكن ما يتغير هو الإنسان، الضمير والفكر والوجدان. كان الناس في الزمن الجميل طيبين متحابين يتزاورون ويتوادون دون النظر للدين أو التوجه السياسي أما الآن فقد نغير الحال وأصبحت الصداقات زائفة وكل لا يقيل الآخر المختلف دينيا أو سياسيا حتي وصل الحال إلي التخاصم والتباغض الذي يصل أحيانا للتقاتل, وظهرت جماعات تدعي الإيمان وهي بعيدة كل البعد عن الإيمان, أمثال جماعة بيت المقدس والنُصرة وداعش وغيرها من الحركات التكفيرة الضالة.

وبمناسبة اقتراب موسم الحج, أذكر في الزمن الجميل كيف كان الناس يستعدون للحج لبيت الله الحرام وكيف كانوا يبذلون من مشقة وعنت. البعض يمشي سيرا علي الأقدام من بلدته حتي محطة كبري الليمون بالقاهرة حاملا متاعه علي كتفه ليأخذ القطار إلي الأردن ومنها إلي الحجاز. والبعض سيرا علي الأقدام في الصحراء حتي يصل لميتاء السويس أو رأس غارب علي البحر الأحمر ليأخذ العبارة إلي البلاد المقدسة, يحدوهم الإيمان الحقيقي وطلبا لرحمة الله وغفرانه, أما الأن فحدث ولا حرج عن العخغخة والأبهة والسفر علي أرقي المواصلات من بواخر وطائرات, يحدوهم الحصول علي رخصة الحاج التي تغتح لهم الأبواب دون النظر للتوبة أو المغفرة ويعودون من حيث ذهبوا ليمارسون ما كانوا يمارسون فبل الحج من سرقة ورشوة وضلال وكأنك يا أبا زيد ما غزيت. وكلما زاد الفقر في البلاد قل التراحم وزاد عدد الحجاج والمعتمرين مرات ومرات, ولا يفكر أحد في الاكتفاء بحجة واحدة وانفاق ما يصرف علي الحج مرات أخر علي الفقراء كنوع
من التكافل بين الناس. ورغم ما تعانيه مصر من مشاكل اقتصادية طاحنة نتيجة توقف دولاب العمل لثلاث سنوات عجاف عمت فيها الثورات الفاشلة والتظاهرات المستمرة, حتي هرب المستثمرون وتلاشت السياحة وتضب معين الغاز الطبيعي لكثرة ما استهلكناه فيما لا يفيد, وبالرغم من ذلك نجد الدولة تشجع المزيد من الحج وبالطبع يتبعه المزيد من التدني الاقتصادي وطلب المعونة من الأصدقاء, وأظن أن الدولة لو كانت جادة لحددت عدد الحجاج ومنعت من حج مرة بالاكتفاء, أو لمنعت الحج لعام أو عامين حتي تسمح الظروف, حيث أن فريضة الحج لمن استطاع إليه سبيلا, ومصر الآن لا تستطيع إليه سبيلا.

   أيضا عنّ علي فكري المقارنة بما كان يحدث في شهر الصيام أيام الزمن الجميل وما يحدث الآن, رحت أفكر وأقارن. افكر فى معنى الصيام بل والعبادات، قلت لنفسى نحن المحتاجون لعبادة الله وليس هو بجلاله محتاج لنا، فرض علينا الصلاة لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وفرض الصيام ليس لتجويعنا هباء ولكن ليشعر الصائم بجوع المحتاج والفقير، وللامتناع عن شهوات الجسد والسمو بالروح. أقارن بين ما كان يحث فى رمضان أيام الماضي الجميل، أتذكر الناس البسطاء المتدينون بالفطرة الصائمون بحق، وهم يمدون موائدهم البسيطة خارج البيوت، مناضد صغيرة متلاصقة من جميع البيوت فى الشارع، بيت عم محمد الدكش وبيت عم حسن عواد وبيت عم مينا باخوم وبيت عم جرجس باسيلى وبيت الحاج حلمى محمود وغيرهم لا أتذكر الأسماء. منهم من ينتظر آذان المغرب ليفطر ومنهم من يشارك ليتناول العشاء مع الصحبة والأحباب. موائد بسيطة من أطباق الفول والباذنجان وما تجود به القدرة من بعض لحم أو سمك. منتهى القناعة والرضى يتبادلون الأطباق فى سعاة مع اكواب العرقسوس أو الليموناده، لا فخفخة ولا تحويش ولا استدانة حتى تمتلئ الكروش، لكنه التبلغ بلقيمات والحمد لله. أما اليوم فقد نسى أو تناسى الناس حكمة الصيام، وتعالو نرصد ونحلل حقيقة ما يفعله معظم الناس الآن. يوفر الناس طوال العام بل ويقترض بعضهم حتى يستطيعوا شراء مستلزمات شهر الصيام من ياميش وعصائر ولحوم وما لذ وطاب من أطايب الشراب والطعام، والدولة من جانبها تشجع هذا الجشع الاستهلاكى فى شهر الصيام، تستورد لهم وتوفر ما لم تستطع توفيره طوال العام، بذلك يتحول الصيام من وسيلة توفير للطعام لوسيلة سفه استهلاكى وتبذير للموارد. كان الناس فى رمضان الزمن الجميل يتعبدون ويتزاورون ويسهرون فى سمر على المصاطب حتى السحور، اما اليوم تتسابق القناوات الأرضية والفضائية لملئ ساعات الليل والنهار بالمسلسلات والتمثيليات الجيدة والهابطة، وينساق معظم الناس لمشاهدتها مفضلينها عن التعبد والتهجد، ويتحول الصيام من وسيلة لتهذيب الجسد والسمو بالروح إلى عكس ذلك تماما، حتى تحول شهر رمضان المعظم من شهر الصيام الي شهر الطعام والمكسرات‏، ومن شهر القرآن الي شهر الفوازير والمسلسلات‏، وبدلا من أن ينخفض فيه استهلاكنا من المواد الغذائية نتيجة الصيام‏ يرتفع بشكل مذهل وكأننا قد أصبحنا فجأة أمة من المفاجيع‏!. كان الصيام فى زمن الحب يهدئ النفوس ويشذب الأخلاق وينسى فيه الناس الضغائن والعداوات، أما اليوم نلاحظ فظاظة وانفلات اعصاب معظم الناس فتكثر المشاجرات والتشابك بينهم بأقزع الألفاظ والتشابك بالأيدى لأتفه الأسباب متعللين بنرفزة الصيام، وما يغيظنى قولهم بعد كل شجار: اللهم إنى صائم، كأن الصيام رخصة لانفلات الآعصاب..!

كنت اتمنى فى هذا الشهر الكريم أن يكتفى الصائم بلقيمات يسد بها رمقه حتى يحس ويشعر بإحساس وشعور الفقير والمحروم ويهب بمنح ما وفره من طعام فى شهر اصيام لمن حرمهم جشع الإنسان من وفرة ورغد العيش. كنت أظن الدولة تتسابق فى توفير الطعام ليكون فى متناول الشعب المطحون طوال العام وليس فقط فى شهر الصيام، بل كان من الواجب رفع أسعار السلع الاستفزازية فى شهر الصيام بنسبة معلومة لتنفق منها على الملاجئ وبيوت اليتامى والمعوزين. كنت أتمنى أن ترق الطبائع وتسود المحبة والتكافل ليس فى هذا الشهر فقط ولكن يستمر مفعول الصيام طوال العام. وأمامنا اليوم بعد فورات الخريف العربي وكارثة حكم الإخوان وهبّة 30 يونيو, الآن وفورا مهمة عاجلة في تقديم المساعدة لأبناء مصر المطحونين والمحترقين بنيران الغلاء. ليس الأن وقت الحديث عن محاكمة ومحاسبة الذين تسببو فيما حدث، ولكم الآن وقت التضافر لإنقاذ مصر من كبوتها والوقوف جميعا صفا واحدا لعودة صمودها وعودة ريادتها. ومن حق الفقراء والمعوزين جانبا من أموال الزكاة التي يتصدق بها أصحابها خلال شهر رمضان أن تخصص إلي هذا الدعم العاجل المطلوب حتي نبني مجتما قويا متكافلا كما كان. أليس الفقراء والمعوزين أولى بالأموال التى تنفق على العمرات الرمضانية والحج الذى فرض فقط على من استطاع إليه سبيلا، والذى يؤديه بعض الناس فقط للحصول على لقب حاج..؟!!

اليس من حق الفقراء والمعوزين على رجال الأعمال‏ أن يساهموا بجزء من أموالهم التى جمعوها من قوت الشعب الجائع بدلا من بعزقتها على نزواتهم النسائية وجرائمهم التى يندى لها الجبين, مطلوب مساهماتهم الجادة في تخفيف أوجاع المطحونين. إن قوة أي مجتمع تكمن في قدرته علي التماسك عند الشدائد والكوارث الناتجة عن القدر او الإهمال، كما تكمن في قدرته علي ضم جميع الفقراء تحت مظلة الدولة وإشعارهم بأنهم مازالوا في وطن عطوف وقادر علي تخفيف أحزانهم‏، ومصر عبر تاريخها كانت قوية وقادرة علي ذلك‏. وفى النهاية لا يسعنى غير أن اردد الآية القرآنية من سورة الإسراء التي تقول‏:‏ وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها‏، فحق عليها القول فدمرناها تدميرا‏.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع