مازال الحديث عن نيوتن - أو أياً كان اسمه الحقيقى - وعن ظلمه للفراعنة، وأحاول بأمانة أن أبرئ ذمة الفراعنة من المعتقد الراسخ فى أذهان المصريين الآن، ومفاده أن الفراعنة كانوا ينسبون أعمال الأجداد إلى أنفسهم، وعندما نرى هذه الحالة فى عصرنا الحديث نعيدها إلى عادة فرعونية.
ولكى نثبت اهتمام الفراعنة بأعمال الأجيال نرى الأمير «خع أم واست»، ابن الملك رمسيس الثانى، وقد اشتهر بترميم آثار الأجداد ورعايتها، ونرى اسمه مسجلاً على الكثير من الآثار التى قام بترميمها، وقد بنى لنفسه استراحة بين سقارة وأبوصير على هضبة عالية كان يجلس عليها ليشاهد شمالاً أهرامات الجيزة وأبوصير، وجنوباً أهرامات سقارة ودهشور، ويفتخر بنسبه إلى الأجداد العظام.
وهناك حالة أخرى من حالات الحفاظ على تراث الأجداد، متمثلة فيما قام به ملوك الأسرة السادسة والعشرين، حيث سادت فى ذلك العصر نزعة قوية لإحياء تراث الحضارة المصرية بمعابدها ومقابرها المتعددة لتسجيل جميع النصوص الأدبية والدينية والعلمية التى كانت معروفة منذ عصر الدولة القديمة، وقاموا بالعديد من أعمال الصيانة والترميم لمعظم الآثار، وكان لدى الفراعنة ما يسمى «الحوليات» وكانوا يسجلون فيها أعمال ملوكهم وإنجازاتهم، وحين يكون هناك ملك مميز وصاحب فضل كبير كان يتم تسجيل اسمه بالمداد الأحمر لتمييزه عن باقى الملوك، وبعض هذه الحوليات كُتبت بعد مرور آلاف السنين على وفاة الملوك الأوائل، الأمر الذى يعنى أنه كانت هناك كتب ومصادر مكتوبة تؤرخ لملوك الفراعنة، ولذلك استطاع الكاهن مانيتون جمع وكتابة التاريخ الفرعونى فى كتابه «إيجيبتياكا».
أما الملك رمسيس الثانى، الذى نذكره الآن مرتبطاً بسلب آثار الأجداد وكشط أسمائهم، ووضع اسمه بدلاً منهم - وهى معلومة خاطئة، وغير صحيحة على الإطلاق - هذا الملك العظيم الذى ملأ الدنيا بأخباره وانتصاراته، وترك لنفسه آثاراً فى كل مكان لا يمكن له أن يفكر فى سلب آثار أجداده.. فهذا الملك كان مجدداً ومرمماً لآثار أسلافه، عمل على استكمال مبانيهم التى لم تكتمل، وترميم ما تهدم منها، خاصة من عصر الدولة الوسطى التى نهبها الهكسوس ونسبوها إلى أنفسهم، ولذلك استردها رمسيس الثانى ورممها ومحا من عليها الأسماء الهكسوسية وسجل اسمه عليها تخليداً لما قام به من حماية تراث الأجداد.
ولذلك يجب أن نلغى ما يكتبه العلماء عن أن الأمير «خع أم واست» لم يسر على نهج أبيه الذى سلب تراث من سبقه! ويجب أن نقول إن الابن قد تعلم من أبيه أن يحافظ ويرمم تراث الأجداد، فلقد حفظ الفراعنة تاريخهم، ولم يتعد فرعون على آثار فرعون لاحق إلا لأسباب تتعلق باختلاف جوهرى فى موضع الملكية والدين مثلما حدث مع الملكة حتشبسوت والملك أخناتون.. حالتان فرديتان فى فترة ثلاثة آلاف ومائتى عام هى عمر الحضارة الفرعونية من أول أسرة حتى آخر الأسرات.. هذا للعلم والتذكرة.. وللحديث بقية.
نقلا عن المصرى اليوم