بقلم: سامي إبراهيم
ويلٌ لأمة تمتص دم الإنسان وعقله ومشاعره وجهده بدون أن تتذكره في مرة واحدة.
ويلٌ لأمة لا تعطي لابنها العبقري وردة تقدره بها.
ويلٌ لأمة لا تكرم أديبها وشاعرها وفنانها.
عندما يعطي المجتمع لكل فرد مركزه اللائق به، فإنه يكتسب ازدهارًا ورقيًا وتقدمًا، وأنت عندما تكرم إنسانًا لأنه قدم وأعطى وبذل ومنح، فإنك بذلك تعود لإنسانيك، وتعود للذات الإلهية المتسامية الموجودة فيك، وتحقق بعضًا من العدل في هذه الحياة.
الشعر هو تجربة حسية لحظية يعمل بها العقل والقلب باتقان، والأغاني هي ريشة تحمل أنفاسًا إلهية سماوية مقدسة، وبالألحان تتحقق إنسانية متكاملة.
والأمة الآشورية عليها أن تكرم شاعرها وأديبها وكاتبها وفنانها، لأن هؤلاء المبدعين رصيدهم هو مشاعر الحب لجماهيرهم، ولأنهم يقدمون شيئًا روحانيًا يلامس أحاسيس البشر ويدخل لقلوبهم ويجعلها مفعمة بالمشاعر، لذا عليهم أن يحصلوا على شيء روحاني وعاطفي من هذه الجماهير.
الأمة الآشورية عليها أن تكرّم مبدعيها، كتابًا وأدباءَ وشعراءَ وفنانين، لأنهم يحيون تراث هذه الأمة ويحيون لغتها.. عليها أن تكرّمهم قبل أن يغادروا هذا العالم، يجب أن يخلدوا وهم أحياء، لا أن تنتظرهم ليموتوا حتى تكرمهم.
هؤلاء المبدعون جديرون بالتكريم، لأنهم بأشعارهم وكتابتهم وفنهم يوحّدون أجزاء هذه الأمة، بأغانيهم يعيدون لنا أمجاد الماضي، بأشعارهم يحاربون يأس حاضرنا، بكتاباتهم يبثون في نفوسنا أمل المستقبل، بأغانيهم التي تقول للعالم أجمع: نحن الشعب الكلداني السرياني الآشوري باقون على وجه الأرض، فبرغم المآسي والآلام والأهوال التي مرت على هذا الشعب وضربت وحدته، فإن إبداعاتهم هذه هي كبلسم يداوي هذه الجراح.
أغانيهم تجعل الأطفال والشباب يغنون بلغتنا السريانية بلهجتيها الغربية والشرقية الآشورية.. كلمات شعرهم تجعل قلب الفتاة يهتز ويرتعش عند سماع حبيبها يغني لها ويهمس في أذنها أغنية من لغتنا السريانية الجميلة.
لا يحتاج المهندس لتكريم ولا يحتاج الطبيب لتكريم ولا يحتاج الحقوقي لتكريم، لكن يحتاج الفنان والأديب والشاعر لأن يكرم.
"الله لم يخلق مهندسًا وطبيبًا وقاضيًا بل خلق أديبًا وشاعرًا ومغنيًا ورسامًا "هذا ماقاله أفلاطون، وهذا ما يجب أن نفهمه ونستوعبه.
موسيقار مبدع اسمه "أدور موسى" هذا العظيم المنسي في صمت حقول الشمال السوري في بلدة صغيرة، هذا الإنسان الغزير بلحنه كنبع جبار يتفجر من جوف أعماق الروح الإنسانية ليسقي أرواحنا، هذا الإنسان الذي أغانيه أصبحت تغنى على كل لسان، هذا الإنسان الذي أعطى ألحانًا عذبة لجميع الفنانين وباللهجتين الغربية والشرقية، هذا المبدع بعد مئة عام سيقول الشعب بفخر إن "أدور موسى" هو آشوري.
الشاعر الكبير "شابو باهي" صاحب أول مسرحية غنائية حوارية باللغة السريانية في عام 1977 . "شابو باهي" عبقري بالفطرة، فهو شاعر وملحن ومغني، وكاتب كلمات أغانٍ من طراز رفيع وراقي، فالأغنية التي يكتبها "شابو باهي" تحمل في صميم عمقها شعرًا وأدبًا وفكرًا لتنتثر في ثنايا النفس وتنتشي بها الأرواح. "شابو باهي" لم يكتب فقط الأغاني، بل كتب مجموعة من الحكم والنصائح، هذه الحكم جسدت خبرته الطويلة في الحياة، نصائحه كانت دروسًا قيمة للصغير والكبير، وقد دلت هذه الحكم على نضج وعمق فلسفي في الحياة. "شابو باهي" تراث عريق لهذه الأمة وفخر تفخر به الأجيال.
""إيوان أغاسي" مطرب الأمة الآشورية، "إيوان أغاسي" ذلك الولع القومي المقدس، ذلك الذي صارت أغانيه أناشيد قومية. "إيوان أغاسي" ذلك الصوت القادم من وراء البحار، صوته كبحر عظيم أثارته الزوابع، فانتفض بأرواحنا وألهب حماسنا، غنى من أجل أمة واحدة، غنى من أجل شعب كلداني سرياني آشوري واحد، غنى باسم الملايين من شهداء شعبنا الذين ضحوا بأرواحهم على مذبح الحرية المقدس وسقوا بدمائهم أجساد الأجيال التي أتت بعدهم لتبقى أمتنا وليبقى شعبنا حيًا خالدا لايموت. إيوان أغاسي ومعه إنسان عظيم عميق بفكره ورفيق دربه "كوركيس أغاسي" الذي سطر أجمل أغاني إيوان وأعذب الألحان.
في كل يوم "صبري يوسف" يقطف لنا زهرة من حديقة قصائده ليقدمها لنا، في كل يوم يرسل "صبري يوسف" شعاعا دافئا من صقيع الفايكينغ وجليد الشمال ليدفئ قلوبنا بقصائد غزل. في كل قصيدة شعر اقرأها لـ "صبري يوسف" أسمع صوتا صارخا منها يقول: يخطأ كثيرا من يعتقد أن التقدم في الحياة يعني التوقف عن الحب، في كل قصيدة شعر اقرأها لـ "صبري يوسف" أسمع صوتا يقول: الموت ليس بمغادرة الروح للجسد، بل الموت هو ألا تبقى تعشق وتحب.
"اسحق قومي" ذلك النجم الساطع في فضاء أمتنا، ذلك العشق السرمدي في ذاكرة الأجيال، "اسحق قومي" ذلك الألق الوهاج في تراث امتنا، "اسحق قومي" ذلك النبع الذي لا ينضب، ذلك الذي يعطي ويهب ويمنح ولكنه لا يأخذ، "اسحق قومي" هذا الرجل المهيب بطلته، هو من تتجسد به الرجولة بكل معانيها.
فنان تشكيلي اسمه "يعقوب ابراهيم" نال شهادة الدكتوراه من إيطاليا في الفن التشكيلي، أقام عشرات المعارض، هذا الفنان الذي قدم لوحات تراثية للأمة الآشورية، وقدمها في فن تشكيلي راقي، وأظهرها للمعارض الأوروبية مجسدًا عراقة الشعب الكلداني السرياني الآشوري بماضيه واستمرار الفكر الحضاري لأبنائه.
أما "سعيد لحدو" فحكاية أخرى، "سعيد لحدو" برنارد شو الأمة الآشورية، كتاباته من أصعب وأرقى وأنضج أنواع الكتابات، يكتب ألف فكرة في سطر واحد، "سعيد لحدو" يكتب ليقرأ الناس ما وراء السطور، "سعيد لحدو" يترك لمن يقرأه حرية الفهم وحرية التخمين وهذا أقوى أنواع الكتابة، "سعيد لحدو" ثائر جبار بكتاباته، يقاتل في سبيل مبادئه كألف قائد في ألف معركة، أديب وشاعر رقيق في نثره، "سعيد لحدو" انعطاف تاريخي في تراث هذه الأمة.
هناك العديد من الشعراء والأدباء والفنانين، الذين قدّموا ويقدمون كل فكرهم في سبيل توحيد الشعب الكلداني السرياني الآشوري، وفي سبيل إحياء تراث أمتنا، هؤلاء هم من يعطون لشعبنا خصائص تميزه عن بقية الشعوب، هؤلاء هم من يعطون هوية خاصة لشعبنا، فلم يكن يوجد لحن معروف خاص بالأمة الأشورية قبلهم، وهؤلاء هم من يجب أن تعزف موسيقاهم في كل مهرجان وفي كل عيد، أفلا يستحق هؤلاء العظماء يومًا واحدًا في كل سنة لنقيم من أجلهم احتفال تكريم!! فأي تقصير حضاري هذا!
ألا يستحقون أن نخصص لهم يومًا واحدًا في السنة نكرمهم ونجعله عيدًا وطنيًا للشعب الكلداني السرياني الآشوري مثله مثل عيد "نعوم فائق" الذي أصبح يومًا نكرم ونحيي فيه ذكرى رواد الفكر القومي ورجالات الأمة الآشورية.
علينا أن نجعل لهم يومًا في السنة نسميه "عيد الثقافة والفكر" نكرم فيه هؤلاء المبدعين العباقرة، لأن كل ابتكار وإبداع هو تقدم وتقديم حضاري، وكل تكريم يصاحب هذا الابتكار والإبداع هو مزيد من التقدم والتقديم الحضاري.
sami198420@hotmail.com