وكأن مصر قد أنهت كل مشاكلها ونفضت يدها من متعلقات الماضى، وتهيأت للمستقبل تبحث فيه عن مشاكل جديدة تسعى لاستدعائها بغرض خلق حالة تحدٍّ تتيح لها الحياة والتطور.
وفى الحقيقة أننا خلقنا مجالاً من المشاكل العويصة يحيط بنا من كل جانب، ويهدد مستقبل مشروعات عديدة تسعى الدولة المصرية بكل مكوناتها لإنجازها حتى ننفض يدنا فعلاً عن تداعيات سلبية عديدة خلّفتها سنوات من التخلف والجهل والصراعات غير المنتجة.
ومن بين أبرز تلك المعارك الوهمية ما نطلق عليه معركة «قانون الجمعيات الأهلية» وهى معركة وهمية، لأن مكونات الصراع فيها مثيرة للدهشة، ما بين مجموعة منظمات حقوقية تثير «خناقة» على التمويل الأجنبى، وحكومات متتابعة ترفض الاعتراف بالجمعيات الأهلية شريكاً منتجاً معها وتصر على التعامل معها باعتبارها تابعة لأجهزتها التنفيذية.
الشاهد أننا جميعاً لا نبارح خطوط المواجهة، بل نراوح مكاننا ونعيد إنتاج ذات المكونات تحت مسميات مختلفة، وهو ما تسبب فى أن نتحول إلى مجتمع جامد لا يتحرك للأمام قدر ما يراوح مكانه ويدور حول نفسه.
وبنفس المنطق يمكن أن نتحدث عن قانون المظاهرات، وإصرار البعض على الخلط بين القانون وبين إجراءات سياسية مرفوضة، فالقانون لا بد من احترامه حتى لو اختلفت عليه، ولا يمكن تحدى القانون علناً وإلا تحول المجتمع إلى غابة. ومعاقبة من يخرق القانون واجبة فى أى مجتمع يعتزم احترام القانون، وفى المقابل فإن القانون لا بد أن يحترم الحقوق والقواعد الإنسانية المستقرة ولا يجوز اختراق هذه القواعد أو انتهاكها، لكن مخالفة هذه القواعد من أحد الطرفين لا تمنح الحق للطرف الثانى فى التجاوز السياسى.
المشكلة الحقيقية هى محاولة فرض تلك المعارك الوهمية على المجتمع بما يعرقل قدرته على مواجهة معارك وتحديات التنمية. والحرية الجادة الحقيقية تتيح تماسكاً مجتمعياً يوفر مناخاً لإنجازات وانطلاقات على محاور عديدة تساعد على تهيئة مناخ ملائم لمزيد من الحريات.
بمتابعة سريعة للمشهد المصرى نجد محاولات لجذب المجتمع إلى مشاركات جادة فى عملية التنمية على محاور مختلفة، ومعارك على قضايا وقوانين مهمة، لكنها فى مرحلتنا الحالية تمثل عائقاً لعملية التنمية كونها تسهم فى تشتيت الجهود المطلوبة للتطور.
المؤكد أن معاركنا الأساسية تحتاج إلى إجراءات سياسية مختلفة تقطع الطريق على محاولات اختلاق معارك وهمية لتشتيت جهود المجتمع، أو لإثارة أزمات غير حقيقية تضعه فى مواجهات مزيفة مع المجتمع الدولى.
المطلوب من الدولة المصرية استمرار سياسة المبادرة واختراق الأزمات، كما نجحت خلال الأشهر الماضية فى تحقيق إنجازات متميزة اقتصادياً واجتماعياً فى هذا السياق، والاختراقات المطلوبة الآن تتعلق بالملفات السياسية، خصوصاً أننا مقبلون على الاستحقاق البرلمانى الثالث فى خارطة المستقبل، وسيكون لمكونات أساسية، ومنها الشباب، دور مهم فيها، كما سيمثل هذا الاستحقاق الجدار الفاصل بين قوى التطرف والإرهاب وبين القوى المدنية الساعية لإعادة بناء الدولة المصرية الحديثة مهما كانت الخلافات السياسية بين مكوناتها. دعونا ننفض عنا غبار المعارك الوهمية حتى نلتفت إلى معاركنا الحقيقية.
نقلا عن الوطن