إن برنامج (الراقصة) يشكل خطراً جسيماً على الدولة، وسيمنح الفرصة للمتربصين والمعارضين للرئيس لاستغلال هذا البرنامج الأول من نوعه فى الإباحية لمهاجمته، هذا البرنامج يعتبر إهانة للدولة بأكملها داخلياً وخارجياً (جزء من بلاغ مقدم للنائب العام).
لن نقف مكتوفى الأيدى أمام الهجمة الشرسة على الإسلام وأخلاقياته والحرب الضروس على قيمنا وأعرافنا، وهذا البرنامج لا يناسب توجهات الرئيس الذى يدعونا للعمل والتحلى بالأخلاق (جزء من بيان منسوب لعدد من الشيوخ).
حالة من الهجوم والصخب المتصاعد مع بدء إذاعة البرنامج المعنى بمسابقات الرقص الشرقى، بدا فيها أن مصر الرسمية ترفع راية الجهاد الدينى المغلف بالوطنية والهوس الذى أوصل بعضهم للقول إن البرنامج جزء من المؤامرة الكبرى على مصر، موقف الإسلاميين مفهوم ومتوقع لكن موقف السلطة يثير الاستغراب وهى تترك أطرافاً موالية لها تتحرك بهذه الشراسة لوقف برنامج يراه صانعوه برنامجاً ترفيهياً لا يسىء للقيم ولا يصدم المجتمع الذى يمارس الرقص الشرقى فى المناسبات الخاصة كالأفراح والحفلات والمناسبات العامة كالرقص أمام لجان الانتخابات!
كاتب المقال يعرف مقدماً أنه سيناله هجوم مزدوج من المنتمين للتيار الدينى الذين سيقولون: أنت تدعو للفجور والإباحية (وهذا افتراء)، وسيصطف معهم الموالون للسلطة الذين نسوا (حزقهم) على الدولة المدنية والحريات أيام الإخوان، وسيعتبرون أن تناول الموضوع فراغ واصطياد فى الماء العكر، لكن الحقيقة أن المشهد الحالى وصفه ببراعة تامر حبيب، عضو لجنة التحكيم بالبرنامج، قائلاً فى تصريحات منشورة: «الهجوم على البرنامج بهذه الطريقة يؤكد أن كلنا رقاصين، وكل واحد بيرقص بطريقته».
لم تتحرك جموع المثقفين والمبدعين للاعتصام بوزارة الثقافة لرفض دعاوى المنع، لم تعلُ صيحات حماية الإبداع والفنون التى تعودنا عليها قبل ذلك، تطابقت مواقف أغلبهم مع مواقف اليمين الدينى الرسمى وغير الرسمى، ولم يعد هذا جديداً بعد صمتهم على وقف برنامج باسم يوسف ومنع فيلم ثم مسلسل (أهل إسكندرية) لمؤلفه بلال فضل، صار الصمت على ثقافة المنع والحجر جزءاً من الوطنية والدفاع عن الدولة والاصطفاف معها فى وجه الأعداء! (ألم يصدق تامر حبيب فيما قاله؟).
هذا المقال ليس دعوة لعرض البرنامج ولا منعه، ولكنه رسالة إلى من لا يتسقون مع ذواتهم، وإلى من يتلونون بما ترغبه السلطة، حماة الدين وحراس العقيدة لم يزعجهم انتهاكات حقوق الإنسان ولا الدماء التى سالت ولم يروها مخالفة للدين، ولكن أفجعهم هز وسط الراقصات واعتبروه هدماً للدين، وأى دين هش هذا الذى تهدمه خصور الراقصات؟ أما تيار الحزق الوطنى والدولتى فقد ارتدى فجأة عمامات طالبان وصاح بصيحات الدواعش ليثبت أنه لا يختلف عن اليمين الدينى بل هما وجهان لعملة واحدة، لا عتاب لمن يصفون أنفسهم بالمبدعين وقد ابتلعوا ألسنتهم خوفاً من تبنى موقف قد لا ترضى عنه السلطة.. إياكم أن تحدثونا مرة أخرى عن الفن والحرية فأنتم مدّعون، ولا عزاء لليبرالية التى تتمسحون بها.
المبادئ لا تتجزأ، والمتسقون مع ذواتهم لا يخشون المزايدة من خفافيش الظلام، فليرقصوا بطريقتهم فلن نبالى.
نقلا عن المصرى اليوم