استيقظت من نومك. سجل لحظة الاستيقاظ. الآن وقبل أن تنهض من السرير.
تبدأ يومك. سجل أنك تستحم، وأنك ترتدى ملابسك. وتتناول الإفطار. آلة التسجيل بها كاميرا. استغلها لتصوير الطعام الفناجين. القهوة. الخبز. عليك إثبات كل شىء. بالوثائق والصور.
تهرول مسرعا لعملك. لا تنس تسجيل لحظة خروجك من المنزل بلقطة.
الآن تعرف ما عليك فعله.
فى السيارة تصور نفسك وتكتب ما يجرى أثناء القيادة. تحكى عن مشاعرك هذا الصباح.. عما يحدث بالشارع، حتى نزول المطر، حتى مرور قطة، فأدق التفاصيل بغاية الأهمية.
اعترف وسجل ما قرأته من عناوين. سجل رأيك بالنظام والفساد والحرية. وكل شىء. اكتب قبل أن تنسى.
فى العمل. دوّن كل ما يراودك من أحلام وأوهام وملل وأفكار ثورية وأفكار غبية. كله بدقة وبالصور مع الزملاء إن أمكن.
حدد وقت خروجك من العمل بسجلك الاجتماعى (المريب).
أعد ما فعلت بالصباح بالنسبة لشأن المواصلات، وكل صغيرة وكبيرة تدور فى الشوارع. دخلت السوق. قم بتصوير ما تشتريه. قميص. حذاء. مايوه. سيارة. طلاء أظافر. كتاب. مشط. منزل. جريدة. أى شيء. كل التفاصيل مهمة. أهم مما تتصور.
تقضى المساء تدخن الشيشة مع الرفاق. هذه نقطة حساسة. الأمر يتطلب أسماء كل المجموعة والشواهد بالصور.
ماذا أخبرت زوجتك؟. وما دار مع أبنائك من تعليقات. اكتب ولا ترفع عينيك عن جهازك. أنت عبد لصفحة التسجيل.
قبل أن تنام دوّن رأيك بمعطيات أخبار الثورات والإرهاب. مهما بدا رأيك سطحيا بنظرك. اكتبه. أقلّه لإثبات أنك مثقف ومتابع للأخبار.
تسافر بإجازة. أمطرنا بصورك من كل الجهات. كأنك لم تعرف السفر يوماً. وكأننا لم نسافر أبدا. لا يهم أن تحكى عن ثقافة الشعوب. سجل ما تفعله أنت. محور السجل هو أنت. لذا فمطلوب كل التفاصيل أثناء سفرك. من قابلت. بمن اجتمعت. عما تحدثت. ماذا اشتريت. استمر بتصوير نفسك من الأمام والخلف والمؤخرة والوجه. لا تغفل شيئا. واكتب تحت كل صورة بسذاجة أنا هنا. أنا تحت هذا البرج. فوق ذاك الجبل. أنا أبحر فى النهر والبحر…أنا مع فلان وفلان وفلان.
أثبت فى المحضر كل شىء.
تعيش حالة حب؟ الأفضل أن تذكر كل شىء..
كلما تماديت بإشهار تفاصيل حياتك، حظيت بشهرة ومكانة افتراضية أفضل..
آراؤك السياسية، آراؤك الاجتماعية والاقتصادية والمنحرفة.. أنت تمارس خدمة جليلة.
يقولون إن هذه السجلات ستدفع بالمجتمع للأمام.. أخلاق القاع سترفع المجتمع للأعلى.
اشتم والعن ومارس أقذع الشتائم. لا تهتم. فالسجل يسمح بكل الكلام. المهم أن تتكلم.
تظاهر بأنك تهدف للحرية، وارفع كل الرايات، اخدع نفسك بأن هذه التسجيلات باب جديد للحضارة التى اختفت من المكان. اكذب وقل إنك كنت سببا رئيسيا بكل الثورات. لولاك لما زُجّ مبارك خلف القضبان ولما أُعدم القذافى.
لا تتوقف. فالشريحة الملصقة بأحد جوانب دماغك بانتظار أن تعبئها وتفرغها كل دقيقة أو أقل. أجهد من عمل الصحفى.
اكذب وقل لنفسك إنك صحفى تنافس الصحافة الكلاسيكية. وانغمس بخديعة اسمها (الإعلام العالمى الجديد) وتغاضًَ عن أنها (المخابرات العالمية الجديدة)..
صدقهم بأن كل مواطن أصبح صحفيا يعلن الأخبار ويحللها ويعلق عليها. ينتقد الإعلاميين ويشتمهم. وله رأى بعملهم الذى لا يعتبره وصل للمرموق. الذى لم يقرأ كلمة فى حياته تعلم الدق على المفاتيح وصار منظّرا للإعلام.
لم يعد جهاز المباحث مضطرا لإرسال مخبريه للتخفى وجمع المعلومات. لم يعد مضطرا لاعتقالك والتحقيق معك. فالمجتمع بأكمله يشهر حياته على شرائح ملصقة على قفاه أو برأسه. ليس هناك فارق.
شرائح تم إلصاقها غدرا أو قهرا أو ظلما. لا أدرى. المهم أنها أدخلت بأدمغتنا. اسمها وسائل التواصل الاجتماعى.
نقلا عن المصر اليوم