الأقباط متحدون - الهويات الجزئية والهوية الوطنية
أخر تحديث ١٣:٤٧ | الخميس ١٨ سبتمبر ٢٠١٤ | توت ١٧٣١ ش ٨ | العدد ٣٣٢٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الهويات الجزئية والهوية الوطنية

د. حسن حنفى
د. حسن حنفى

يناضل المجتمع المدنى من أجل تثبيت مفهوم المواطنة الذى يتساوى فيه جميع المواطنين فى الحقوق والواجبات بلا تحيز دينى أو طائفى أو عرقى. ومع ذلك تظهر هويات جزئية تقف حجر عثرة أمام الهوية الوطنية التى يتأسس عليها مفهوم المواطنة. فإذا غاب الكل الموحّد حضرت الأجزاء المفرّقة.

وتتكون الهويات الجزئية من الأقاليم الجغرافية: صعيدى بحراوى، سيناوى وبدوى، فلاح من وادى النيل، وصحراوى من الواحات. وتكون الهوية الجزئية من المحافظات الإدارية: شرقاوى، إسكندرانى، بحيرى، جيزاوى، أسيوطى، قناوى، أقصرى، أسوانى. وتكون الهوية الجزئية من المدن: دمياطى شهرة مطعم الفول والطعمية، إسماعيلى، شهرة فاكهة المانجو، طنطاوى، شهرة السيد البدوى، دمنهورى شهرة السجاد، محلاوى شهرة صناعة المناديل، قليوبى. وتمتد المدن إلى الصعيد، الأقصرى، الجرجاوى. وكلما ابتعد المكان عن القاهرة ظهرت الهويات الجزئية. ففى المدن الكبرى تذوب الهويات الجزئية. ولما كانت مصر منفتحة على العرب، وكان العرب يجدون مصر وطنهم الأول فقد تمت الهجرة إليها. ونشأت أجيال من المهاجرين يحملون هوية المنشأ مثل بيرم التونسى وغيره من المصريين الذين يحملون هوية الأجداد يحملون ألقاب المنشأ مثل السورى والعراقى والشامى والمغربى والسودانى. بل تمتد النشأة إلى أوروبا مثل سليمان باشا الفرنساوى، وهو الكولونيل سيف.

وقد تأتى الهوية الجزئية من المهنة. ويصبح اللقب من مهنة البناء: الحداد، والنجار، والزجاج، أو من مهنة الحياكة مثل الخياط، الصواف، القماش، النساج. وهى المهن اليدوية. وتظهر مهن إعداد الطعام مثل الخباز، الطحان، السمّاك، الجزار، اللحام، الملاح، العطار، الحلوانى، السكرى، العياش، الفران. أو مهن الحراسة مثل: الجناينى، البواب، المخزنجى، أو من مهن الفن مثل الطبال أو من مهن الانتقال مثل الشيال، المراكبى أو من مهن التعليم مثل المعلم، العالم، الفقيه، المدرس، الحافظ. وواضح أن العلم هو العلم الدينى، حفظ القرآن.

كما تؤخذ الألقاب من الحيوانات مثل الحيوان، والنمر، والفيل، والجمل، أو من الطير مثل الطيار وأبو الريش. ويؤخذ من الطبيعة مثل نجم، شمس، قمر، بحر. وتكون الألقاب الرمال، الفلكى. بل تشتق الألقاب من لون البشرة مثل الأبيض والأسود وهناك قبائل بنى الأحمر. وقديماً كان هناك بنوالأزرق، وهو ما يعارض القيم الثقافية التى قامت عليها الحضارة الإسلامية «اسمعوا وأطيعوا ولو أمّر عليكم عبد حبشى».

وما تؤكده الثقافة الشعبية فى جمال الأسمر وأغانيها فى «يا اسمر يا اسمرانى» أو «السمار نص الجمال». بل إنه على الصعيد العالمى هناك النجمة السمراء. وقد تأتى الهوية الجزئية من اللباس مثل الأفندى والشيخ والخواجة أو بلا لباس مثل العريان. وأصبحت عناوين لأنماط فى الفكر العربى المعاصر عند العروى. وهناك هويات جزئية تأتى من السلطة فى المجتمع مثل الباشا والبيه والسلطان والإمام والعسكرى والقاضى. فالمجتمع مازال رئاسياً، يقدس الرئاسة. الله رئيس. والنبى إمام، والعالم مرشد.

ومن الهويات الجزئية ذكر أم أنثى. وهى مازالت موجودة فى البطاقة القومية وكأن هناك فرقاً فى الجنس يؤدى إلى فرق فى الهوية الوطنية. والهوية الوطنية لا جنس لها. بل تقوم على المساواة فى الحقوق والواجبات. هذا التمييز فى الهوية يمتد إلى كل مستويات التربية حتى الفصل بين الذكور والإناث فى مراحل التعليم المتقدمة مما ينبه الطلبة إلى ما لم يكونوا ينتبهون إليه وهو الخلاف فى أعضاء الذكورة والأنوثة. ويتحول الطالب، طالب العلم، والمواطن مصرى إلى ذكر وأنثى، وفى الجامعة تنشأ كليات للبنات. وتثار قضية الاختلاط والحجاب والنقاب.

وتتحول هوية المواطنة إلى هوية جنسية.. ثم تنشأ جمعيات حقوق المرأة، ونسبة تمثيل المرأة فى المجالس النيابية دون التعرض لبعض أصول التفرقة فى قانون الميراث والشهادة وتعدد الزوجات والقوامة. وقبل البطاقة القومية هناك شهادة الميلاد وفيها منذ الولادة تحديد جنس المواطن بتاء التأنيث. ويكفى معرفة الجنس من الاسم لغوياً. ففاطمة أنثى وليست ذكراً. ومحمد ذكر وليس أنثى. ولا يوجد أى استحقاق قانونى لتحديد جنس المولود أو المواطن.

ومازالت تُذكر فى شهادة الميلاد وفى البطاقة القومية الديانة. وهو أمر شخصى لا يؤثر على حقوق وواجبات المواطنين ومساواتهم فيها. ونشكو بعد ذلك من التعصب الدينى. ونبدؤه من الأوراق الرسمية. فى دروس الدين فى المدارس، المسيحية للمسيحيين، والإسلام للمسلمين دون درس واحد فى القيم الدينية مثل المحبة والسلام والتسامح والعدالة الاجتماعية. فتنشأ الفرقة الدينية منذ الميلاد.

وهل جورج أبيض ونجيب الريحانى وبشارة واكيم مسيحيون أم مصريون؟ وهل ليلى مراد يهودية أم مصرية؟ وقد عرضوا عليها الهجرة إلى إسرائيل فرفضت احتفاظاً بمصريتها. فالدين هوية جزئية. والوطن هوية كلية. الدين يفرّق والوطن يجمّع. فإذا أحب مسلم مسيحية أو أحبت مسلمة مسيحياً كانت مناحة فى الأسرتين. وهددوهما بالقتل. وأجبروهما على الهرب. ولا فرق بين المسيحى والمسلم واليهودى والوثنى فى محبة الناس كما عبّر عن ذلك ابن عربى:

لقد صار قلبى قابلا كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان

وبيت لأوثان وكعبة طائفــــــة وألواح توراة ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب دينى وإيمانى

ثم تتحزب الجماعات ويتشتت المجتمع، وتتكون جمعيات وأندية لكل طائفة. وتقع الاحتجاجات الاجتماعية باسم الجماعة وليس باسم الطبقة. ويدافع الشخص عن اللقب بعد أن أصبح هويته. ثم يُذكر اللقب دون الاسم، الاسم الكبير دون الاسم الصغير. وتورّث الألقاب. وتصبح الهوية الجزئية بديلا عن الهوية الكلية أى المواطنة. ولما كانت الأسماء الصغرى مثل محمد وفاطمة صفات فإنها دالة بذاتها ولا تحتاج إلى ألقاب تعطيها هويات جزئية أخرى.

ويضاف إلى الهويات الجزئية المحسوبية والوساطة والقبلية والعصبية وكلها مخططات التجزئة التى تهدد الوطن حاليا. الوطن العربى يتفتت إلى أعراق وطوائف ومذاهب وقبائل، وإسرائيل وطن قومى لليهود يجمعهم من مختلف الجنسيات.

 الوطن العربى طارد لأبنائه وإسرائيل جاذب ليهود العالم من مختلف أنحاء العالم، من الدياسبورا إلى العاليا. الهويات الجزئية تفرّق والهوية الوطنية توحّد. وفى التراث العربى ما يؤكد المواطنة، الأخوة فى الخلق، المشاركة فى الأرض، المصلحة العامة، الهموم المشتركة. المبادئ الستة لثورة يوليو لم تقم على الهويات الجزئية بل على مقاومة الاستعمار والإقطاع والملكية وتكوين جيش قوى حتى لا تتكرر نكبة ١٩٤٨.

وتتكرر فى ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ عندما يشارك الجميع (وفد وناصريون وشيوعيون وإخوان) فى الثورة رافعين شعار الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ثم تتفتت المواطنة إلى هويات جزئية، دينية ومدنية. وتسيل الدماء دون معرفة من القاتل ومن المقتول، من قابيل ومن هابيل.

نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع