بقلم: ماجد الراهب
كلما عجزت عن فهم الواقع أهرع إلى ماضى بعيد أستمد منه فخرا وأعتزازا وأتجرع جرعة أمل حتى لا أتقيىء مستقبلا أخشى إقباله .
لا أعلم شغفى بالماضى ، فربما أجد فيه متنفسا لما أريده ، وربما يحرر نفسى من قيود دفرها واقع مرير أرفضه بكل شدة لأنى قرأت وتمعنت فى زخيرة حضارية المفروض أن تضعنا فى مصاف رموز الدول .
ولنبدأ بكيف كنا ....... أسماء صنعت مجدا ولكن للأسف نتناساها عمدا وحقدا وغباءَ .
وأتخيل لو كانت شعلة التنوير مازالت متقدة نحملها من القرن الثانى الميلادى لكانت مصر سيدة العالم بفكرها وعلمها وفنها .
بنتينوس إسم يجهله الكثيرون ولكنه حفر إسمه فى السجل الحضارى للكون كله
أول من وضع الأبجدية القبطية ، مستخدمًا الحروف اليونانية ، مضيفًا إليها سبعة حروف من اللهجة الديموطيقية القديمة ، وبهذا أمكن ترجمة الكتاب المقدس إلى القبطية تحت إشرافه يعاونه في هذا العمل العظيم تلميذاه اكليمنضس وأوريجينوس .
كما ترجم بنتينوس الكثير من الأدب المسيحي إلى هذه اللغة بكونها آخر شكل من تطور اللغة المصرية القديمة ، وبدأ الكتَّاب يستخدمونها عِوض اليونانية .
عرفت اللغة القبطية أوج إزدهارها في الفترة السائدة بين عامي 200 م - 1100 م حيث كانت اللغة السائدة ولغة الحياة اليومية ، ثم مالبثت أن تراجعت تدرجيا أمام ضغط اللغة العربية حتى زالت بحلول القرن 16 لكنها لا تزال مستخدمة كلغة صلوات في الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية.
ويرجع الفضل لكشف اللغة المصرية القديمة بجانب شامبليون للقس يوحنا الشفتشى والذى كان يجيد اللغة القبطية وكان يقيم بفرنسا .
اكليمنضس السكندرى يعتبر وبحق هو رائد حركة التنوير فى مصر ( ولد 150 م وتوفى 202 م ) وقد تتلمذ على يد القديس بنتينوس وتتلمذعلى يديه اوريجانوس .
كتب عنه كثير من المؤرخين والكتاب ويعتبر أول من صالح بين الفلسفة والأيمان وقال ان الفلسفة خادمة لللاهوت .
وضع كتاب المربى وهو أول كتاب يضع نظرية التكوين للشخصية الانسانية وطبعا المقصود بالمربى السيد المسيح ولكن يمكن أعتبار المربى هو كل خادم أو تربوى أو رب أسرة .
وقد ورد ذلك فى هذه الفقرة ( المربى عملى وليس نظريا فهو يهدف إلى الرقى بالروح ، مؤدبا إياها لتسموا إلى الحياة الفاضلة وليس مجرد التلقين الذى يكسبها فضيلة ذهنية ) .
هذه الفقرة هى ملخص كامل لأهم نظريات تنمية وتكوين الشخصية ويتم تدريسها فى كل العالم
وقد ظهرت المدرسة السلوكية سنة 1912 م في الولايات المتحدة الأميركية ، ومن أشهر مؤسسيها جون واطسون وهى تعرف التعليم (هو عملية تغير شبه دائم في سلوك الفرد ) وهذا هو نفس مفهوم اكليمنضس .
كما يرجع له الفضل فى وضع مبدأ المساواه فى الجنس ( مدركين أن فضيلة الرجل هى بعينها فضيلة المراة ، لأن إله الأثنين واحد ، كنيسة واحدة ، حكمة واحدة ، إتضاع واحد ، غذاؤهم واحد ، والزواج رابطة يخضعون لها قدم المساواة ، أنفاسهم بصائرهم ، أسماعهم ، معارفهم ، آمالهم طاعتهم جميعها متشابهة ، أولئك الذين لهم الحياة فى الشركة ، لهم نفس التفكير ، يشتركون سويا فى المحبة والتعليم ) .
وقد بدأت المخططات الدولية المتعلقة بالمرأة منذ عام 1949م مع أول المؤتمرات العالمية الذي جاء يدعو إلى عدم التمييز بين الناس جميعاً ، ليس فقط بين النساء والرجال بل أيضاً بين العبيد والأحرار، ففكرة المؤتمر تقوم على إثبات حق الناس في التساوي في الكرامة والحقوق وغيرها .
بعد ذلك بدأت تصدر الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق المرأة فكانت أول مرة خَصَّت فيها الأمم المتحدة المرأة عام 1967م ، حين أصدرت " إعلان القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة " الذي لم يكن إلزامياً، لهذا لم يحصل تجاوب من قبل معظم الدول خصوصاً دول العالم النامي ، مما دعا الأمم المتحدة إلى اعتماد عام 1975م سنة دولية للمرأة وذلك في 28 يونيو من عام 1972م تحت شعار : مساواة – تنمية – سلام واعتقد ماجاء بكتابات اكليمنضس فى القرن الثانى يفوق ما جاء بالقرن العشرين .
أوريجانوس من عباقرة مصر العظام الذى يصعب أن يتكرر ، أصبح عميدا لمدرسة الأسكندرية اللاهوتية فى سن 17 سنة ، وضع مدرسة التفسير الرمزى للكتاب المقدس ويعتبر كتابه هكسابلا " السداسيات " أول محاولة قامت على مستوى علمي في دراسة نصوص العهد القديم وهو عمل ضخم فقد نسق ستة أعمدة متوازية لمقارنة النص .
أول من فسر الكتاب المقدس كاملا ، وأول من وضع مبادىء علم اللاهوت .
ولد أنطونيوس سنة 251 م فى قرية قمن العروس فى جنوب مصر وعندما بلغ عشرين عاما مات والديه فأشتاق إلى حياة الوحدة والتبتل .
هو ابو الرهبنة المصرية ويقول د/ عزيز سوريال فى موسوعته ( أن انطونيوس يعتبر الدور الحق من ادوار تاريخ الرهبنة المصرية بشكلها المألوف ، ذلك لأن ما سبقه فى الواقع يعتبر بمثابة مقدمات مرتبطة مهدت لهذا النظام الجديد.. ويسميه العلماء الرهبنة النصف توحدية .
يرجع الفضل لمعرفة سيرة انطونيوس الى القديس اثناسيوس الرسولى البطريرك العشرون فى عداد البطاركة الاقباط ( 326 م – 373 م ) الذى كتب سيرته وترجمها الى اللاتينية ايفاغريوس وقد ساهمت هذه الترجمة فى نشر الرهبنة وانتشارها بالغرب .
وتأثر بها ايضا الفليسوف اغسطينوس وأقتبس منها فى كتابه الهام اعترافات اغسطينوس ، وذكر احد المؤرخين الالمان " هارناك " لا يوجد نص اثر فى مصر واسيا واوربا مثل سيرة انطونيوس .
ولم يكن الرهبان الاقباط هم اول النساك بل كان هناك نساك يونانيين ويهود وهنود وعرف النسك فى انحاء كثيرة فى العالم ولكن هم أول من أدخل مضمون انسانى خرستولوجى ، ولهذا فأن هذه السيرة مع رسائل انطونيوس وأقواله تعتبر مصدرا هاما لفهم الرهبنة .
وجوه الفيوم القرن الثالث أعظم فنون البورتيريه فى العالم ، الجداريات فن مصرى قبطى أصيل النسيج القباطى أصبح ماركة عالمية على يد الصناع الأقباط ...... الخ
وتطول القائمة أطباء ومهندسين صنعوا حضارة أبهرت العالم كله .
هل أحد يتذكر هولاء ، هل يأتى ذكرهم فى منهج لأى سنة دراسية ، هل هم سبب فخار لنا ، هل هناك دراسات متخصصة فى علوم هولاء أو التفكير فى ترجمة اعمالهم .
طبعا الإجابة معروفة سلفا !!!!!
وهنا نتسائل لماذا نتنكر لتاريخنا وعلمائنا ، لماذا لا نبنى على ما سبق ، لماذا لا يوجد جامعة مصرية فى تعداد أحسن خمسمائة جامعة على مستوى العالم ونحن الذين أحتوت بلادنا أول وأكبر جامعة فى العالم ( مدرسة السكندرية ) .
عارفين ليه ؟ لأننا لم نقرأ كتاب المربى لاكليمنضس ، عارفين ليه ؟ لأن رياح الوهابية فى النصف الثانى من السبعينات عصفت بالتعليم والمعلم والعلم لصالح الهوية الدينية .
عارفين ليه ؟ لأننا سقطنا فى براثن فكر إخوانى سلفى داعشى قاعدى تكفيرى .... الخ
وسقطت منا الهوية المصرية .
ولكن 30 يونيو أعادت لنا بعض الأمل وكان السيسى هو مينا القرن 21 وألتف الجميع مصريين ومصريين فقط حول محاولة تحرير مصر من براثن كل قيود التخلف التى توالت عليها تمزق القماشة القباطى وأفكار اكليمنضس واوريجانوس وأثناسيوس حتى طه حسين ومجدى يعقوب لم يسلموا من شرهم .
آخر الكلام بيقولوا السيدة المسيحية اللى هربت من جبل الطير رجعت وطلعت إنها مخطوفة ومأسلمتش ..... مفيش فايدة !!!!!