حنا حنا المحامي
لا أعتقد أنه يوجد على الكره الارضيه شعب مثل الشعب المصرى. إنه يعانى منذ الفراعنه والاغريق والرومان ثم العرب والفرنسيين والانجليز. وقد انتصر عليهم جميعا فيما عدا العرب فقد ذابوا فى المصريين ولم يكن لهم هم سوى تمزيق مصر وتفتيت مصر فى ظل مبررات عده أهمها موضوع الدين.
كانت مصر مسيحييه ولذلك كانت تمارس تعاليم السيد المسيح فى السلام والمحبه. محبة الغير ومحبة المحتاج. والبادى أن المصريين لم يعتنوا بعد الفراعنه بموضوع حماية الدوله فانغمسوا فى التعاليم الدينيه التى تنص على المحبه والتسامح وحب الغير إلى آخر هذه المثل العليا التى نص عليها الكتاب المقدس. ولذلك كان آخر هموم المصريين هو إنشاء جيش يدافع عن مصر ضد الاحتلال الاجنبى. فتعافب على مصر المحتلون الذين مصوا دماء المصريين واستأثروا بخيرات مصر العميمه.
وكان آخر الغزاه هم العرب. ومعروف غزو عمرو بن العاص لمصر ثم مص دماء المصريين وإرساله إلى شبه جزيرة العرب أيام عمر بن الخطاب الذى انبهر للخير العميم فأراد أن يمتص كل قطرة خير من مصر. فاضطهد المصريين وفرض عليهم جزيه تنوء بها مواردهم الماليه. وكان هذا الاضطهاد تحت ستار الدين ونشر الدين الاسلامى. فما لبث أن اعتنق الاسلام الكثير من المصرين المسيحيين إما حفاظا على ثرواتهم أو حتى يضمنوا الحياه حيث أن من لا يؤمن يقتل إلا إذا دفع الجزيه. وكما نعلم كانت الجزيه سببا ومبررا للثراء الغير إنسانى والذى لم تكن الجزيه فى حقيقة الامر إلا مبررا لنهب الشعوب وخيرات البلاد والعباد.
عقب ذلك جاء محمد على باشا وابنه أبراهيم باشا. وبذكائهما الخارق أدركا أن مصر لن تزدهر إلا بوحدة الشعب وتماسكه وفعلا حققا ازدهارا وتقدما جعل من مصر قبلة العالم اجمع ولعل القارئ يعلم أن الجنيه المصرى كان يساوى خمسة دولارات أمريكيه وكان الجنيه الاسترلينى يساوى أقل من جنيه مصرى. وظل الحال كذلك إلى أن قامت ثورة 1952 وعملت على تفتيت الاراضى الزراعيه مما أدى إلى تجريف الارض والقضاء تقريبا على زراعة القطن. ويقول بعض المحللين أن موضوع تقسيم الاراضى الزراعيه والاصلاح الزراعى لم يكن يقصد منه إلا المسيحيون لانهم كانوا يمتلكون اراض زراعيه شاسعه.
ولو كنا نظرنا إلى مصلحة مصر البحت وكذلك الفلاح كما قيل لظلت الملكيه الزراعيه كما هى ولكن يحدد أجر العامل الزراعى بما يكفل له حياة كريمه والزم صاحب الاراضى الزراعيه ببناء مساكن مناسبه للفلاحين الذين يعملون فى حقله وكذا حد أدنى للاجور يكفل للفلاح حياة كريمه.
ثم تلا إبراهيم باشا اسماعيل باشا والذى ركز على مصر وازدهار مصر فكان أن عمل على شق قناة السويس وأنشأ حديقة الحيوان. وإجمالا كان جل همه أن يجعل من مصر قبلة العالم فى الجمال والعلم والثقافه.
تعاقب بعد ذلك أنواع متباينه من الاحتلال كما نعلم وكانت جميعا تهدف إلى نهب خيرات مصر. ولا أخفى الحقيقه أن عبد الناصر الذى كان يريد أن يلقى إسرائيل فى البحر استنزف خيرات مصر فى أمل غير واقعى ومستحيل وهو إلقاء إسرائيل فى البحر. ولا زلنا نذكر حرب اليمن التى كان ينفق فيها مليون جنيه كل طلعة شمس. وكان الدولار فى تلك الايام يساوى خمسين قرشا. فقد كانت حرب اليمن تستنزف من أموال مصر مليون جنيه يوميا وهو ما يساوى بسعر اليوم أربعة عشر مليون جنيه يوميا. ولم تكن هذه الانفاقات إلا بأمل أن تتوحد الدول العربيه لتكون دوله اتحاديه قويه شأنها شأن أمريكامثلا. وهذا النظر فى حد ذاته كان يدل على نظره غير واقعيه وآمال فى الهواء. كما أن الوحده بين الدول لا تتأتى إلا بالسلام والاتفاق وليس بالعنف والحرب والقتال.
وحدث أن عبد الناصر الذى بدأ مناهضا للمسيحين أن حدثت له معجزة شفاء ابنته بواسطة رجل الله البابا كيرلس السادس. فأدرك عبد الناصر طبيعة الارض التى يطأها والشعب الذى ينتمى إليه أصولا وجذورا. فنظر إلى مصلحة مصر اولا وأخيرا بمعيار التساوى وعدم التفرقه بين مواطن وآخر على أساس الدين فأصبح الجميع سواء أمام القانون وأمام الحق.
ولكن يبدو أن مصر كتب عليها عدم الاستقرار. فقد أعقب عبد الناصر محمد أنور السادات. ولا يمكن أن ننسى العمل العظيم الذى بدأ به حكمه فى تحرير سيناء. ولكن ... وآه من ولكن هذه فما لبث أن استقر به الامر أو بمعنى أصح استقر به الحكم حتى كشر عن أنيابه ولفظ سموم تعصبه فأمر بحبس البابا شنوده فى الدير. وما لبث أن أباح أموال الاقباط فأباح نهب وسلب محلات الصاغه الاقباط فكانوا ينهبون ويذبحون دون حسيب أن رقيب. ورغم أن مصر دوله لها قيم معروفه وعريقه إلا أن السادات استثنى الاقباط من هذه القيم فأباح خطف البنات وأسلمتهن ولم يكن للاسلمه بديل لانه تهتك عرض الفتاه أولا ثم تذعن بطبيعة الحال إلى الزواج. وما لبث أن خرج قمقم الاخوان كالمارد الشارد المتعطش إلى الدم فكان السادات أول ضحاياهم.
ثم تولى الحكم ولا فخر محمد حسنى مبارك. وقد بدأ الحكم بصوره لا يرضى عنها أى إنسان جبل على ذره من ضمير. فقد بدأ ابنه علاء مبارك بأن يفرض نفسه على كبار رجال الاعمال ليشاركهم, ولم يجد هؤلاء الرجال بدا من القبول والموافقه الفوريه حرصا على أموالهم وأعراضهم. ولعل قصة وجيه أباظه لا تزال ماثله فى الاذهان. فقد ذهب علاء مبارك إلى وجيه أباظه وطالبه فى مشاركته فى توكيل شيفروليه باسلوب البلطجه المعروف والسابق ممارسته. حصل وجيه أباظه على دعوه إلى حفل أقامه حسنى مبارك وانتهز أباظه فرصه وتحدث إلى الرئيس مبارك عما فعله نجله علاء. فكان رد مبارك فى غاية الغرابه إذ قال له "اعتبره ابنك يا أخى". فصعق الرجل من الرد وأدرك أن شقاء عمره أصبح قاب قوسين أو ادنى من الهروب. وما لبث الرجل أن سقط فريسة لمستقبل قريب فى أن يضيع شقاء عمره وما لبث أن انتقل إلى رحاب خالقه يشكو ظلم الانسان لاخيه الانسان.
كانت مصلحة مصر آخر هموم مبارك فكان جل همه الحصول على المال والثراء الفاحش سواء له أو لاولاده أو لزوجته السيده سوزان مبارك. وإمعانا فى أعمال البلطجه ونشر الظلم والطغيان عين محمد حبيب العادلى وزيرا للداخليه. وهذه الوزاره كما هو معروف مهمتها الامن والاستقرار لكل أفراد الشعب بلا أى استثناء. ولكن العادلى مارس كل الاساليب الغير إنسانيه وكان يحمى كل من يعتدى على الاقباط سواء على أعراضهم أو أموالهم. وقد بلغ به الاجرام أن محلات التجاره والصيدله الخاصه بالمسيحيين إذا اعتدى عليها يهجر أصحابها من المدينه أو القريه إلى قرية أخرى بدعوى الحرص على أرواحهم وأموالهم. نعم يشتت الضحيه الذى تنهب أمواله إلى أى بلد آخر حرصا على أمواله. منطق أبسط ما يوصف به أنه منطق إجرامى يبيح الجريمه ويعاقب الضحيه. كما أنه أباح خطف الفتيات القبطيات بلا أى إنسانيه أو أخلاق أو أى مبادئ فتكون النتيجه أن يغادر الاب وعائلته القريه أو المدينه هربا من العار الذى لحقه.
وفى الامثال المصريه المعروفه أن الله يمهل ولا يهمل. فما لبث أن انفجر الشعب المصرى العريق وألقى بحسنى مبارك وأولاده والعادلى فى غياهب السجون ثم فى مزبلة التاريخ.
إنى لا اضع ولن أضع أى رئيس لمصر عمل على تفتيت وحدتها إلا فى مرتبة الخونه. ذلك أنه بذلك التفتيت يعمل على إضعاف مصر وتقسيمها مما يحرم مصر من ثمرة جهد خيرة أبنائها. وطبقا للتعداد الامين للمسيحيين فهو يساوى ما لايقل عن ثلث عدد السكان. وعلينا أن نتصور دوله أيا كانت لا تستفيد من جهد ثلث أبنائها. وليس ذلك فقط فإن الطاقه التى تبذل من أجل اضطهاد الاقباط عباره عن خساره يتكبدها الوطن الغالى. وعلينا أن نتصور لو أن عنصر المساواه يتم تطبيقه بأمانه فسوف تتحقق المنافسه الشريفه الامينه ويطبق مبدأ البقاء للاصلح.
أما اضطهاد الكفاءات فيعنى قتل المواهب وحرمان مصر من ثمرة جهد أبنائها الاكفاء. وتكون النتيجه الطبيعيه أن مصر تتأخر علميا وثقافيا بل واقتصاديا وهو الحاصل الآن.
أعقب مبارك أسوأ من وطأت قدماه كرسى الحكم فى مصر الا وهو محمد مرسى العياط. كانت نواياه تجاه الاقباط أسود من قلبه ونظرته إلى مصر نظرة حالكه فلم يكن ينوى بمصر إلا كل سوء وحقد وشر. بحجة أن هذا هو الاسلام.
ولكن هل مصر التى وطأتها أقدام السيد المسيح يمكن أن تترك فريسة للشر والاشرار؟ لايمكن طبعا. إنها المحروسه, إنها أم الحضاره, إنها موطئ الانبياء. وإذا بمصر منارة الاجيال وأم الحضاره والتى أنجبت أفضل أبنائها وهو اللواء عبد الفتاح السيسى يهب لانقاذ مصر وفعلا كانت كل مصر وشعبها الاصيل وشبابها العريق يدا واحده, صرخة واحده, عملا واحدا ونهضة واحده.
ولا شك أنه لزام على أى كاتب يتعرض لتاريخ مصر سواء القريب او البعيد أن يذكر تلك الشخصيه الفريده التى أنقذت مصر من براثن الشر والاشرار. إنها تلك الشخصيه التى أحبت مصر بكل أمانه ونقاء وصفاء. إنه الشخص الوحيد الذى أحب مصر من كل كيانه ووجدانه. إنه الرئيس الوحيد الذى أعطى مصر. أعطاها من ماله الخاص ومن جهده ومن وجدانه. إنه الوحيد الذى جازف بحياته من أجل مصر ومن أجل أن ينقذ مصر من براثن الاشرار. إنه رجل المخابرات الذكى الذى أدرك قبل فوات الاوان نوايا الاخوان تجاه مصر. إنه علم االاجيال معنى الوطنيه إنها الحب, الحب حتى المنتهى. إن حياة مصر لا تقارن بحياة أى إنسان آخر حتى لو كانت حياته شخصيا.
إنه الرئيس المصرى الذى أدرك منذ الوهلة الاولى أن مصر لا يجوز أن تنقسم أو تتجزأ. لقد أدرك عملا لا قولا أن وحدة مصر ووحدة أبنائها هى مكمن التقدم والنجاح. لقد أدرك بطبيعته الصافيه النقيه أن مصر للمصريين وفقط للمصريين لا فرق بين دين ودين أو مذهب ومذهب. لقد أدرك بغريزته الصافيه وخلقه الرفيع أن الدين لله والوطن للجميع. إن الحكام السابقين دون استثناء لم ينظروا إلى مصر إلا من خلال أطماعهم سواء كانت المعنويه والشهره أو الماديه إذ أنها كانت تحقق لهم من المال ما لم يكن يحلمون به. أما هذا الرئيس الاصيل الذى لا ينظر إلا ألى مصر ومصلحة مصر فقط, فإنه أعطاها من ماله الخاص. إنه لم يوزع المراكز والمناصب على أهله ومريديه وأتباعه بل نظر إلى مصلحة مصر أولا وأخيرا.
إنه أول رئيس منذ أن قامت ثورة 1952 يعمل على رفاهية الشعب وللشعب فقط. لا فرق بين مواطن ومواطن على اساس للدين أو الشله أو العائله أو القرابه أو المحسوبيه.
إنه مصر بكل ما فيها من قيم بكل ما فيها من أخلاق بكل ما تتطلع إليه من تقدم ونجاح وازدهار.
ولكن فى ظل هذا المناخ الذى يشحذ الهمم ويرتقى بالاحلام والامال إلى عنان السماء نرى ثله ممن يطلقون على أنفسهم بالسلفيين يهاجمون المسيحيين لا لشى إلا لانهم يعتقدون أنهم يمارسون صحيح الدين والدين منهم براء. إنهم يطلقون سموم التفرقه والانقسام والتعصب المقيت الذى أتى بالشرق الاوسط إلى أذيال العالم, ذلك الانقسام الذى لا يعبر إلا عن أمراض فى النفس تنفث سموم الحقد والشر. لا تؤمن بوطن أو بمصلحة وطن أو نجاحه. إنهم يريدون لمصر أن تتقهقر إلى أذيال الدول فى العالم. إنهم يتبنون مفهوم الاخوان فى التعصب والشر والانانيه. وهذا جميعه سواء كان السلفيون أو الاخوان لهم أفكار مسمومه تصب فى وعاء واحد.
إن هؤلاء الاشرار سواء بأشخاصهم أو بأفكارهم هم الذين جروا مصر إلى مؤخرة الدول الحضاريه. إن أمثال هؤلاء هم الذين جروا إقتصاد مصر إلى الحضيض. لقد انطلق الالاف من الاقباط خارج مصر هربا من الاضطهاد وسد الطريق أمامهم لينطلقوا وتستفيد منهم الدول التى فتحت لهم أحضانها. ولعل هذا هو ما يسعى إليه السلفيون. ولهم أقول إنكم جهله لا يتحكم فى فكركم إلا الشر والحقد والاضطراب النفسى. ولذا لا تؤمنون بمبدأ الوطن لان وطنكم هو البنوك التى تكدسون فيها أموالكم التى تتكدس من الكسب الذى لا يعلم إلا الله مصدره أو أصله.
وإنى أهيب بالرئيس السيسى المصرى الاصيل أن يعمل كما هو على وحدة مصر وقوة مصر ونجاح مصر حتى تكون مصر رائده بين دول العالم.
سيدى الرئيس: إننا فى دول المهجر لا نرى أى تفرقه لاى سبب بين الطوائف المختلفه. ولذلك نجد أن هذه الدول تنمو وتزدهر. وإن وطنى الغالى ليس أقل شأنا من هذه الدول. إنها يا سيدى مسئوليتكم أن تعملوا على القضاء على روح التعصب تلك الروح التى قضت على ازدهار مصر خلال النصف قرن الماضى. إننا جميعا يا سيدى مصريون أصلاء وعلاقة الدين هى بين المخلوق وربه ولا شأن للدوله فى هذا. وإننى أقدم لكم هذا النداء وأعلم أنكم على علم به وعلى تأثيره الايجابى على ازدهار مصر وتقدمها. فلا تعبأ يا سيدى بمن يدعون التدين.
أخيرا وليس آخرا: إن مصر دولة عريقه وقد من الله عليها برئيس مثلك وكلنا أمل أن تكون مصر الوحده هى ما تقدمونه للتاريخ.