نعيم يوسف
في أحد المشاهد من فيلم "السفارة في العمارة" قال النجم عادل إمام، ساخرا من تطبيق التطبيع المصري – الإسرائيلي، وعلاقته بالمواطن، إن "مصلحة الدولة العليا لابد أن تراعي مصلحتي أنا السفلى"، وعلى الرغم من سخرية العبارة، وإشارتها إلى العلاقات النسائية، لبطل الفيلم، إلا أن هذه العبارة بالذات تصح أن تكون قانونا للعلاقة بين المواطن، وأجهزة الدولة.
على مدار عقود كاملة عانى المواطن المصري من ظلم الدولة له، وتسخيرها لمصالحه الخاصة أحيانا للمصالح العليا للوطن، وأحيانا لمصالح أشخاص بعينهم في السلطة، الأمر الذي جعل المواطن لا يعطي أمانا للنظام الحاكم أيا كان، وكما يقول المثل "اللي اتلسع في الشوربة ينفخ في الزبادي"، وهذا هو المبدأ الذي يسير عليه المواطن مع كل الأنظمة، حتى نظام السيسي والذي يراه "قائدا وزعيما ليس لمصر فقط بل للمنطقة كلها". ولكن عندما يتعلق الأمر بـ"قوته وقوت عياله"، و"القرشين اللي شايلهم يتسند عليهم من الزمن"، فإن الأمر يأخذ أبعادا مختلفة تماما، ليس لها علاقة بالوطنية، ولكن علاقتها وثيقة بعدم ثقته في الأنظمة وإحساسه بالظلم الدائم من ناحيتها. وكانت هذه الفكرة هي عماد صندوق "تحيا مصر" وصندوق "بناء الكنائس"..
فكرة الصندوقين سالفين الذكر وطنية جدا، وجاءت في وقت درجة حرارة الوطنية مرتفعة فيه لدى جميع المصريين، إلا أن نجاحها كان ضعيفا جدا بالمقارنة بفكرة شهادات استثمار قناة السويس، والتي ما أن أعلنت الدولة عن بدء بيعها في البنوك التابعة لها، حتى انهالت المليارات المتدفقة من أموال المصريين على المشروع لإنجاحه، وذلك لوطنيتها، بالإضافة إلى الأرباح التي ستعود على المواطن البسيط المشارك بـ"تحويشة عمره" في هذه "المشروع القومي". فارتبطت المصلحة العليا للوطن، بـ"مصلحة المواطن السفلى". أو ارتبطت المصلحة العامة بـ"مصلحته الخاصة".
كان هشام رامز، محافظ البنك المركزي، صرح في وقت سابق، بأن مدخرات المصريين في البنوك، تزيد على الـ"تريليون جنية"، مما يعني قدرتهم على تمويل كل المشروعات التي تحتاجها الدولة لكي تقف على أرجلها وتتقوى وتتطور.. فقط.. إذا استطاعت أن تجد صيغة مناسبة للربط بين "المصلحة العامة" للدولة، وبين "مصلحة المواطن الخاصة"، والتي هي في النهاية تشكل المصلحة العامة للدولة "الوطنية"، وإذا فعلت ذلك تستطيع استعادة ثقته في أجهزتها المختلفة لاستكمال المسيرة والتقدم.