بقلم على سالم
كان ذلك يوم الأحد ١٦ يونيو ٢٠١٣، وكانت الجهة الداعية وصاحبة السؤال هى مؤسسة «المصرى اليوم». وكان المدعوون جميعاً من النخبة المنشغلة بالهم العام فى مجالاته المتعددة. كان الزميل الكاتب الكبير صلاح منتصر على يمينى، والمهندس صلاح دياب، مؤسس الجريدة، على يسارى. الإجابة عن السؤال كانت واضحة لكل من له قدرة على التفكير، ولكننا جميعاً كنا نخجل من التصريح بهذه الإجابة التى تُشعِرنا بالخوف والخجل
كانت الإجابة التى نعرفها جميعا هى: رايحين فى داهية طبعا. ولكن التاريخ كان له رأى آخر وإجابة أخرى، أما أنا فقد كنت على يقين من أن نظام الجماعة سيسقط بعد أيام، وفى حوار قصيرــ أثناء المؤتمرــ مع المهندس «دياب» قلت له: «هل تريد أن تعرف المانشيت بتاع (المصرى اليوم) يوم ٥ يوليو؟.. سيكون نقل محمد مرسى إلى سجن العقرب شديد الحراسة».
ابتسم لما أقول باعتباره نكتة، غير أننى كنت جادا تماما، وعموما النكتة عمل من أعمال الجد. لم يكن الأمر يتطلب عبقرية خاصة لمعرفة أن حكم الجماعة ليس أكثر من بناء قائم على غير أعمدة، وأن حركة «تمرد» قادرة على إزالته من مكانه. لم يحدث فى التاريخ أن نظاما يحكم شعبا كان حريصا على معاداة كل مؤسسات شعبه، وقادرا، فى كل صباح
على ارتكاب حماقة تُشعِر الناس بالخوف واليأس والمزيد من الضياع. استبعد المهندس «دياب» كل ذلك، وقال لى إننى شخص مادته الخام هى الخيال. هنا أتوقف مع القارئ، لأقول: الخيال هو الوسيلة الوحيدة لإدراك جوهر الواقع، من المستحيل الوصول إلى حسابات سياسية حقيقية وواقعية بغير استخدام الخيال، أما هؤلاء المحرومون من نعمة الخيال فسيعجزون حتما عن رؤية الواقع كما هو عليه، سيرون فقط أمانيهم وأوهامهم القائمة على غير أساس.
إن توقع سقوط حكم الجماعة، وإعلان ذلك فى هذه الزاوية، لم يكن عملا من أعمال التنجيم، بل هو القدرة على قراءة صفحات التاريخ التى لم يكتبها المؤرخ بعد. لا يوجد على الأرض ما يسمى «الصدفة»، ما نسميه «الصدفة» هو نتيجة حتمية لتفاعلات لا مرئية تحدث داخل اللاوعى الجمعى للشعب. لقد تحرك الشبان، أصحاب حركة «تمرد»، بأوامر مباشرة من اللاوعى الجمعى للمصريين، للقيام بعمل واعٍ، بل شديد الوعى.
وأنا أزعم أننى استطعت قراءة ذلك، استطعت قراءة تلك الصفحة من التاريخ التى لم يكتبها المؤرخ بعد. كثير من الناس يتصورون أن الكُتَّاب يجيدون الكتابة، الواقع أن الكُتَّاب يجيدون القراءة فقط.
فى كل يوم، أنا أرد على إذاعة أجنبية، موضحا لهم أنه لم يحدث فى مصر انقلاب عسكرى، ما حدث هو نفسه ما حدث من قبل، لقد تخلى الجيش عن نظام حكم جعل من الشعب عدوا له، ليس أكثر.
من كتاب «قزقزة فى لب الموضوع»
نقلآ عن المصري اليوم