بقلم: ماجد سوس
عرفته منذ حداثتي . كان كلما يأتي لزيارة الإسكندرية و اعرف بوجوده ، احضّر حقيبتي على الفور حتى يأخذني معه الى الدير . كان رجلا بشوشاً وديعا تبدو على وجهه ملامح الهدوء و السلام رغم انه كان يخدم في عمل مرهق و شاق . فقد سمح له ابيه الروحي ، استثناءا ، ان يخرج من ديره لشراء احتياجات الدير على ان يعود فورا الى قلايته فتجده مهرولا مسرعا في حركته و تشعر انه يقوم بعمل عدة أشخاص في شخص واحد في وقت واحد.
في وسط كل هذا الزخم من العمل الشاق لا تجده يتحدث عن أمور العالم او مشاكله او في الشأن
الساسي او خلافه بل دائماً تجده مشغولا بالسماء.
لن أنسى حينما ادعى عليه شخص ملتحي انه اصطدم بسيارته و تجمع المارة و حاولوا إفهام الشخص ان سيارته ليس بها اي تلفيات او اثار لحادث لكنه أصر ان يأخذ الراهب الى ورشة صديقه السلفي لإصلاح السيارة بعد ان قام بسب الراهب و محاولة الاعتداء عليه و لكن صديقه قال له منفعلا لماذا أتيت به الى هنا و السيارة لا يوجد بها تلفيات ؟ كل هذا و الراهب هادئا مبتسما كل ما يشغله ان يهدىء من ثورة الرجل مطمئنا إياه انه مستعد ان يفعل أي شيء ليرضيه او يدفع له مال للمساعدة .
امام محبة الراهب العجيبة انفجر الرجل في البكاء وقال ما هذا هل انت إنسانا ام ملاكا ، ما هذا الحب العجيب و ما هذه الاخلاق الرفيعة ؟ ! لماذا لم تنفعل علي و انا اهينك كل هذه الإهانات و انت لم تفعل شيئا . و العجيب يا أحبائي ان الراهب كان منظره يبدو ضخما طويلا و عريضا و لكنه يحمل قلب طفل صغير .
قال له الرجل ، متأثرا ، خجلانا من تصرفه ، اريد ان اطلب منك شيئا بعد ان تغفر لي ما فعلته معك ارغب ان تدخل بيتي و تزورني و اخذه معه البيت و عرفه بأسرته و حين تعجبت زوجته من هذا التصرف قال لها لقد علموني خطأا من الصغر على كره المسيحيين و بغضة رجال الدين المسيحي و لكني لم اجد مثل هذا الرجل في حياتي و دون ان يفتح الراهب فاه استطاع ان يغير هذه الأسرة تغيرا جذريا حتى ان الرجل صار صديقا للدير ويذهب كل فترة لأخذ بركة الدير و كان الرجل بلحيته و علامة الصلاة الإسلامية التي على وجهه يدخل الدير متهللا و بصوت عالي يتحدث عن محبة الرهبان و كان يطلب دعواتهم ويرسل الهدايا.
هذا الراهب العجيب يا أحبائي و الذي كانت تصنع معه وعلى يديه عجائب كثيرة هو الراهب بطرس المقاري الذي تنيح في عام 1995 عن عمر يناهز الرابعة و أربعين.
بعد نياحته بأيام فتح الآباء الرهبان قلايته فوجدوا مذكرات كتبها بخط يده عن رؤية عجيبة رهيبة قد حدثت معه . أودّ ان أشاركك بها عزيزي القاريء بالفعل معه و هي موضوع هذا البحث و لأنها طويلة سأركز على أهم ما جاء فيها .
تبدأ الرؤيا بقوله : " طرق بابي سائل ففتحت له فوجدته ملاك الموت ! لأخذ روحي اذ قد حانت ساعتي "..
ومنذ بداية الخليقة و الله يعطي لرجاله رؤى صغيرة لمشاهدة ما سنجده في السماء فهناك دانيال و أشعياء و غيرهم و في العهد الجديد نجد الرؤيا التفصلية التي أخذت منها الكنيسة طقوسها و هي رؤيا يوحنا اللاهوتي الحبيب كما ان هناك رؤيا بولس الرسول و الذي اختطف الى السماء وشاهد أمورا تفوق الوصف وهناك الروسي الذي سجل رؤيته للسماء في كتاب بيع بالملايين تحت مسمى " استعد للرحيل"
نعود لرؤية الاب بطرس حيث يستكمل رؤيته قائلا ".. الواقع ان ساعة الموت رهيبة رغم انتظاري و ترقبي لها زمنا طويلا ، و لكن مقدار رهبتها يتناسب مع مقدار الإهمال في الإستعداد لها
استطرد قائلا " نظرت حولي فى القلاية, ثم تطلعت من النافذة, فلم أجد فى كل الدنيا ما يستحق أن آخذه معي وتفرست فى أعماق نفسى فلم أجد ما يقف على قدم لا كرامه، لا أهانه، لا مركز، لا موضعن لا مديح، لا سب ، لا مال ، لا مُقتنى .." الكل باطل كما قال الجامعة.
" ولم يُسمح لى بأخذ شئ ، لا جميل ولا ردئن ، ما عدا ثوب قديم عمره من عمري – يقصد هنا ثوب المعمودية او ثوب الحياة - أنت لا تراه بعين بشر لكن تراه الروح فقط ، كان أبيضاً، لكنه أتسخ ببقع كثيرة ما بين كبيره وصغيره، فلبسته كى أستر عريي وتوجهت نحو الباب للخروج، ظاناً أن هذا هو الطريق، وأنا ما بين الروح والجسد، فاستوقفني ملاك الموت وأفهمني أن خروج الروح لا يكون عن طريق مادى أرضى، لكنه انطلاق من عالم منظور إلى آخر غير منظور، من عالم محدود إلى عالم أخر غير محدود، من الضيق إلى الأتساع.
وفى لحظه أحسست بروحى تضيق كأنها تخرج من عنق زجاجه دقيق للغاية، ومنه إلى أتساع لا نهائى، وخرجت إلى عالم لا يحده زمان ولا مكان، حتى أنه بنظره واحده رأيت المسكونة كلها فى مُحيط القدير، أو كحبة فى كف الخالق العظيم.
وبقى الجسد مُسجى على الأرض الذى أتى منه ، ورأيت أنه فى تلك اللحظة عينها التى خرجت فيها روحى من جسدى كانت هناك روح أخرى فى طريقها إلى الانطلاق فى مكان أخر من تلك النقيطه التي يسميها أهل الأرض " الكره الأرضية " وهذه الروح رفيقة الموت هى من تقابلت معها لحظة العبور التالية.
دفعني الفضول إلى استطلاع وجوه وأراء وشعور معارفي وأصدقائي وأعدائي السابقين ما بين أقرباء الجسد ورفقاء الطريق وأخوتي فى الرب بخصوص انتقالي. فوجدت الأول حزيناً باكياً وظهرت عليه أعراض قصر نظر روحى.
والثاني كان يتلوى من لوعة الفراق فابتسمت مطمئناً له ومشفقاً عليه، لكنه لم ينتبه إلىّ إذ نسيت أنه لم يعد بإمكانه رؤيتي.
ورأيت آخرين ملتفين حوله( حول الجسد) ما بين حزين وباك، بعضهم حزين، بعضهم لاحت على قلبه ملامح البساطة فكان بحق مشاركاً له آلامه .. والبعض الأخر مجاملاً أما القلب فبعيد عن المشاركة نهائياً فكانت نفس الكلمات تعود إلى قائلها بلا منفعة.
هذه أول مجموعه من الناس، أما الثاني فكان باكياً أيضاً لكنه نوع آخر من البكاء، فأسرع هذا إلى مخدعه وحول رأسه هاله من النور البراق، أدركت أنها الأستناره ، وأخذ يبكى ويقرع صدره ثم يسجد لله ، ويظهر أن ما حدث لى كان دافعاً له ومحركاً إياه للاستعداد بالتوبة.
وثالث كان فى حالة من الابتهاج عجيبة، وهذا كان دائماً محباً لى وللأخوة رأى ببعد نظره امتياز الحياة الأبدية فشارك السماء أفراحها وحبيبه تمام جهاده.
رابع كان فرحاً لكن قلبه كان يكشف عن كآبه وظلمه إذ كان يظن فى منافساً له على مركز، وحاسداً لى على نعمه.
والخامس والأخير كان مصاباً ببلادة الروح فكان غير مبالى بما يحدث مكتفياً بهموم ومسئوليات وأطماع لا تنتهى.
إلى هنا استوقفني ملاك الموت قائلاً لى أنني أخذت ما لم يأخذه غيري ورأيت ما فات وقته وعلىّ أن أعبر الآن العبور الصعب واجتاز ما يمكن لبشر اجتيازه.
وتلفت حولي فإذا بجماعة من الشياطين واقفة شاخصة نحوى ومنظرها قبيح جداً وكان على رأسهم شيطان جبار يخترق قلبه سهم وتبدوا على لحيته آثار نتف وكان قلقاً مضطرب ينتظر لحظة العبور ونتيجتها
ورأيت مقابلهم جماعه أخرى منيرة من الملائكة وهى كائنات بسيطة للغاية ولكنها ناريه لا تتكلم سوى بالأناشيد والتسابيح وأصواتها رقيقه عذبه تلقى فى القلوب سلاماً ويرأسها أيضاً ملاك أحسست بشده أنه تربطني به صله ليست حديثه وكانت هذه الجماعة من الملائكة أكبر عدداً من جماعة الشياطين وأكثر التصاقاً بى وتبدوا عليهم علامات الترقب الهادئ المطمئن.
أما جماعة الشياطين فكانت تتهامس مشيره إلى الثوب الذى ألبسه وتفرست فيهم وفى ما يحملونه فوجدتها شراك وفخاخ كثيرة مختلفة أما وجوههم فكان بعضها مألوف لدى فبعضها كان رفيقاً لى فى بعض الطرق لفترة طالت أم قصرت وبعضها للأسف كان له داله على وعرفتهم دون مرشد فهذا هو شيطان الكبرياءوهذا شيطان الكذب وهذا شيطان السرقة وهذا شيطان الزنا وهذا شيطان النميمة وهذا شيطان الإدانة وهكذا تعرفت على مُعظمهم ونظرت إلى ما يشيرون إليه فوجدت أن البقع التى أتسخ بها ثوبي تحمل كل بقعه منها صورة أحدهم وأنا لا أدرى وانتابني خوف وهلع مريع.
فاقتربت من رئيس الملائكة وسألته عن قائد الشياطين فأفهمني أنه الموكل بإسقاطي ، مستعيناً بمعاونيه من الشياطين الآخرين وبفخاخهم ، فأحسست من ناحيته بكراهيته الشديدة لى ولم تكن تلك الكراهية وليدة الساعة ولكنها منذ ولادتي الثانية بالمعمودية.
وسألت رئيس الملائكة عن السهم المخترق قلبه وعن سبب ما فى لحيته من أثار النتف، فأراني سهم أدركت منه أنه أسكيم الرهبنة أما عن نتف لحيته فقد كان تعبير منه عن غيظه يوم ارتداء الأسكيم، ثم سألت رئيس جوقة الملائكة ( الذي أدركت أنه ملاكي الحارس ) عن سبب تعرفي على بعضهم دون الأخر فأفهمني أن الذين لم أتعرف عليهم هم الشياطين الذين لم أستمع إلى مشورتهم الفاسدة فسددت أذناي عن أصواتهم بناء على مشورة روح الله القدوس الساكن فى أو أنى استمعت لمشورتهم وعملت بها ثم قدمت توبة صادقه فمحيت صورتهم فى ذاكرتي ومن ثوبي بنعمة ربنا.
نظرت إلى الملائكة التمس سلاماً في هذا الموقف الحرج، فعرفت فيهم المحبة والوداعة والبساطة والسلام والاتضاع ، وكل منهم يحمل في إحدى يديه باقة من مختلف الأعمال الصالحة والفضائل التى كان الروح القدس يجعلني أقتنيها وباليد الأخرى كان يحمل سيفاً ماضياً له القدرة على إبادة جيوش الشياطين وملائكة الظلمة، أما هذا السيف فكان كل كلمه تخرج من فم الله.
ثم إذ بملاك الموت يتقدم ويبوق، فرأيت أمامي من ناحية المشرق باباً يؤدى إلى منطقه منيرة جداً لم أستطيع أن أتبينها بعد، لكنني أحسست بلهفه شديدة على دخولها، ومن ناحية المغرب رأيت منطقه أخرى سحيقة لا يظهر لها قرار ومظلمة جداً أوقعت الرعب في قلبي، فأسرعت إلى باب المشرق أريد الدخول والنجاة، ولكن ما أن اقتربت منها حتى ظهر ملاكان في لباس الجنود منعاني من الدخول، وأشارا إلى تلك البقع التي تلطخ ثيابي قائلين : " الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله " وأن لجماعة الشر حق لديك لابد أن تذهب بمقتضاه إلى باب المغرب (نحو الجحيم حيث جحد الشيطان عند معموديتنا).
وفعلاً بدأت أشعر بمجال شديد يجذبني ناحية المغرب، فصرخت هلعاً وسألت رئيس ملائكتي المعونة فأفهمني أن تلك البقع تنجذب بطبيعتها نحو الهاوية، وأنه لا سبيل إلى محوها الآن إذ قد مضى زمان التوبة
ووجدت لدهشتي أن رفيقي الذى آتاه ملاك الموت يمر بنفس الضيقة مع قلة ما في ثيابه من بقع لكنه ينجذب أيضاً نحو الهاوية، فصرخت في اللحظات الأخيرة قبل سقوطي في هوة الظلام السحيق : " أين مسيح الخلاص ؟ !
وندمت أشد الندم على ما اقترفته من ذنوب وعلى تلويثي لثوب ميلادي الثاني وما جره على ذلك من أهوال. ولم يكن هناك من يجرؤ حتى من الملائكة على نجدتي
ولاحت علامات الانتصار على وجوه جماعة الشياطين، وأخذنا أنا ورفيقي في البكاء والعويل وفجأة ، ونحن على قاب قوس أو أدنى من الهاوية ، لاح لنا نور عظيم وبريق لامع، وشخص في لهيب نار، بهي الطلعة، جميل المنظر، رائع الوصف، لا أستطيع أن أعبر عن شدة حلاوته ومحاطا بربوات من الملائكة ذات الطبيعة النارية والقديسين.
وعرفته في الحال دون مُعرف، فسجدت له خاراً على وجهي، ثم رفعت عيني نحوه طالباً معونة ولكن دون أن أنبث ببنت شفه، فقد عرفته، وعرفت محبته دون أن أراه، وتذوقته كثيراً واختبرت معونته ويدا الرحيمة
كانت صورته في قلبي, وللعجب فقد وجدت أننى أشبهه، ولى سمته، وتنطبق على صورته ، ما عدا ثوبي الذى أتسخ، أما الصورة فقد أخذتها يوم ولدت منه في جرن المعمودية, أما وسخ الثوب فعلى مدى عمرى صنعته بخطاياي وبغلاظة قلبي
كنت واثقاً فيه وفى حضوره وفى إنقاذي لأن كل من يؤمن به لا يخزى فمد يده لتلتف حولي فرأيت في رسغه أثر المسمار، جرح غائر، ولشدة ما أدهشني أن الجرح كان لا يزال ينزف !!!!. وأسقط نقطه من دماه من هذا الجرح علىّ، نقطه واحده لكنها كانت كافيه لأن تمحو كل أوساخ ثوبي مما علق به من وساخات خطاياي، وصور الآثم ، وفى الحال كفت الهاوية عن جذبي ناحيتها، وأنقذت من هلاك مُحقق
وعند ذلك دوت صرخة هائلة وإذ برئيس الشياطين يسقط في الهوة السحيقة وهو وجماعته قيدوا في سلاسل الظلام طُرحوا حيث جهنم إذ هو ظلام ولا يجذب إلا أخوة الظلام, ولا يستطيع أن يبقى مادام نور
ثم تلفت حولي فوجدت رفيق الموت ما زال ثوبه متسخاً، وما زال يُسرع نحو الهاوية، فأشفقت عليه وصرخت إليه : " هذا يسوع " لكنه لم يفهم ولم يدرك ما أقصده فتعجبت إذ لم يتعرف على مصدر الخلاص ولم يؤمن به كإله وفادى لذا لم تكن له صورة الفادي، ولم يسعفه الوقت ليؤمن به ولا ليتعرف عليه، ورن صوته حزيناً وهو يهوى فحزنت وتمنيت له لو عرف ما عرفت وآمن بمن آمنت فنال ما نلت
ونظرت فإذا الرداء الذى ارتديه لا يليق إطلاقاً بحضرة الرب فخجلت لكن الرب يسوع ألهى وحبيبي وهو عالم بما يجول فى خاطري أسرع وألبسني ثوبه الناصع البياض , وإذا ببعض خيوطه القليلة قد لمعت ما أن ارتديته
ورأيت عن يمين السيد المسيح أمرآه جميله، رقيقه، ثوبها كله يلمع جداً، كأنه موشى بالذهب لشدة تطابق وانسجام حياتها مع طبيعة الرب، حتى ارتاحت هذه الطبيعة الإلهية على السكنى فيها فصيرتها أكثر لمعاناً من كل ما عداها من البشر, بل من الملائكة, ورأيتها في حنان أمومتها تعطى ثوبها دون أن يفارقها لكل من يسألها معونة من هؤلاء الذين لم يكملوا جهادهم بعد، فتظهر صورتهم أمام الرب كتلك الصورة المحبوبة لديه وهى صورة بر المسيح الفائق فتُعطى لهم استجابة لتوسلاتهم وهكذا كل القديسين الذين أكملوا جهادهم في تسبيحاتهم التي لا تنتهى، فيعطون أيضاً ثيابهم دون أن تفارقهم لكل بشر يطلبهم في ضيفاتهم الدنيوية، كل ذلك في شركه محبة عجيبة.
ورأيت فئة من المكملين تتميز بتاج لامع على رؤوسهم, عرفت منهم البطل أمير الشهداء مار جرجس والقديسة الشهيدة دميانة وكثيرين ممن لم أسمع بسيرتهم على الأرض، لكنها كانت مكتوبة في السماء، وعرفتهم بمجرد رؤيتي لهم وكأنني كنت أحيا معهم
وكانت تفوح منهم رائحة ذكيه وفائقة الجمال وتفوق الوصف هي رائحة دمائهم التي سفكوها على أسم السيد المسيح فنالوا إكليل الشهادة
وجماعه أخرى يحلو لي أن أسميهم جماعة المحبين، كل منهم يمسك قيثارة ويسبح ويتهلل بوجوده على الدوام مع محبوبة جالساً في حضرته بل فيه!!
وجماعه أخرى كانت تتميز بأعضاء منيرة جداً في أجسادهم النورانية, فمنهم من أضاءت بطونهم نسكاً, ومنهم من لمعت رؤوسهم إذ لم يكن لهم أين يسندونها, ومنهم من أضاءت أرجلهم إذ جالوا في البرارى مُعتازين مكروبين ينادون ببشارة الملكوت وآخرين عُذبوا ولم يقبلوا نجاه فنالوا عوض عذاباتهم مجداً وإشراقاً فائقاً إذ أضاءت أعضائهم المقطوعة أو المعذبة.
أما أنا فقد جاءني أحد الملائكة المخصصين لخدمة العتيدين أن يرثوا الخلاص وأجلسني فى نهاية الصفوف كلها، إذ كان ثوبي أقل لمعاناً ولكن الحق أننى كنت شديد الفرح والقناعة إذ لم أكن أحسب نفسى أهلاً أن أكون في هذا الموضع ولا أن أشترك في هذا الخورس السمائى لهذه التسبحة المتوافقة والمنسجمة بما يفوق الوصف، ولا أن أرى ما أراه، ولا أن أحيا ما أحياه
وانتبهت وتلفت حولي فإذا بي لم أكمل جهادي بعد، وإذ بي ما زلت في الجسد ،أما اشتياقي وحنيني إلى السماء فقد التهب وتوهج على الرجاء، فصممت على أن أبدأ في غسل نفسى في دم الخروف استعدادا ليوم اللقاء وخوفاً من العبور المرهوب.
هذه يا أحبائي رؤية الأب بطرس المقاري الذي بعد ان انتهى من رؤيته طلب من الأب متى المسكين اعفاءه من الخروج من الدير و كمل بقية حياته في توبة و دموع حتى يبيض ثوبه مره أخرى و هي رسالة لكل شخص فينا ان نستعد حتى و ان اتى ملاك الموت يجدنا مستعدين و ان كانت هناك خطايا فلنلقيها على المسيح ليبيّض ثوبنا كالثلج و لا تخف لأنه يوجد معنى مسيح الخلاص الذي لن يتركنا نهلك.